مساع لإدراجها بالتراث العالمي.. "جزيرة الأحلام" ومنارة التسامح الديني بتونس
تحشد تونس الدعم لملف إدراج مدينة جربة (جنوب شرق البلاد) التي توصف بـ"جزيرة الأحلام" في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وذلك لتعزيز مكانة هذه المنطقة على المستويين الوطني والدولي.
ورغم الهجوم "الإجرامي" الذي استهدف "كنيس الغريبة" اليهودي في غمرة الاحتفالات الدينية شهر مايو الفائت، فإن ذلك لم يمنع مئات الآلاف من السياح المحليين والأجانب من التوافد على الجزيرة التي تعرف بأنها "منارة" للتسامح والتعايش بين الأديان.
فما الذي يميز هذه الجزيرة، وكيف تحولت إلى رمز للتعايش بين المسلمين واليهود وماهي نقاط قوة الملف الذي قدمته تونس إلى اليونسكو لإدراج جربة ضمن قائمة التراث العالمي.
"جزيرة التعايش"
يمكن الوصول إلى الجزيرة الواقعة في محافظة مدنين بالجنوب الشرقي لتونس غير بعيد عن الحدود الليبية، عبر منفذين الأول الطريق الرومانية والثاني بواسطة العبارات التي تنقل المسافرين والبضائع من الجرف إلى جربة.
ووفق لموقع "القمة الفرنكفونية" التي احتضنتها الجزيرة في خريف العام الفائت، فإن "موقع جربة غير البعيد عن البر والمحمي بما يكفي لتكون في مأمن من الغزوات يفسر دورها كملجأ لعبته طوال تاريخها".
ويذكر الموقع أن الجزيرة "آوت اليهود الهاربين بعد تدمير هيكل سليمان. وفيها عاش المسيحيون الكاثوليك والأرثوذكس في وئام مع الطوائف الأخرى، كما تشهد بذلك كنيستا حومة السوق. أما فيما يخصّ المسلمين، فإن جربة كانت أيضًا ملجأ للإباضية، وهي أقلية مذهبية مسلمة".
وتضم جربة عددا من المعابد اليهودية أبرزها "الغريبة"، الذي يعد أقدم كنيس يهودي في القارة الإفريقية ويعتبر مزارا سنويا لليهود من جميع أنحاء العالم.
ووفق الروايات المتداولة فقد تم بناء المعبد قبل نحو 2500 عاما ويضم إحدى أقدم نسخ التوراة. ويقدر عدد السكان اليهود في الجزيرة بنحو 1500 شخص منقسمين بين "الحارة الكبيرة" و"الحارة الصغيرة".
ويعيش اليهود جانبا إلى جنب مع المسلمين الذين تفننوا في تشييد الجوامع، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن عددها يقدر بالمئات من بينها جوامع مشيدة تحت الأرض.
ومن الجوامع المميزة في الجزيرة "مسجد الوطا" وهو معلم صغير تحت الأرض يقع في الريف وسط غابة من أشجار الزيتون غير بعيدة عن الطريق بين "المحبوبين" و"القنطرة".
ولا يظهر من المسجد سوى قبتين صغيرة ومدخل مقبب من الخارج، بينما تم تشييد بقية المسجد تحت الأرض بالكامل.
وجهة سياحية مميزة
على مر العقود اكتسبت جزيرة جربة صيتا ذائعا بين التونسيين والأجانب لتتحول إلى واحدة من أفضل الوجهات السياحية في هذا البلد المغاربي.
ووفق إحصائيات العام 2022، استقبلت الجزيرة أكثر من مليون سائح قضوا أكثر من 5 مليون ليلة في مختلف فنادق ونزل المناطق السياحية.
وساهم المناخ المعتدل والشواطئ الرملية البيضاء والمعمار المميز للمدينة في استقطاب المزيد من العاملين في هذا القطاع الحيوي.
ودفع الإقبال المتزايد للسياح كبرى الشركات المحلية والدولية على الاستثمار في بناء وتشييد المزيد من الفنادق لاستيعاب عدد الزوار المتزايد.
حشد الدعم
تستعد تونس لعرض ملف ترشيح الجزيرة لقائمة التراث العالمي لليونسكو على أنظار لجنة التراث العالمي التي تنعقد بالمملكة العربية السعودية هذا الشهر.
والاثنين، ذكرت وزارة الشؤون الثقافية إنه تم بحضور مسؤولين تونسيين وأجانب "تقديم عرض مفصّل يوثّق لمختلف الخطوات التنفيذية التي شهدتها عملية إيداع ملف ترشيح جربة لتسجيلها على قائمة التراث العالمي والمزمع عرضه على أنظار لجنة التراث العالمي في دورتها 45 التي ستعقد اجتماعها بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية من 10 إلى 25 سبتمبر 2023".
وقالت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي إن "ترشيح الممتلك الثقافي "جربة: شاهد على نمط إعمار في مجال ترابي جزيري" للإدراج بلائحة التراث العالمي "يتميز بأنه ممتلك متسلسل يتكون من 31 عنصرا ويعكس تخطيطا عمرانيا جزيريا استثنائيا، تطوّر خلال الفترة الفاصلة بين القرن العاشر والقرن الثامن عشر".
واعتبرت أن "هذا النمط من الإعمار مرآة للمعتقدات الدينية وللتنظيم الاجتماعي لسكانها"، مشيرة إلى أن "هذه الشواهد المادية على هذا النمط من الإعمار غدت مُعرضة للخطر ومهددة بالاندثار بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات المناخية".
كما أوضحت قطاط أن "الاعتراف الدولي بالقيمة العالمية لجزيرة جربة سيكون فرصة للمحافظة على هذا التراث الثقافي الفريد من نوعه في العالم للأجيال القادمة وكتابة صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية".
وفي تصريح سابق لوسائل إعلام محلية، قال رئيس اللجنة المكلفة بإعداد ملف طلب انضمام الجزيرة إلى قائمة التراث العالمي إن الملف يضم 7 مواقع، بعضها ريفية وأخرى حضرية، إلى جانب معالم أخرى كالمساجد والجوامع وكنيس الغريبة والكنيسة الأرثودوكسية "سانت نيكولاي".
وينقسم الملف إلى ثلاثة أجزاء يتعلق الأول بتقديم مكونات المواقع والمعالم المزمع إدراجها ويضم الثاني مخطط التصرف للعشرية القادمة، أما الجزء الثالث فيشمل ملحقات من بينها قوانين لحماية الأراضي والمواقع والمعالم.
وفي تونس ثمانية مواقع مدرجة ضمن التراث العالمي بينها المدينة العتيقة في العاصمة تونس وسوسة (وسط شرق) ومسرح الجم الروماني (ولاية المهدية وسط ) والموقعان الأثريان بقرطاج (شمال ) ودقة (شمال غرب). وكان الاخير آخر المواقع المدرجة قبل عشرين عاما، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
المصدر: أصوات مغاربية