يعد محمد أجاحود، الشهير بـ"ألبنسير"، من أعمدة شعر الروايس (نوع موسيقى منتشر جنوب المغرب يعتمد على الشعر الأمازيغي الموزون) بمنطقة سوس، وأحد أبرز الفنانين الأمازيغ الذين تناولوا الهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي دون خوف من المخافر والسجون.
ولد ألبنسير بقرية تامسولت بإمنتانوت عام 1939 (غرب مراكش، وسط المغرب)، وعلى غرار أبناء قريته، التحق بأحد الكتاتيب القرآنية حيث حفظ نحو 20 حزبا من القرآن الكريم وتعلم بعضا من العلوم الشرعية.
موازاة مع ذهابه إلى الكتاب، فُتن الطفل الصغير بالشعر الأمازيغي وبفن الروايس، وكان يحرص على حضور ليالي أحواش في قريته أو في الدواوير المجاورة لها خصوصا تلك التي كانت تعرف حضور كبار الفنانين الأمازيغ.
وبينما كان والده يُمني النفس أن يرى ابنه إماما يؤم المصلين في قريته، كان الطفل المراهق يتعلم تقنيات صناعة آلة الرباب التقليدية من أدوات بسيطة في محاولة منه للالتحاق بكبار فناني الروايس في منطقته.
هذا الوضع أغضب والده. ويحكى أن الأب قذف بالآلات التي يصنعها ابنه أكثر من مرة بين أشجار التين الشوكي المحيطة بدواره، لكن ذلك لم يزد المراهق إلا إصرارا في أن يصبح "رايس".
وفي عام 1958 التحق ألبنسير بمجموعة الفنان عمر واهروش والرايس أحمد أمنتاك، حيث تدرب على عزف الرباب وعاين عن قرب تجربة الغناء أمام الجمهور.
وفي عام 1961 رافق شركة سيرك "ألتوف" في جولة إلى فرنسا وسويسرا وألمانيا واستغل تلك الجولة التي دامت 3 أشهر لتسجيل 7 أشرطة (كاسيت) لاقت بعد إصدارها إعجاب الجمهور.
ومع توالي السنوات، بات الفنان الشاب واحدا من أبرز رواد موسيقى الراويس بمنطقة سوس، وتميز عن غيره من الفنانين بصوته الشجي وببراعته في العزف على آلة الرباب وبنوعية المواضيع التي يعالجها في أغانيه.
البنسير صوت الفقراء
في عام 1969 تعرض ألبنسير لحادث سير خطير سبب له كسورا وألزمه الكرسي المتحرك، غير أن هذا الحادث الأليم، شكل نقطة مفصلية في مسار هذا الفنان إذ بسببه صار من أشهر فناني فن روايس بالمغرب.
يقول الباحث المغربي في الثقافة الأمازيغية، أحمد عصيد، ضمن تصريحات وردت في فيلم وثائقي للقناة الأمازيغية حول مسار الفنان، إن هذا الحادث "حد من حركة الفنان، ولكنه حول الفنان إلى عين لا تنضب من الشعر الموزون ودفعه إلى التفرغ كليا للفن وللموسيقى".
موازاة مع ذلك، تميز ألبنسير بأغانيه سواء المسجلة في أشرطة كاسيت أو تلك التي يؤديها في الحفلات التي يحييها أمام جمهوره العريض بالتطرق إلى قضايا غلاء المعيشية وإقصاء الأمازيغ من الإعلام الحكومي.
من ذلك، قصيدة "أكرن" (الدقيق) التي سجلها بأكادير عام 1981 والتي تزامنت مع الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها الدار البيضاء ردا على ارتفاع أسعار الخبز وباقي المواد الغذائية الأساسية.
سجل الأغنية وغادر المغرب في اتجاه فرنسا لإحياء بعض الحفلات هناك، غير أن وجوده بباريس تزامن مع صدور الأغنية بالمغرب، ما دفع السلطات إلى الاعتقاد بأن الفنان هرب خوفا من الاعتقال.
تجاوزت أبيات القصيدة المائتين، وفيها استنكر الفنان ارتفاع الأسعار ولم يخف انتقاده للسلطات وللحكومة.
وجاء في القصيدة:
ؤرجو نعاقل سربيس أييلي ف ؤكَرن
(لم نعهد أن نرى الطوابير على الدقيق)
ؤلا طومزين أد ئكَان خمسميات ريال
(ولا أن يصل سعر الحبوب إلى 500 ريال)
ؤلا جود ماطيشا أد نسغا س ستين ريال
(ولا أن نشتري الطماطم بستين ريال)
أخيزو دباطاطا دؤخساي ؤفن تامنت
(صارت قيمة الجزر والبطاطس واليقطين أفضل من العسل)
ئكَا لمسكين خ طوزومت ن سوق ليتيم
أصبحنا مساكين ويتامى وسط الأسواق)
تحرا لخنشت ن ؤكَرن توتي تامان نسْ
(صار شراء كيس الدقيق أمرا شاقا بسبب غلاء ثمنه)
بعد عودته من فرنسا تعرض ألبنسير للاعتقال بالرباط وأرسل إلى أكادير حيث باشرت الشرطة التحقيق معه، لكن مدة الاعتقال لم تدم أكثر من 24 ساعة فعانق الحرية من جديد.
سنوات قليلة انتقد ألبنسير إطلاق العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني لاكتتاب يدعو المواطنين إلى التبرع لصالح بناء "مسجد الحسن الثاني" الذي بدأت أشغاله تشييده بالدار البيضاء عام 1986.
وانتقد الفنان طريقة جمع التبرعات في قصيدة عنونها بـ "تيمزكيدا" (المسجد) استنكر فيها "ابتزاز" و"إكراه" الفقراء على التبرع لبناء المسجد، ما عرضه من جديد للاعتقال.
مواضيع جعلت ألبنسير أحد رواد الأغنية الأمازيغية السياسية بمنطقة سوس، وظل طيلة مساره الفني قريبا من المواطنين ومن همومهم.
ذكرى رحيل أحد كبار أهرامات الأغنية الأمازيغية السوسية التقليدية
— 🧡🎗فن العيطة و ما جاوره🎗🧡 (@Aita_Ayta) November 11, 2021
الرايس محمد الدمسيري
رحل هذا الهرم دون أن يحظى بالإعتراف الرسمي المستحق
وما زلنا ننتظر أن يكون إسمه مرتبطا بمؤسسة ثقافية أو فنية شوارع أزقة تخلد عطاءه الفني إلى الأبد
رحل عنا الفنان ولم يرحل عنا فنه و ذكراه pic.twitter.com/fh8KUVaEzK
وفي 11 نوفمبر عام 1989، توفي ألبنسير بالدار البيضاء بعد أزمة صحية ألمت به، تاركا أزيد من 650 قصيدة تناولت الأوضاع الاجتماعية والسياسية في بلاده، وبعد مسار كرسه للدفاع عن حق أمازيغ المغرب في الإعلام العمومي.
المصدر: أصوات مغاربية