مدينة درنة الليبية (أرشيف)
صورة أرشيفية لجانب من مدينة درنة الليبية

قبل أن يجرفها إعصار "دانيال"، كانت مباني مدينة درنة الليبية شاهدة على تاريخ عريق يمتد إلى الحقبة اليونانية الكلاسيكية.

وارتبط اسم "درنة" أيضا في السنوات الماضية بكوارث من نوع آخر، مثل محاولة المتشددين إعلانها "ولاية" لتنظيم داعش الإرهابي عام 2014، لكن المدينة الساحلية عاشت في السنوات الأخيرة حقبة من الاستقرار الأمني النسبي. 

مدينة خلابة بـ200 ألف نسمة 

تقع درنة بالقرب من منطقة المرتفعات الخصبة في شرق ليبيا غير بعيد عن الجبل الأخضر، وهي المنطقة الأكثر رطوبة في البلاد.

وتشتهر درنة  بكونها جامعة لجغرافيا متنوعة، إذ تقع بين الجبال الخلابة والبحر والصحراء، وتأوي نحو 200 ألف نسمة، وفق تقديرات رسمية لعام 2020.

التأسيس خلال العصر الهلنستي

أسست درنة في العصر الهلنستي (الحقبة اليونانية الكلاسيكية) تحت اسم درنيس (Darnis).

سقطت المدينة إلى جانب إقليم برقة في يد اليونانيين بداية من القرن السابع قبل الميلاد عندما كانت تعرف باسم "البريقة القديمة".

استغل الإغريق درنة والمدن المجاورة لها لإنتاج الشعير والقمح وزيت الزيتون والنبيذ والتين والتفاح والصوف والأغنام والماشية. وعبر سنوات، تحول شرق ليبيا إلى واحد من أعظم المراكز الفكرية والفنية في العالم اليوناني. 

"مدينة الإله" خلال الحقبة الرومانية

بعد سيطرة الإمبراطورية الرومانية على أراضي الإغريق، تحوّلت درنة من مدينة الفكر إلى مدينة الإيمان.

فقد جعلها الرومان مدينة دينية بامتياز، ثم تعزز هذا التوجه خلال حكم الإمبراطور الروماني قسطنطين، الذي أعلن المسيحية دين الإمبراطورية الرومانية عام 380 ميلادية. 

ملجأ المورسكيين الفارين من الاضطهاد 

وفي الثاني من فبراير عام 1492، أمرت الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون بطرد المسلمين الذين رفضوا اعتناق المسيحية من الأندلس. تم حينها تخييرهم بين قبول المسيحية أو التهجير.

قبل بعضهم الشرط الأول، في حين غادر آخرون نحو بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبات يطلق عليهم اسم "الموريسكيين".

واحتضنت درنة - مثل العديد من المدن المغاربية الساحلية - أعدادا مهمة من المكونات الأندلسية لتنضم إلى العناصر العربية والأمازيغية المشكلة للنسيج الاجتماعي للمدينة. 

مسرح لمعارك كبرى 

عاشت المدينة في كنف الإمارات الإسلامية المتعاقبة، إلى أن وصل الحكم العثماني لمنطقة شمال أفريقيا.

ظلت المدينة بيد العثمانيين إلى أكتوبر 1911 عندما قامت القوات الإيطالية باحتلالها.

ظل الإيطاليون في المدينة لنحو ثلاثة عقود، حيث حررتها قوات أسترالية في 1941 خلال حملات قوات الحلفاء ضد إيطاليا في شمال أفريقيا إبان الحرب العالمية الثانية.

سقطت المدينة مرة أخرى بيد الألمان في العام نفسه، لكن البريطانيين استعادوها بشكل نهائي في نوفمبر 1942. 

اضطرابات أمنية 

أدى انهيار نظام العقيد معمر القذافي في 2011 إلى اضطرابات أمنية وفراغ مؤسساتي استغله متطرفو تنظيم داعش الإرهابي.

وفي أكتوبر 2014، قامت تنظيمات إرهابية بالسيطرة على مناطق مهمة من المدينة، معلنة درنة عاصمة موالية لـ"خلافة داعش". 

وظهرت خلافات بين ميليشيات متعددة بالمدينة، وأعلن الرافضون لمبايعة تنظيم داعش الإرهابي تشكيل هيئة جديدة في نهاية 2014 قامت بطرد المتشددين في يونيو 2015.

  • المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

An aerial view shows part of the Al Sahaba mosque standing in Libya's eastern city of Derna on September 18, 2023, following…
منظر جوي يطهر انجراف "مقبرة الصحابة" المجاورة لمسجد الصحابة الشهير بدرنة

جرف الإعصار دانيال مواقع أثرية كثيرة بمدينة درنة الليبية بينما أماطت اللثام عن أخرى، في وقت أبدت جهات محلية ودولية قلقها من أضرار ربما ألحقها الإعصار، غير المسبوق في ليبيا، بمناطق أثرية وسياحية أخرى في الجبل الأخضر.

وشهدت مدينة درنة التي تعد من أقدم المستعمرات الإغريقية في ليبيا دماراً واسعاً لحق بمواقع أثرية عديدة بالمدينة فيما يحاول المهتمون بالآثار في المدينة حصر تلك الأضرار.

موقع "مقبرة الصحابة"

ومنذ الساعات الأولى التي أعقبت العاصفة، أفاق أهالي درنة على "مقبرة الصحابة" الأثرية وقد جرفها الفيضان تماما باتجاه البحر.

 وتضم المنطقة المحيطة بجامع الصحابة في درنة مقبرة تاريخية تعود لبدايات الفتح الإسلامي لليبيا (سنة 642 م) وتضم قبوراً تعود لصحابة وقادة مسلمين من الفترة المعروفة بالفتح الإسلامي لبرقة تحت قيادة عمرو بن العاص.

وتحتوي مقبرة الصحابة بدرنة أكثر من 70 قبراً لعدد من الشخصيات المعروفة بينهم  زهير بن قيس البلوي، وأبو منصور الفارسي وعبد الله بن بر القيسي وغيرهم.

وجرفت السيول كامل منطقة المقبرة التي تعد من أبرز معالم درنة القديمة، ضمن بقية المناطق المدمرة القريبة من مجرى الوادي حيث جرف الفيضان مئات المباني والمنازل وحصد آلاف الأرواح.

وبينما تتواصل عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث، أعلنت مصادر مختلفة في المدينة أن السيل أماط اللثام عن مواقع أثرية تعود لحقب تاريخية قديمة كانت مدفونة تحت طبقات الأرض.

ومن بين تلك المواقع العثور على آثار تعود للحقبتين الإغريقية والرومانية بالمدينة كانت مختفية منذ قرون، بينها نقوش أثرية وسور روماني ومعاصر زيتون في انتظار أن تجرى عليها المزيد من الأبحاث.

قورينا و أبولونيا اأثريتين

ومن بين المناطق التي أصابتها العاصفة بالجبل الأخضر مدينة شحات الأثرية (60 كم غرب درنة)، والتي كانت تعرف تاريخياً باسم "قورينا"، التي اتخذها الإغريق عاصمة لهم قبل الميلاد وتعد أكبر موقع لهم في شمال إفريقيا.

وقبل أيام نشرت الباحثة بمجموعة الأزمات الدولية، كلاوديا غازيني، تحذيراً من أن الفيضانات التي ضربت شرق ليبيا ألحقت أضراراً بالمنطقة الأثرية في شحات التي تعد من المواقع المحمية من اليونسكو.

وحذرت غازيني، عبر حسابها بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) من احتمالية حصول المزيد من الضرر في الموقع والجدار الخارجي الذي يحميه إذا استمرت المياه في المرور عبره.

وناشدت السلطات المختصة إرسال خبراء ومهندسين إلى المنطقة "لفهم ما يجري ومنع المزيد من الضرر المحتمل لموقع أثري لا يقدر بثمن".

وعلى بعد عدة كيلومترات من شحات تقع مدينة سوسة الساحلية الأثرية (78 كم غرب درنة) التي يعدها علماء الآثاء "متحفاً مفتوحا"، ويخشى من أن تكشف الأيام عن حدوث أضرار بمواقعها الأثرية، لاسيما وأن جزءاً من أثار سوسة يقع تحت مستوى سطح البحر.

وتعد سوسة، التي تعرف تاريخياً بـ "ابولونيا"، ثاني أكثر مناطق الجبل الأخضر تضرراً بفعل الإعصار دانيال بعد درنة. غير أن الباحثة المهتمة بالشأن الليبي، نشرت مقطع فيديو من أحد المواقع الأثرية بمدينة سوسة قائلة إنه لم يتأثر بالفيضانات.

وتشمل المناطق الجبلية الواقعة في نطاق العاصفة دانيال مدنا ومواقع أثرية هامة أخرى بينها مدينة طلميثة الأثرية (بطليموس) شمال مدينة المرج، إضافة إلى مناطق الأثرون ورأس الهلال الواقعتين على الساحل قرب درنة.

تضرر معالم سياحية أخرى

وفي أول تقرير (رسمي) بخصوص المواقع السياحية في المناطق التي ضربتها العاصفة، تحدثت وزارة السياحة والصناعات التقليدية الليبية عن حجم الضرر الذي تعرض لها "وادي الكوف" غرب مدينة البيضاء، و الذي يعد أحد أهم المزارات السياحية بمنطقة الجبل الأخضر.

وأوضح التقرير، الذي صدر الخميس، أن السيول أسفرت عن انجراف طريق وجسر "وادي الكوف" القديم، وتغيير مظاهر سطح مجرى الوادي المتألف من الغطاء النباتي الكثيف من أشجار البلوط والجداري والعرعر والخروب والصنوبر.

ويعد وادي الكوف الواقع غرب مدينة البيضاء، أحد أهم المناطق السياحية في الجبل الأخضر، وهو محمية طبيعية مساحتها ثمانية آلاف هكتار وينطوي على تكوينات ومناظر خلابة، وغطاء نباتي كثيف، تشكل موائل للحيوانات البرية والطيور والزواحف، ومن أكثر المناطق إنتاجا للعسل.

 وإضافة إلى وادي الكوف، ذكر التقرير أن تجمع الركام الناتج عن السيول والفيضانات أحدث أضرارا بمنطقة "جرجار أمه" الساحلية التي تحوي شواطئ ومحميات السلاحف البحرية.

ويتوقع أن يستغرق تقييم الضرر الذي لحق بالمناطق الأثرية والسياحية نتيجة الإعصار "دانيال" وقتاً أطول، لاسيما وان الأولوية التي توليها السلطات الليبية في المرحلة الحالية هي للتخفيف من الآثار الإنسانية والاقتصادية المباشرة.

وضربت الإعصار دانيال في 10 و 11 سبتمبر الحالي مناطق شرق ليبيا ابتداءً من بنغازي، لكن أضرارها الكبيرة تركزت في منطقة الجبل الأخضر (شرق) حيث تسببت السيول والفيضانات في إحداث دمار كبير وأدت إلى مصرع وفقدان الآلاف الأرواح خاصة في مدينة درنة الساحلية.  

المصدر: أصوات مغاربية