A grab from an aerial AFPTV footage taken on September 14, 2023, shows the devasation in the Libyan coastal city of Derna due…
صورة جوية بعد 3 أيام من حدوث الفيضان بسبب انهيار سدي وادي درنة

رغم أن الكارثة الحالية غير مسبوقة من حيث الحجم وعدد الضحايا، فإن لمدينة درنة الليبية قصة طويلة مع الوادي الذي يحمل اسمها، فاض فيها عبر فترات زمنية مختلفة، حاصداً معه أرواح الكثيرين، فيما سجل آخرون في عداد المفقودين إلى الأبد.

فما قصة "وادي درنة" وفيضاناته التي ظل بعضها حدثاً يوثق به السكان تاريخها إلى يومنا هذا؟

يروي الحاج خالد عبد النبي قصته مع مساء الأول من أكتوبر عام 1959، عندما كان
وعائلته الصغير المكونة من زوجته وطفلين إضافة لأمه المسنة، آمنين في بيتهم العتيق قرب "ذيل الوادي" كما يطلق عليه الدراونة للإشارة إلى نهاية الوادي عند البحر.

تنهد الحاج خالد، الذي ما يزال تحت صدمة هول فيضان "دانيال" الأخير، وتحدث بصوت متعب تعلوه نبرة الحزن قائلاً، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، في ذلك اليوم من "عيرة درنة" عام 1959 لم ينقذنا إلا بئر الماء المهجور في فناء البيت، والذي بدأ في بلع المياه المتدفقة إلى الفناء "ما عطل وصولها قليلاً حتى صعدنا إلى سطع منزلنا، وما هي إلا لحظات حتى انهار جدار الغرفة الصغيرة التي كنا ننام فيها وابتلعتها المياه وباقي غرف المنزل".

هنا يتحدث الحاج خالد عن فيضان وادي درنة عام 1959 الذي اعتبر من بين الأكبر في تاريخ المدينة المعروف، من ناحية الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تسبب بها آنذاك، فيما نجا الحاج خالد وعائلته بأعجوبة وظلت ذكرى تلك الليلة محفورة في ذهنه بأصواتها وبرودتها وحتى رائحتها.

في ذلك اليوم تدفقت كميات كبيرة من المياه عبر وادي درنة إلى وسط المدينة، وجرفت معها صخرة هائلة إلى وسط المدينة حيث اصطدمت بالجسر هناك وأدت إلى إغلاق عبارة المياه تحته، ما رفع مستواها لتغرق شوارع المدينة القريبة من الوادي بعد أن سدت الصخرة طريقها إلى البحر.

يقول من كانوا شهوداً على ذلك الفيضان، وبينهم الحاج خالد، إنه استمر ليومين (1 و 2 أكتوبر) جرف خلالهما السيل في طريقه البشر والحجر إلى البحر، وضاعت خلاله ممتلكات الناس وأموالهم الخاصة، كما انجرفت السيارات ودكاكين وسط المدينة.

قبل ذلك بنحو 18 عاماً، وتحديداً سنة 1941، حدث فيضان ضخم آخر قال من شهدوه إنه كان قوياً لدرجة أنه جرف دبابات "ألمانية"من مخلفات الحرب العالمية الثانية، كانت بوادي "درنة" أعلى المدينة، ووادي "الناقة" غربها، لكن الخسائر البشرية الناتجة عن ذلك الفيضان لم تعرف بالتحديد نتيجة  لظروف الحرب العالمية الثانية.

وبين تاريخي الفيضانين الأول والثاني، حدث فيضان كبير آخر بوادي درنة، عام 1956، لكنه لم يتسبب بخسائر مادية كبيرة كما لم يرتبط ذكره بأية خسائر بشرية معروفة.

ويمتد وادي درنة على مسافة تتجاوز 70 كيلومترا باتجاه الجنوب الغربي ويتجه نحو مشارف مدينة "القيقب" بوسط الجبل الأخضر، بمساحة تجميع تتجاوز 575 كيلومتر مربع امتلئت كلها بالمياه خلال إعصار دانيال الأخير، الذي سقطت خلاله كميات أمطار تجاوزت 400 مم في ليلة واحدة

فيضانات ما بعد السدود

غير أن قصة درنة مع فيضانات الوادي لم تنته عند ذلك الحد، إذ كان للمدينة موعد آخر مع واديها الغاضب في سنة 1986، وهو التاريخ الذي أعقب إنشاء سدي الوادي خلال فترة السبعينيات: سد "البلاد" على مشارف المدينة، بسعة مليون ونصف المليون متر مكعب، و"سد بومنصور" (15 كم جنوباً)، بسعة 21 مليون متر مكعب.

تُظهر صور الأقمار الصناعية التي قدمتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" أحد أحياء درنة  في 1 يوليو 2023، في الأعلى، وفي الأسفل فس المنطقة يوم الأربعاء 13 سبتمبر 2023

ورغم إسهام السدين الجديدين آنذاك في كبح مياه الفيضان، إلا أن  كميات المياه التي فاضت عبر بعض تفرعات "سد البلاد" تحديداً، أحدثت بعض الخسائر المادية التي ربما كانت ستصبح أكثر فداحة لولا وقوف السدين في طريق أغلبها.

 ومرت السنون، التي كان الوادي خلالها ينتظر في صمت، حتى جاء تاريخ 3 نوفمبر 2011، ونتيجة لفتح السدود لتصريف المياه الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة في تلك الفترة، حدث فيضان آخر صغير لكن الأمور كانت تحت السيطرة بسبب التحكم في فتح السدين.

وأدى إعصار "دانيال" قبل 5 أيام إلى تدمير سدي البلاد وبومنصور بشكل كلي، الأمر الذي فاقم الخسائر البشرية والمادية على نحو لم تشهده درنة ولا ليبيا بأكملها في تاريخهما، ودفع إلى إطلاق دعوات لفتح تحقيق في أمر السدين الذين لم يتعرضا للصيانة منذ ما قبل 2011.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

An aerial view shows part of the Al Sahaba mosque standing in Libya's eastern city of Derna on September 18, 2023, following…
منظر جوي يطهر انجراف "مقبرة الصحابة" المجاورة لمسجد الصحابة الشهير بدرنة

جرف الإعصار دانيال مواقع أثرية كثيرة بمدينة درنة الليبية بينما أماطت اللثام عن أخرى، في وقت أبدت جهات محلية ودولية قلقها من أضرار ربما ألحقها الإعصار، غير المسبوق في ليبيا، بمناطق أثرية وسياحية أخرى في الجبل الأخضر.

وشهدت مدينة درنة التي تعد من أقدم المستعمرات الإغريقية في ليبيا دماراً واسعاً لحق بمواقع أثرية عديدة بالمدينة فيما يحاول المهتمون بالآثار في المدينة حصر تلك الأضرار.

موقع "مقبرة الصحابة"

ومنذ الساعات الأولى التي أعقبت العاصفة، أفاق أهالي درنة على "مقبرة الصحابة" الأثرية وقد جرفها الفيضان تماما باتجاه البحر.

 وتضم المنطقة المحيطة بجامع الصحابة في درنة مقبرة تاريخية تعود لبدايات الفتح الإسلامي لليبيا (سنة 642 م) وتضم قبوراً تعود لصحابة وقادة مسلمين من الفترة المعروفة بالفتح الإسلامي لبرقة تحت قيادة عمرو بن العاص.

وتحتوي مقبرة الصحابة بدرنة أكثر من 70 قبراً لعدد من الشخصيات المعروفة بينهم  زهير بن قيس البلوي، وأبو منصور الفارسي وعبد الله بن بر القيسي وغيرهم.

وجرفت السيول كامل منطقة المقبرة التي تعد من أبرز معالم درنة القديمة، ضمن بقية المناطق المدمرة القريبة من مجرى الوادي حيث جرف الفيضان مئات المباني والمنازل وحصد آلاف الأرواح.

وبينما تتواصل عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث، أعلنت مصادر مختلفة في المدينة أن السيل أماط اللثام عن مواقع أثرية تعود لحقب تاريخية قديمة كانت مدفونة تحت طبقات الأرض.

ومن بين تلك المواقع العثور على آثار تعود للحقبتين الإغريقية والرومانية بالمدينة كانت مختفية منذ قرون، بينها نقوش أثرية وسور روماني ومعاصر زيتون في انتظار أن تجرى عليها المزيد من الأبحاث.

قورينا و أبولونيا اأثريتين

ومن بين المناطق التي أصابتها العاصفة بالجبل الأخضر مدينة شحات الأثرية (60 كم غرب درنة)، والتي كانت تعرف تاريخياً باسم "قورينا"، التي اتخذها الإغريق عاصمة لهم قبل الميلاد وتعد أكبر موقع لهم في شمال إفريقيا.

وقبل أيام نشرت الباحثة بمجموعة الأزمات الدولية، كلاوديا غازيني، تحذيراً من أن الفيضانات التي ضربت شرق ليبيا ألحقت أضراراً بالمنطقة الأثرية في شحات التي تعد من المواقع المحمية من اليونسكو.

وحذرت غازيني، عبر حسابها بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) من احتمالية حصول المزيد من الضرر في الموقع والجدار الخارجي الذي يحميه إذا استمرت المياه في المرور عبره.

وناشدت السلطات المختصة إرسال خبراء ومهندسين إلى المنطقة "لفهم ما يجري ومنع المزيد من الضرر المحتمل لموقع أثري لا يقدر بثمن".

وعلى بعد عدة كيلومترات من شحات تقع مدينة سوسة الساحلية الأثرية (78 كم غرب درنة) التي يعدها علماء الآثاء "متحفاً مفتوحا"، ويخشى من أن تكشف الأيام عن حدوث أضرار بمواقعها الأثرية، لاسيما وأن جزءاً من أثار سوسة يقع تحت مستوى سطح البحر.

وتعد سوسة، التي تعرف تاريخياً بـ "ابولونيا"، ثاني أكثر مناطق الجبل الأخضر تضرراً بفعل الإعصار دانيال بعد درنة. غير أن الباحثة المهتمة بالشأن الليبي، نشرت مقطع فيديو من أحد المواقع الأثرية بمدينة سوسة قائلة إنه لم يتأثر بالفيضانات.

وتشمل المناطق الجبلية الواقعة في نطاق العاصفة دانيال مدنا ومواقع أثرية هامة أخرى بينها مدينة طلميثة الأثرية (بطليموس) شمال مدينة المرج، إضافة إلى مناطق الأثرون ورأس الهلال الواقعتين على الساحل قرب درنة.

تضرر معالم سياحية أخرى

وفي أول تقرير (رسمي) بخصوص المواقع السياحية في المناطق التي ضربتها العاصفة، تحدثت وزارة السياحة والصناعات التقليدية الليبية عن حجم الضرر الذي تعرض لها "وادي الكوف" غرب مدينة البيضاء، و الذي يعد أحد أهم المزارات السياحية بمنطقة الجبل الأخضر.

وأوضح التقرير، الذي صدر الخميس، أن السيول أسفرت عن انجراف طريق وجسر "وادي الكوف" القديم، وتغيير مظاهر سطح مجرى الوادي المتألف من الغطاء النباتي الكثيف من أشجار البلوط والجداري والعرعر والخروب والصنوبر.

ويعد وادي الكوف الواقع غرب مدينة البيضاء، أحد أهم المناطق السياحية في الجبل الأخضر، وهو محمية طبيعية مساحتها ثمانية آلاف هكتار وينطوي على تكوينات ومناظر خلابة، وغطاء نباتي كثيف، تشكل موائل للحيوانات البرية والطيور والزواحف، ومن أكثر المناطق إنتاجا للعسل.

 وإضافة إلى وادي الكوف، ذكر التقرير أن تجمع الركام الناتج عن السيول والفيضانات أحدث أضرارا بمنطقة "جرجار أمه" الساحلية التي تحوي شواطئ ومحميات السلاحف البحرية.

ويتوقع أن يستغرق تقييم الضرر الذي لحق بالمناطق الأثرية والسياحية نتيجة الإعصار "دانيال" وقتاً أطول، لاسيما وان الأولوية التي توليها السلطات الليبية في المرحلة الحالية هي للتخفيف من الآثار الإنسانية والاقتصادية المباشرة.

وضربت الإعصار دانيال في 10 و 11 سبتمبر الحالي مناطق شرق ليبيا ابتداءً من بنغازي، لكن أضرارها الكبيرة تركزت في منطقة الجبل الأخضر (شرق) حيث تسببت السيول والفيضانات في إحداث دمار كبير وأدت إلى مصرع وفقدان الآلاف الأرواح خاصة في مدينة درنة الساحلية.  

المصدر: أصوات مغاربية