في مثل هذا اليوم 19 سبتمبر من العام 1958 أعلنت قيادة الثورة الجزائرية تأسيس أول حكومة مؤقتة، وهو قرار عُدّ تحديا كبيرا للسلطات الاستعمارية الفرنسية.
لم يكن إعلان تأسيس الحكومة المؤقتة سهلا كما قد يبدو، لأن فرنسا كانت تطارد الثوار الجزائريين عبر العالم فضلا عن الداخل الجزائري، حيث تعرّض الكثير من قادة الثورة والمناضلين للاغتيال أو الاعتقال، ورغم ذلك خاطر 19 رجلا بحياتهم غير مبالين بالاحتلال.
إعلان من ثلاث عواصم
اختارت قيادة الثورة يوم الجمعة 19 سبتمبر 1958 لإعلان تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وجرى الإعلان من ثلاثة عواصم مغاربية وعربية هي؛ تونس والرباط والقاهرة.
بدأت فكرة تشكيل حكومة مؤقتة خلال انعقاد مؤتمر الصومام التاريخي في 20 أغسطس 1956، لكنه لم يحدد تاريخا لذلك.
وفي أغسطس 1958 دعا المجلس الوطني للثورة الجزائرية (تأسس بقرار في مؤتمر الصومام) من مقره في القاهرة بمصر، إلى إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وهو ما تجسد بعد أكثر من سنة.
كان الدافع الأساسي وراء تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، توحيد قيادة الثورة ضمن هذه الهيئة للتحدث باسم الشعب الجزائري في المفاوضات مع الطرف الفرنسي، الذي كان يتحجج آنذاك بأنه لا يوجد أي طرف للتفاوض معه.
وعن أثر هذا التأسيس، قال القائد الثوري الراحل ورئيس المجلس الأعلى للدولة الأسبق علي كافي في كتابه "مذكرات الرئيس علي كافي" إنه كان "حدثا هاما وتاريخيا حرّك نفسية الشعب والجيش، ويمكن اعتباره وسيلة تكتيكية تهدف إلى خلق جهاز رسمي له صلاحيات قيادة دولة، كما يمكن اعتباره محاولة مسؤولة لفتح الباب أمام مفاوضات أو حوار لجس نبض نية السلطات الفرنسية، خاصة بعد مجيء شارل ديغول".
19 رجلا من الوزن الثقيل!
ترأس الحكومة المؤقتة فرحات عباس، وهو مؤسس حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري قبل اندلاع الثورة، وبعد الثورة بات عضوا ثم قياديا في جبهة التحرير الوطني.
تشكلت الحكومة من وجوه ثقيلة في الثورة تقاسموا حقائب وزارية، فعيّن كريم بلقاسم نائبا لفرحات عباس ووزيرا للقوات المسلحة، وأحمد بن بلة نائبا ثانيا لفرحات عباس وحسين آيت أحمد نائبا رابعا له ورابح بيطاط نائب خامسا.
وصار كل من محمد بوضياف ومحمد خيضر وزيري دولة، ومحمد الأمين دباغين وزيرا للخارجية ومحمود الشريف وزيرا للتسليح والتموين ولخضر بن طوبال وزيرا للداخلية وعبد الحفيظ بوصوف وزيرا الاتصالات العامة والمواصلات وعبد الحميد مهري وزيرا لشؤون شمال أفريقيا وأحمد فرنسيس وزيرا للشؤون الاقتصادية والمالية ومحمد يزيد وزير للإعلام وبن يوسف بن خدة وزيرا للشؤون الاجتماعية وأحمد توفيق المدني وزيرا للشؤون الثقافية وعين كل من الأمين خان وعمر أوصديق ومصطفى اسطمبولي كُتّاب دولة.
6 دول.. والردّ الفرنسي
بعد تأسيسها حظيت الحكومة الفتيّة باعتراف رسمي من 6 دول هي؛ تونس والمغرب والجمهورية العربية المتحدة (الوحدة بين مصر وسوريا) وليبيا والعراق واليمين.
أما رد الحكومة الفرنسية فكان شرسا، حيث اعتبرت قيامها "عملا عدائيا"، وأبلغت دول العالم بأنها "تعتبر الاعتراف بهذه الحكومة عملا غير ودّيّ".
لم يأبه الثوار الجزائريون بالموقف الفرنسي وواصلوا نضالهم في تعريف العالم بقضيتهم، وبعد سنوات اضطرت الحكومة الفرنسية للجلوس إلى جانب الحكومة المؤقتة الجزائرية على طاولة المفاوضات لأول مرة في مايو 1961، والتي انتهت بإعلان استقلال الجزائر بعد 132 عاما من الاحتلال.
- المصدر: أصوات مغاربية