في مثل هذا التاريخ قبل 33 عاما عاد أحمد بن بلة، الرئيس الأول لجزائر ما بعد الاستقلال، إلى بلاده بعد تسع سنوات قضاها في المنفى، وذلك بعد إزاحته من الحكم في عملية قادها العقيد هواري بومدين الذي تولى الحكم إلى غاية وفاته في ديسمبر 1978.
الإزاحة والمنفى
تولى بن بلة وهو الرئيس الأول لجزائر ما بعد الاستقلال، السلطة في 15 أكتوبر 1963، واستمر رئيسا للبلاد إلى غاية 19 يونيو 1965 حين نفذ العقيد هواري بومدين عملية عسكرية باسم "التصحيح الثوري" لإزاحته والتي اعتبرها البعض "انقلابا عسكريا".
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الجزائرية فقد بقي بن بلة بعد ذلك "رهن الإقامة الجبرية إلى غاية يونيو 1979" إذ "تم إلزامه بعد ذلك بالإقامة في المسيلة قبل الإفراج عنه في أكتوبر 1980".
ويقول الإعلامي الجزائري الذي عايش تلك الفترة، أحمد أوكيلي إن "نقل بن بلة من الاعتقال إلى الإقامة الجبرية كان مقدمة للإفراج عنه، وكان له ذلك بمغادرته البلاد إلى منفاه الاختياري بعد أن أفرج عنه في 30 أكتوبر 1980" مشيرا إلى أنه قضى معظم فترة المنفى في مدينة لوزان السويسرية.
ظروف العودة
في مطلع تسعينات القرن الماضي كانت الجزائر "تعيش بداية مرحلة جديدة من الديموقراطية، اتسمت بالانفتاح السياسي والإعلامي الذي أقرته البلاد، بعد تعديل الدستور الذي صوت عليه الجزائريون في فبراير 1989 في سياق الإصلاحات التي جاءت على إثر أحداث 5 أكتوبر 1988، والتي أنهت 26 سنة من هيمنة الحزب الواحد" يقول أوكيلي.
ويضيف أوكيلي في حديث لـ"أصوات مغاربية" أن "البلاد كانت بحاجة إلى عودة كافة الشخصيات السياسية المتواجدة في الخارج، وطي صفحة الخلافات، خصوصا الذين كانت أحزابهم تنشط في الداخل بعد اعتماد التعددية السياسية، ومن هؤلاء بن بلة الذي كان يتزعم حزب البديل المعارض الذي أسسه عندما كان مقيما في منفاه بسويسرا".
شارك حزب البديل المعارض في الحياة السياسية بالجزائر، إلا أن بقاء زعيمه التاريخي في الخارج "لم يرق للسلطة التي رأت بأن بقاء بن بلة في منفاه لا يتلاءم والتوجه السياسي الجديد"، يقول أوكيلي مضيفا أن عودة بن بلة بعد 9 سنوات قضاها في المنفى "كانت مؤشرا قويا على حسن نوايا السلطة في ذلك الوقت".
"لحظات عاطفية"
"أخبرنا الرايس بن بلة مسبقا بتاريخ عودته المصادف ليوم 27 سبتمبر 1990، وطلب من المتواجدين في الجزائر ممن لم تصادر السلطات جوازات سفرهم السفر إلى إسبانيا قبل يومين من ذلك التاريخ لملاقاته في مدينة برشلونة التي كان سيصل إليها قادما من سويسرا، وذلك لمرافقته خلال عودته إلى الجزائر العاصمة على متن رحلة بحرية".
هكذا كانت ترتيبات عودة "الرايس" بن بلة، كما يرويها الناشط السياسي السابق في حزب البديل المعارض، الكاتب محمد سريج، الذي كان من بين المقربين لأحمد بن بلة خلال تواجده في منفاه بسويسرا.
يوضح سريج أنه لم يتمكن من السفر لملاقاة بن بلة في إسبانيا لأن السلطات سحبت جوازه في وقت سابق، ولكنه يردف "تمكنا من حشد مئات الأشخاص والسفر للعاصمة على متن حافلات للمشاركة في الاستقبال الشعبي الذي حضرناه للزعيم بن بلة".
ويصف سراج لحظة وصول بن بلة رفقة أسرته إلى ميناء الجزائر العاصمة بالقول "كانت لحظات عاطفية، إنه بن بلة الذي قاد الثورة الجزائرية، وتعرض للسجن من قبل الفرنسيين، ثم قاد البلاد، قبل أن يتعرض للسجن ثانية لكن من قبل رفاقه السابقين"، مضيفا أن بن بلة "تحدث أمام الجماهير خارج الميناء عن تطلعاته في جزائر المستقبل وعن التعددية السياسية، ثم انتقل لقضاء أول ليلة بعد عودته من المنفى، في فندق الأوراسي بالعاصمة".
ويختم المتحدث ذاته مؤكدا أن بن بلة "شارك بإيجابية في كافة المراحل التي قطعتها البلاد بعد ذلك، وكانت السلطات قد وضعت تحت تصرفه إقامة خاصة في حي حيدرة الراقي بالعاصمة".
- المصدر: أصوات مغاربية