قصة "الربيع الجزائري" الذي أنهى الأحادية الحزبية قبل 35 عاما
في الخامس من أكتوبر عام 1988 اندلعت انتفاضة شعبية أطلق عليها اسم "الربيع الجزائري"، حيث خرج آلاف المتظاهرين في احتجاجات بدأت من العاصمة وامتدت نحو باقي المناطق للمطالبة بالتعددية السياسية بعد 26 سنة من حكم الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني) وأدت نتائجها إلى فسح المجال أمام الديموقراطية لأول مرة منذ الاستقلال.
ما قبل الانتفاضة
"سيطرت حالة من اليأس والغضب بين مختلف شرائح المجتمع في الجزائر نتيجة تراكمات نحو ثلاثة عقود من الاستقلال وكانت ذات صلة أيضا بالأزمة الاقتصادية التي عرفتها البلاد عقب انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات، وكذا ترسبات هيمنة النظام الاشتراكي وحكم الحزب الواحد"، هكذا لخص الباحث في التاريخ المعاصر للجزائر، عبد الرحمان قدوري السياق الذي اندلعت في انتفاضة 5 أكتوبر 1988، مضيفا أنها "أسباب متعددة الجوانب اقتصادية وسياسية واجتماعية".
لعبت الجوانب الثلاثة دورا أساسيا في اندلاع الغضب الشعبي الذي اجتاح معظم المدن في الجزائر، وفق الباحث قدوري، الذي يرى في حديثه لـ"أصوات مغاربية" أن "فشل النظام الاشتراكي في الاستجابة لمطالب الجماهير، على مدار 26 سنة من عمر الاستقلال، والتي كان يحاول دغدغة مشاعرها بالشعارات، دفعها نحو التعبير عن غضبها من فشل الرؤية السياسية والاقتصادية في تلبية تطلعاتها".
ويشير المتحدث إلى أن الأزمة الاقتصادية التي هزت البلاد في الثمانينيات "كشفت محدودية سياسة الاعتماد على المحروقات ووضعت النظام الاقتصادي والسياسي للبلاد في الواجهة أمام الشعب"، ويضيف أنه رغم "المرونة" التي ميزت حكم الرئيس السابق الشاذلي بن جديد الذي كان "ميالا للحوار والمشاورات بدلا من الانفراد بالرأي، فإن التحول العميق الذي عرفه المجتمع بعد رحيل الرئيس السابق هواري بومدين، والذي رافقته صحوة إسلامية مع حلول سنة 1982 شكلت جانبا من ملامح أكتوبر 1988 الذي كان خليطا ما بين العلمانيين والشيوعيين والإسلاميين".
شاهد يروي التفاصيل
يفصل الكاتب الصحفي، عبد القادر حريشان، لـ"أصوات مغاربية" الوضع العام في الجزائر العاصمة يوم 4 أكتوبر، ساعات قبل اندلاع موجة الغضب التي كان شاهدا عليها بحكم عمله الصحفي في العاصمة آنذاك.
ويقول: "كانت الأحياء الشعبية في الجزائر تخفي ملامح انتفاضة عارمة، بدت أزقة باب الوادى وكأنها تتأهب لأمر لا مفر منه، مع غروب شمس ذلك اليوم كانت المناوشات قد اتسعت رقعتها من هذا الحي الشعبي نحو باقي أرجاء العاصمة، اتجاه البريد المركزي وشارع حسيبة بن بوعلي ثم الرغاية وبوزريعة وغيرها وفي صباح الخامس أكتوبر كانت الانتفاضة".
لم تتوقف الانتفاضة عند حدود عاصمة البلاد، بل امتدت إلى المدن الكبرى خصوصا عنابة وقسنطينة ووهران ومنطقة القبائل، وفق حريشان الذي أكد في تصريحه لـ"أصوات مغاربية "أن الانتفاضة "استهدفت كل ما يرمز للدولة والحزب من مقرات ومؤسسات بما في ذلك أسواق الفلاح والأروقة الجزائرية التابعة للحكومة"، ويشير المتحدث إلى أن الخسائر كانت "كبيرة"، سواء البشرية أو المادية منها.
ووفق أرقام رسمية فإن انتفاضة 5 أكتوبر 1988 التي دفعت بالجيش إلى النزول للشارع، أودت بحياة 159 متظاهرا، خلال المواجهات مع مختلف المصالح الأمنية، بينما ذكر نشطاء وحقوقيين أنها سجلت وفاة أكثر من 500 ضحية.
انفتاح سياسي وإعلامي
أفرزت الانتفاضة الشعبية إلى دفع النظام نحو الانفتاح السياسي والإعلامي الذي كرسه دستور فبراير 1988، وسمح بإنشاء "الجمعيات ذات الطابع السياسي" مثلما يقول عبد القادر حريشان، الذي أضاف أن 5 أكتوبر "كان ربيعا جزائريا سبق ثورات الربيع العربي وفي عز أيام الخريف".
يشير حريشان إلى أن انتفاضة أكتوبر "أطاحت بكل ما سبقها، فقد أسقطت الحكومة، والحزب الواحد (جبهة التحر ير الوطني) الذي انسحب من قيادته الشريف مساعدية وهو عرابه خلال فترة الشاذلي بن جديد لصالح السياسي عبد الحميد مهري، كما تولى رجل الإصلاحات مولود حمروش قيادة حكومة جديدة".
وحسب حريشان فإن حدود الحريات الفردية والجماعية خلال تلك الفترة التي أعقبت أكتوبر 1988 "فاقت كل التوقعات، بما في ذلك الصحافة العمومية التي تحدثت بعد الانتفاضة بشفافية عما وقع من أحداث بما في ذلك حالات التعذيب التي يكون قد تعرض لها متظاهرون".
ويخلص المتحدث إلى أن الجزائر دخلت بعد تعديل الدستور ولأول مرة تجربة التعددية السياسية والحزبية والإعلامية والانتخابات التي "شاركت فيها كافة التيارات التي كانت ممنوعة طيلة 26 سنة من النشاط السياسي، كما شهدت الساحة ظهور حركات عمالية ونسوية وطلابية مستقلة".
المصدر: أصوات مغاربية