فيتشر

قصة "الربيع الجزائري" الذي أنهى الأحادية الحزبية قبل 35 عاما 

05 أكتوبر 2023

في الخامس  من أكتوبر عام 1988 اندلعت انتفاضة شعبية أطلق عليها  اسم "الربيع الجزائري"،  حيث خرج آلاف المتظاهرين في احتجاجات بدأت من العاصمة وامتدت نحو باقي المناطق للمطالبة بالتعددية السياسية بعد 26 سنة من حكم الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني) وأدت نتائجها إلى فسح المجال أمام الديموقراطية لأول مرة منذ الاستقلال.

ما قبل الانتفاضة

"سيطرت حالة من اليأس والغضب بين مختلف شرائح المجتمع في الجزائر نتيجة تراكمات نحو ثلاثة عقود من الاستقلال وكانت ذات صلة أيضا بالأزمة الاقتصادية التي عرفتها البلاد عقب انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات، وكذا ترسبات هيمنة النظام الاشتراكي وحكم الحزب الواحد"، هكذا لخص الباحث في التاريخ المعاصر للجزائر، عبد الرحمان قدوري السياق الذي اندلعت في انتفاضة 5 أكتوبر 1988، مضيفا أنها "أسباب متعددة الجوانب اقتصادية وسياسية واجتماعية".

لعبت الجوانب الثلاثة دورا أساسيا في اندلاع الغضب الشعبي الذي اجتاح معظم المدن في الجزائر، وفق الباحث قدوري، الذي يرى في حديثه لـ"أصوات مغاربية" أن "فشل النظام الاشتراكي في الاستجابة لمطالب الجماهير، على مدار 26 سنة من عمر الاستقلال، والتي كان يحاول دغدغة مشاعرها بالشعارات، دفعها نحو التعبير عن غضبها من فشل الرؤية السياسية والاقتصادية في تلبية تطلعاتها".

ويشير المتحدث إلى أن الأزمة الاقتصادية التي هزت البلاد في الثمانينيات "كشفت محدودية سياسة الاعتماد على المحروقات ووضعت النظام الاقتصادي والسياسي للبلاد في الواجهة أمام الشعب"، ويضيف أنه رغم "المرونة" التي ميزت حكم الرئيس السابق الشاذلي بن جديد الذي كان "ميالا للحوار والمشاورات بدلا من الانفراد بالرأي، فإن التحول العميق الذي عرفه المجتمع بعد رحيل الرئيس السابق هواري بومدين، والذي رافقته صحوة إسلامية مع حلول سنة 1982 شكلت جانبا من ملامح أكتوبر 1988 الذي كان خليطا ما بين العلمانيين والشيوعيين والإسلاميين".

شاهد يروي التفاصيل

يفصل الكاتب الصحفي، عبد القادر حريشان، لـ"أصوات مغاربية" الوضع العام في الجزائر العاصمة يوم 4 أكتوبر، ساعات قبل اندلاع موجة الغضب التي كان شاهدا عليها بحكم عمله الصحفي في العاصمة آنذاك.

ويقول: "كانت الأحياء الشعبية في الجزائر تخفي ملامح انتفاضة عارمة، بدت أزقة باب الوادى وكأنها تتأهب لأمر لا مفر منه، مع غروب شمس ذلك اليوم كانت المناوشات قد اتسعت رقعتها من هذا الحي الشعبي نحو باقي أرجاء العاصمة، اتجاه البريد المركزي وشارع حسيبة بن بوعلي ثم الرغاية وبوزريعة وغيرها وفي صباح الخامس أكتوبر كانت الانتفاضة".

لم تتوقف الانتفاضة عند حدود عاصمة البلاد، بل امتدت إلى المدن الكبرى خصوصا عنابة وقسنطينة ووهران ومنطقة القبائل، وفق حريشان الذي أكد في تصريحه لـ"أصوات مغاربية "أن الانتفاضة "استهدفت كل ما يرمز للدولة والحزب من مقرات ومؤسسات بما في ذلك أسواق الفلاح والأروقة الجزائرية التابعة للحكومة"، ويشير المتحدث إلى أن الخسائر كانت "كبيرة"، سواء البشرية أو المادية منها.

ووفق أرقام رسمية فإن انتفاضة 5 أكتوبر 1988 التي دفعت بالجيش إلى النزول للشارع، أودت بحياة 159 متظاهرا، خلال المواجهات مع مختلف المصالح الأمنية، بينما ذكر نشطاء وحقوقيين أنها سجلت وفاة أكثر من 500 ضحية.

انفتاح سياسي وإعلامي 

أفرزت الانتفاضة الشعبية إلى دفع النظام نحو الانفتاح السياسي والإعلامي الذي كرسه دستور فبراير 1988، وسمح بإنشاء "الجمعيات ذات الطابع السياسي" مثلما يقول عبد القادر حريشان، الذي أضاف أن 5 أكتوبر "كان ربيعا جزائريا سبق ثورات الربيع العربي وفي عز أيام الخريف".

يشير حريشان إلى أن انتفاضة أكتوبر "أطاحت بكل ما سبقها، فقد أسقطت الحكومة، والحزب الواحد (جبهة التحر ير الوطني) الذي انسحب من قيادته الشريف مساعدية وهو عرابه خلال فترة الشاذلي بن جديد لصالح السياسي عبد الحميد مهري، كما تولى رجل الإصلاحات مولود حمروش قيادة حكومة جديدة".

وحسب حريشان فإن حدود الحريات الفردية والجماعية خلال تلك الفترة التي أعقبت أكتوبر 1988 "فاقت كل التوقعات، بما في ذلك الصحافة العمومية التي تحدثت بعد الانتفاضة بشفافية عما وقع من أحداث بما في ذلك حالات التعذيب التي يكون قد تعرض لها متظاهرون".

ويخلص المتحدث إلى أن الجزائر دخلت بعد تعديل الدستور ولأول مرة تجربة التعددية السياسية والحزبية والإعلامية والانتخابات التي "شاركت فيها كافة التيارات التي كانت ممنوعة طيلة 26 سنة من النشاط السياسي، كما شهدت الساحة ظهور حركات عمالية ونسوية وطلابية مستقلة".

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية