تحلّ، اليوم الجمعة (6 أكتوبر)، الذكرى الـ11 لوفاة الرئيس الجزائري الأسبق، الشاذلي بن جديد، وهي مناسبة لتسليط الضوء على مسيرة هذا الزعيم السياسي المغاربي، الذي قاد بلاده في مرحلة سياسية حرجة خلال التسعينات من القرن الماضي.
ويُعد المشوار النضالي والسياسي للشاذلي بن جديد استثنائياً في كثير من الأبعاد. فخلال فترة رئاسته (1979-2012)، كان له الفضل في إخراج الجزائر من الكتلة السوفيتاية وتقريبها من الغرب. وفي عام 1985، أصبح أول رئيس جزائري يقوم بزيارة رسمية للولايات المتحدة.
كما يتذكر الجزائريون بن جديد بقراره التاريخي التخلي عن السلطة في شهر يناير من سنة 1992 بمبرر تلبية "نداء الضمير" مع لهيب الحرب الأهلية (1991 – 2002).
الانشقاق لصفوف المقاومة
رأى بن جديد النور يوم 14 أبريل 1929 في بلدية بوثلجة الواقعة في ولاية الطارف (شمال شرق البلاد).
خدم في الجيش الفرنسي كضابط صف، وقاتل في مستعمرات شبه جزيرة الهند الصينية السابقة. لاحقا، انشق عن الجيش الفرنسي وانضم إلى جبهة التحرير الوطني في بداية الثورة الجزائرية عام 1954، وكان يُحسب حينها على أحد رموز الثورة والرئيس الثاني للجزائر المستقلة، هواري بومدين.
بُعيد الاستقلال، تولى القيادة العسكرية لمنطقة وهران عام 1964، كما تسلق سلم الرتب حتى أصبح عقيداًً بالجيش عام 1969.
خلال توليه قيادة المنطقة العسكرية الثانية من 1964 إلى 1978، أشرف على إجلاء القوات العسكرية الفرنسية المتمركزة في المرسى الكبير وفقا لاتفاقيات إيفيان، وهي معاهدات سلام موقعة بين فرنسا والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 18 مارس 1962.
من نوفمبر 1978 إلى فبراير 1979، أصبح بن جديد وزيرا للدفاع.
رئيس الجبهة.. ثم رئيسا للدولة
في يناير 1979، تولى بن جديد الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الوحيد في البلاد إلى أن تم إقرار التعددية الحزبية بمقتضى دستور سنة 1989.
وصل إلى الزعامة الحزبية كمرشح توافقي في المؤتمر الرابع الذي عقد في أواخر يناير 1979. وفي التاسع من فبراير، تولى رئاسة البلاد أيضا.
تميّزت فترة حكمه بتوجهات اقتصادية خففت من دور الدولة في الاقتصاد والنهج الاشتراكي الذي تبنته البلاد بعد الاستقلال في 1962، وفق صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية.
الانفتاح على الغرب
اتسمت أيضا فترة رئاسته بإخراج الجزائر من الكتلة السوفياتية "نحو تحالفها الأمني الحالي مع الغرب"، بحسب تقرير سابق نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عام 2012.
وبالفعل، فقد كان بن جديد أول رئيس جزائري يقوم بزيارة رسمية للولايات المتحدة في 1985، أي إبان تولي رونالد ريغان الرئاسة بأميركا.
وتزامن الابتعاد النسبي عن تحكم الدولة في مفاصل الاقتصاد مع الانخفاض السريع في أسعار النفط، وتزايد الدعوات لتبني سياسات التحرير الاقتصادي وسط رفض قطاعات أخرى لسياسات التقشف.
وشهدت هذه المرحلة ما يعرف بأحداث الخامس من أكتوبر 1988 الدامية والتي فسحت المجال أمام تعديلات دستورية في شهر فبراير 1989، حينما سمح الشاذلي بن جديد بإنهاء قرابة 30 سنة من حكم الحزب الواحد في الجزائر، وإقرار التعددية السياسية في البلاد، كما سمح بإصدار الصحف المستقلة وتأسيس الجمعيات والنقابات.
وتعزز دور الرئيس الأسبق أيضا في الغرب بسبب قيامه ببناء سمعة للجزائر كوسيط في النزاعات، بما في ذلك العمل كوسيط بين إيران والولايات المتحدة في عام 1981 أثناء حصار السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 52 دبلوماسيا أميركياً لمدة 444 يوماً.
الرحيل عن السياسة
لكن تجربة الانفتاح الديمقراطي انتهت بإغراق البلاد في الفوضى، بعد أن بدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في طريقها للفوز بالانتخابات البرلمانية.
وقبل أيام قليلة من إجراء الدور الثاني للانتخابات التشريعية، وفي يوم 11 يناير 1992، أعلن بن جديد، استقالته المفاجئة، والتي أثارت جدلا كبيرا في الساحة السياسية، إذ يعتقد البعض أنه تعرض لضغوط شديدة من ضباط الجيش للتنحي.
وفي رسالة الاستقالة التي قرأها الشاذلي بن جديد مساء يوم 11 يناير سنة 1992، قال "لا شك أنكم تعلمون أنني لم أكن راغبا في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية عقب وفاة هواري بومدين".
وفي حوار سابق مع "أصوات مغاربية"، قال عبد العزيز بوباكير، كاتب مذكرات الرئيس الأسبق، "لقد تناقشت مع الرئيس في الكثير من المرات، ولازمته وقتا طويلا أثناء إعداد المذكرات الخاصة به بعد تنحيه عن المسؤولية. وأستطيع أن أؤكد لكم أن قرار الاستقالة اتخذ عن طواعية وبإرادة الرئيس الشاذلي بن جديد. هذا ما أكده لي مرات عديدة".
ويضيف: "كان الرئيس الشاذلي بن جديد يتواجد بين خيارين متناقضين لا ثالث لهما، إما أن يقوم بإلغاء الدور الثاني من تلك الانتخابات بما يتعارض مع المشروع الديمقراطي الذي كرسه ورسخه في البلاد منذ 1988، أو أن يحترم إرادة الشعب الجزائري. بعبارة أخرى، قال الرئيس الشاذلي بن جديد وجدت نفسي بين نداء الضمير وإغراءات الكرسي، فاخترت الأول".
بعد الاستقالة، اختفى بن جديد من الحياة العامة. وقد عاود الظهور خلال سنوات حكم عبد العزيز بوتفليقة، قبل وفاته في السادس من أكتوبر 2012، حيث ألقى محاضرات في الجامعات وبعض المنتديات العامة الأخرى.
المصدر: أصوات مغاربية/ وسائل إعلام بريطانية