وافق يوم أمس (5 أكتوبر) حلول الذكرى الـ69 لأول جريمة اغتيال سياسي في ليبيا بعد استقلالها، عندما أقدم أحد أفراد العائلة السنوسية يوم 5 أكتوبر 1954 على اغتيال إبراهيم الشلحي، السكرتير الخاص للملك ادريس السنوسي.
وقتل الشلحي على يد محيي الدين السنوسي، قريب الملك إدريس السنوسي، وابن شقيق زوجته فاطمة الشريف، في حادثة أثرت تداعياتها عميقاً على نظام الحكم في ليبيا، وولدت أزمة في العلاقات بين فروع العائلة السنوسية.
حضوة الشلحي التي أودت بحياته
وطالما حظي إبراهيم الشلحي، المولود بشرق ليبيا في 1899، بحضوة خاصة لدى العائلة السنوسية حيث رافق عائلة الملك منذ صغره، ثم رشحه عم الملك، أحمد الشريف، لخدمة الملك إدريس السنوسي منذ صغره.
واعتمد الملك إدريس على ابراهيم الشلحي بشكل كبير منذ أن بدأ خدمته في 1913 وحتى أصبح مستشارا له وصديقا مقرباً وخادما أميناً للملك تحت صفة "ناظر للخاصة الملكية".
هذا الشاب هو الشريف محي الدين السنوسي ابن أخ الملكة فاطمة وابن عم الملك ادريس السنوسي قام بقتل ابراهيم الشلحي امام الديوان الملكي في اكتوبر 1954 ويعتبر اول اغتيال سياسي في ليبيا صدر عليه حكم بالأعدام شنقاً من المحكمة وصادق عليه الملك في فبراير من سنة 1955 pic.twitter.com/I9WGB1LbBJ
— خصيمي قاضي (@mosali1243) June 7, 2019
وعلى مدى أكثر من 40 سنة كان إبراهيم الشلحي الشخصية الأقرب والأكثر حضوة عند الملك إدريس السنوسي الذي كان يثق في رأيه ثقة مطلقة ابتداء من الأمور العامة وانتهاء بالإشراف على طعامه وراحته الشخصية.
ويروي الشهود على تلك المرحلة كيف أن علاقة إبراهيم الشلحي بالملك إدريس جلبت له الكثير من الحسد والعداء من قبل المحيطين بالملك. بينما كانت العلاقة محل انتقاد البعض باعتبارها أظهرت "ضعف" الملك أمام تأثير الشلحي القوي حينها.
وبالنسبة لأبناء أحمد الشريف (عم الملك ووالد زوجته) كانت لديهم قناعة أن الشلحي يحول بينهم وبين الملك إدريس، كما أنهم يتهمونه بأنه وراء "مؤامرة" حرمانهم من وراثة العرش الليبي.
ويبدو أن الحنق الذي ولدته خصوصية العلاقة بين ابراهيم الشلحي (وأبنائه من بعده) والملك إدريس السنوسي قد كان الوقود الذي ألهب الرغبة في إزاحته، والحافز الذي دفع أحد المنحدرين من نسل أحمد الشريف للتخطيط لاغتياله.
اغتيال هز الحكم
وبالفعل يوم 5 أكتوبر 1954 أقدم محيي الدين السنوسي، حفيد السيد أحمد الشريف، على اغتيال إبراهيم الشلحى بإطلاق النار عليه أمام مكتب رئيس الوزراء آنذاك، مصطفى بن حليم، بمدينة بنغازي (شرق البلاد).
وعلى إثر العملية حكمت محكمة جنايات بنغازي على محيي الدين السنوسي بالإعدام، ثم أيدته المحكمة العليا الاتحادية في 11 ديسمبر من نفس العام، وتم التنفيذ في 6 فبراير 1955.
وتشير مصادر تاريخية إلى أن الملك حزن كثيراً على مقتل الشلحي، لدرجة التفكير في اعتزال الحكم من شدة حزنه، كما قرر وضع جميع أفراد العائلة السنوسية تحت الإقامة الجبرية وتجريدهم من ألقابهم ومعاملتهم معاملة أي مواطن ليبي عادي.
تفاصيل مثيرة عن اغتيال ناظر الخاصة الملكية إبراهيم الشلحي بسبب الصراع على العرش الملكي الليبي يرويها #مصطفى_بن_حليم في مذكراته #مذكرات #ليبيا pic.twitter.com/sycyApMdNM
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 10, 2021
وأصدر الملك إدريس أمراً إلى قائد "قوة دفاع برقة" حينها، محمود بوقويطين، بأن ينفذ الحكم في وسط بنغازي أمام مبنى رئاسة مجلس الوزراء مكان حدوث الاغتيال، ثم تم العدول عن ذلك بسبب عدم قانونية الإجراء، وتنفيذ عملية الشنق في السجن المركزي بدلاً من ذلك.
وأعدم محيي الدين السنوسي بحضور أبناء ابراهيم الشلحي، وبينهم البوصيري وعمر الذين أصبحا ناظرين للخاصة الملكية (على التوالي) خلفاً لأبيهما إبراهيم، فيما جاءت الأوامر لقائد "قوة دفاع برقة" وصهر أل الشلحي بإلقاء جثة القتيل أمام مبنى رئاسة الوزراء ليتسلمها أهله.
وتشير بعض المصادر إلى محاولات عدة قامت بها جهات داخلية وأجنبية للتوسط لدى الملك إدريس للعفو عن محي الدين السنوسي، لكنه رفض بشدة وتم تنفيذ الحكم على الرغم من أن القاتل هو ابن أخ الملكة فاطمة السنوسي.
ويؤكد شهود على تلك المرحلة، ومن بينهم رئيس الوزراء الراحل مصطفى بن حليم، الذي حدثت عملية الاغتيال في عهد حكومته (1954 – 1957)، على قوة التأثير والحضوة التي كان يملكها ابراهيم الشلحي ومن بعده أبناؤه الثلاثة البوصيري، وعمر، و عبد العزيز الذين شكلوا الحلقة الأقرب إلى الملك حتى الإطاحة به في 1969.
المصدر: أصوات مغاربية