الأمير إدريس السنوسي (قبل إعلان الاستقلال) يخاطب أهالي طرابلس من شرفة قصره بالمدينة في 19 مايو 1951 ،وورائه يقف محمود المنتصر، أول رئيس وزراء لليبيا بعد الاستقلال
تشير مصادر تاريخية إلى أن الملك ادريس السنوسي حزن حزناً كبيراً على اغتيال سكرتيره الخاص

وافق يوم أمس (5 أكتوبر) حلول الذكرى الـ69 لأول جريمة اغتيال سياسي في ليبيا بعد استقلالها، عندما أقدم أحد أفراد العائلة السنوسية يوم 5 أكتوبر 1954 على اغتيال إبراهيم الشلحي، السكرتير الخاص للملك ادريس السنوسي. 

وقتل الشلحي على يد محيي الدين السنوسي، قريب الملك إدريس السنوسي، وابن شقيق زوجته فاطمة الشريف، في حادثة أثرت تداعياتها عميقاً على نظام الحكم في ليبيا، وولدت أزمة في العلاقات بين فروع العائلة السنوسية.

حضوة الشلحي التي أودت بحياته

وطالما حظي إبراهيم الشلحي، المولود بشرق ليبيا في 1899، بحضوة خاصة لدى العائلة السنوسية حيث رافق عائلة الملك منذ صغره،  ثم رشحه عم الملك، أحمد الشريف، لخدمة الملك إدريس السنوسي منذ صغره.

واعتمد الملك إدريس على ابراهيم الشلحي بشكل كبير منذ أن بدأ خدمته في 1913 وحتى أصبح مستشارا له وصديقا مقرباً وخادما أميناً للملك تحت صفة "ناظر للخاصة الملكية".

وعلى مدى أكثر من 40 سنة كان إبراهيم الشلحي الشخصية الأقرب والأكثر حضوة عند الملك إدريس السنوسي الذي كان يثق في رأيه ثقة مطلقة ابتداء من الأمور العامة وانتهاء بالإشراف على طعامه وراحته الشخصية.

ويروي الشهود على تلك المرحلة كيف أن علاقة إبراهيم الشلحي بالملك إدريس جلبت له الكثير من الحسد والعداء من قبل المحيطين بالملك. بينما كانت العلاقة محل انتقاد البعض باعتبارها أظهرت "ضعف" الملك أمام تأثير الشلحي القوي حينها.

وبالنسبة لأبناء أحمد الشريف (عم الملك ووالد زوجته) كانت لديهم قناعة أن الشلحي يحول بينهم وبين الملك إدريس، كما أنهم يتهمونه بأنه وراء "مؤامرة" حرمانهم من وراثة العرش الليبي.

ويبدو أن الحنق الذي ولدته خصوصية العلاقة بين ابراهيم الشلحي (وأبنائه من بعده) والملك إدريس السنوسي قد كان الوقود الذي ألهب الرغبة في إزاحته، والحافز الذي دفع أحد المنحدرين من نسل أحمد الشريف للتخطيط لاغتياله.  

اغتيال هز  الحكم 

وبالفعل يوم 5 أكتوبر 1954 أقدم محيي الدين السنوسي، حفيد السيد أحمد الشريف، على اغتيال إبراهيم الشلحى بإطلاق النار عليه أمام مكتب رئيس الوزراء آنذاك، مصطفى بن حليم، بمدينة بنغازي (شرق البلاد).

وعلى إثر العملية حكمت محكمة جنايات بنغازي على محيي الدين السنوسي بالإعدام، ثم أيدته المحكمة العليا الاتحادية في 11 ديسمبر من نفس العام، وتم التنفيذ في 6 فبراير 1955.

وتشير مصادر تاريخية إلى أن الملك حزن كثيراً على مقتل الشلحي، لدرجة التفكير في  اعتزال الحكم من شدة حزنه، كما قرر وضع جميع أفراد العائلة السنوسية تحت الإقامة الجبرية وتجريدهم من ألقابهم ومعاملتهم معاملة أي مواطن ليبي عادي.

وأصدر الملك إدريس أمراً إلى قائد "قوة دفاع برقة" حينها، محمود بوقويطين، بأن ينفذ الحكم في وسط بنغازي أمام مبنى رئاسة مجلس الوزراء مكان حدوث الاغتيال، ثم تم العدول عن ذلك بسبب عدم قانونية الإجراء، وتنفيذ عملية الشنق في السجن المركزي بدلاً من ذلك.

وأعدم محيي الدين السنوسي بحضور أبناء ابراهيم الشلحي، وبينهم البوصيري وعمر الذين أصبحا ناظرين للخاصة الملكية (على التوالي) خلفاً لأبيهما إبراهيم، فيما جاءت الأوامر لقائد "قوة دفاع برقة" وصهر أل الشلحي بإلقاء جثة القتيل أمام مبنى رئاسة الوزراء ليتسلمها أهله.

وتشير بعض المصادر إلى محاولات عدة قامت بها جهات داخلية وأجنبية للتوسط لدى الملك إدريس للعفو عن محي الدين السنوسي، لكنه رفض بشدة وتم تنفيذ الحكم على الرغم من أن القاتل هو ابن أخ الملكة فاطمة السنوسي.

ويؤكد شهود على تلك المرحلة، ومن بينهم رئيس الوزراء الراحل مصطفى بن حليم، الذي حدثت عملية الاغتيال في عهد حكومته (1954 – 1957)، على قوة التأثير والحضوة التي كان يملكها ابراهيم الشلحي ومن بعده أبناؤه الثلاثة البوصيري، وعمر، و عبد العزيز الذين شكلوا الحلقة الأقرب إلى الملك حتى الإطاحة به في 1969.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية