في أغسطس 1958 قرر قادة الثورة الجزائرية نقل ثورتهم إلى الداخل الفرنسي، ردّا على ما يقوم به جيش ودرك وشرطة الاحتلال من قتل وتدمير في بلادهم منذ بداية الثورة في نوفمبر 1954.
نفّذ الثوار عمليات مسلحة في العاصمة باريس ومرسيليا وغيرها من المدن الفرنسية، طالت خصوصا الجيش والأسلاك الأمنية والمنشآت وخلفت قتلى وجرحى وخسائر مادية كبيرة.
3 سنوات من الثورة في فرنسا
اعتقد الفرنسيون بأن عمليات جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي قادت الثورة، ليست أكثر من مجرّد ردّ فعل على احتلال الجزائر، وأن رد الفعل هذا سينتهي قريبا بعد توجيه ضربات لبعض خلايا الجبهة في فرنسا، لكن هذا الأمر لم يحدث.
فلقد اشتدت عمليات الثوار خصوصا في شهر أكتوبر من سنة 1958، واستمرت إلى العام 1961 موقعة ضحايا وخسائر كبيرة.
فشلت السلطات الفرنسية في القضاء على الثورة، التي دخلت في 1961 عامها الثالث داخل الأراضي الفرنسية، وفي الخامس أكتوبر أجبر الثوار رئيس الشرطة الباريسية موريس بابون، المشهور بلقب "السفّاح"، على إصدار قرار في الخامس أكتوبر 1961 بفرض حظر تجوّل.
حظر تجوال على الجزائريين فقط!
طال حظر التجول الجزائريين فقط وتقرر فرضه من الساعة الثامنة والنصف مساء إلى الخامسة والنصف صباحا في العاصمة باريس، وكان الهدف محاصرة خلايا جبهة التحرير ومن ثم شلّها عن الحركة.
لم تستسلم قيادة الثورة لضغوط "السفّاح"، وردّا على هذا دعت جبهة التحرير الوطني العمال الجزائريين في باريس خصوصا، للخروج في مسيرات سلمية بباريس احتجاجا على حظر التجول.
كانت هذه الاحتجاجات وراء ما سيعرف لاحقا بمجزرة 17 أكتوبر 1961، حيث واجهت شرطة باريس ما لا يقل عن 30 ألف عامل جزائري بعنف كبير، اعتقلت منهم قرابة 14 ألفا ورحلت الآلاف إلى الجزائر، أما عدد الضحايا فبلغ حسب تقديرات جزائرية ما بين 300 و400 قتيل، ألقي بجثث الكثير منهم في نهر السين فضلا عن عدد غير معلوم من المفقودين.
اعتراف دون اعتذار!
تجاهلت السلطات الفرنسية هذه المجزرة كما تجاهلت غيرها من المجازر خلال فترة الاحتلال، واستمرت في تجاهلها أيضا بعد استقلال الجزائر في يوليو 1962، لكن وفي العام 2001 دشّن رئيس بلدية باريس بيرترون دولانوي، نصبا تذكاريا في جسر سانت ميشيل، تخليدا لذكرى ضحايا 17 أكتوبر، واعتُبر هذا بداية تحول في الموقف الرسمي من هذا الحدث.
وفي عام 2011 فاجأ الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند الرأي العام الفرنسي والجزائري بوضع إكليل ورود في جسر كليشي على نهر السين الذي ألقي منه جزائريون في النهر في خضم مجزرة 17 أكتوبر 1961.
وبعد سنة اعترف هولاند بالمجزرة، وكانت سابقة في التاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر أن يعترف رئيس فرنسي بارتكاب جيش بلاده جريمة ضد بلد كان يحتله، لكنه رغم الاعتراف لم يقدم اعتذارا للجزائريين.
المصدر: أصوات مغاربية