"إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر".. تحول هذا البيت الشعري في تونس وبلدان عربية كثيرة منها الجزائر إلى ما يشبه الشعار الذي يرفعه الغاضبون المتمسكون بمطالبهم على اختلافاتها.
ورغم الارتباط الوثيق بين الشابي وتونس التي يضم نشيدها الرسمي جزءا من أشعاره، فإن علاقات وطيدة جمعت الشاعر مع الجزائر المجاورة.
وتتفق مصادر تاريخية أن الشابي الذي عاش بين 24 فبراير 1909 و9 أكتوبر 1934 قد قضى جزءا من حياته في قرية "مشروحة" التابعة لسوق أهراس الجزائرية.
لماذا سافر الشابي إلى الجزائر ؟
تشير معظم الروايات إلى أن انتقال الشابي إلى الجزائر جاء بنصيحة من الأطباء الذي عاينوا تدهور حالته الصحية.
يقول الكاتب أبو القاسم محمد كرو في كتابه "الشابي" أن "الشاعر أُصيب بتضخم القلب الذي عانى منه أشد أنواع المرارة وأقسى ضروب العذاب فعرض نفسه على كل طبيب اخصائي بتونس فكانوا جميعا متفقين على أمرين اثنين مع علاج بالأدوية مستديم: أولهما أن يكف عن إرهاق نفسه بالكتابة والقراءة، وثانيهما أن يعيش في المناطق الجبلية والطبيعية حيث الغابات والبساتين والوديان والأنهار".
يضيف كرو في كتابه المنشور على الإنترنت أن "الشاعر مضى يجوب صيفا وشتاء المناطق ذات المصائف الفاتنة والمشاتي الرائعة، فمن بلاد الجريد(توزر) إلى زغوان وعين دراهم والمشروحة".
يتابع "عاش شاعرنا ثلاث سنوات وحيدا بين أشجارها وأنهارها، يتغنى مع الأطيار بحبه ويناجي النجوم بأمانيه ويحنو على الورود والأزهار ويطرب لخرير المياه وحفيف الأغصان"، مؤكدا أنه "في هذه الفترة أخرج الشابي أجمل قصائده الخالدة في وصف الطبيعة والجمال وسحر الوجود وحب الحياة".
إلهام المدينة
أورد الكاتب بشير خلف في مقال بعنوان "الجزائر في شعر الشابي وصلواته" أن الشاعر "لم يكن غريبا عن الجزائر لأن العدو واحد والشعب والوطن واحد، مضيفا "في بعض الروايات إن صحت، فإن قصيدته'' إرادة الحياة'' استلهم وحيها من الجزائر، وأن هذه القصيدة ولدت بالشرق الجزائري في إحدى جولات الشابي الاستشفائية".
من جهته، يذكر الكاتب لمباركية نوار في مقال بالشروق الجزائرية أن قلب الشاعر التونسي "تعلق بمدينة المشروحة الجزائرية التي تقع قريبة من مدينة سوق أهراس.
ونقل الكاتب جزءا من رسالة للشابي يقول فيها "أما البلدة فهي جميلة، وخصوصا ضواحيها في المساء وفي ليالي القمر. ولكنني أقول إنني لبثت فيها نحوا من شهرين مقفل النفس، ميت المشاعر، لا أحس لها بجمال قط. وما تحركت نفسي بجمالها إلا لما جاءت "النوبة" وأخذتني حمّى الشعر، إذ ذاك أدركت جمالها، وتفتحت له نفسي، وأصبحت أحس أنني حلم طائر في عالم مسحور".
وحسب نوار فإن سبب تفضيل الشابي الإقامة في بلدة مشروحة لم يكن مقتصرا على موقعها الخلاب ومناخها اللطيف اللذين استطابهما واستحسنهما، وإنما تعداه إلى سبب آخر وهو قربها من تونس ووجود قبيلة معروفة بقربها من عائلة الشاعر بها.
وألهم جمال القرية الشابي في أشعاره، إذ يؤكد الكاتب التونسي محمد الناصر المولهي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن "جمال مشروحة ألهمته بيته الشهير "سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء".
وأضاف أن الشابي كان يكتب عن الجزائر التي اعتبرها "امتدادا لوطنه وقضاياه خاصة إذا علمنا بوحدة القضية التونسية الجزائرية مطلع القرن العشرين، ألا وهي التحرر من الاحتلال الفرنسي".
وإلى اليوم لا يزال الجزائريون يحتفون بشاعر تونس، إذ يحضر في مناهجهم الدراسية وتقام له الفعاليات والأنشطة الثقافية.
المصدر: أصوات مغاربية