في السنوات الأولى التي تلت استقلال الجزائر في يوليو 1962، كان الناس بحاجة إلى شيء من الترفيه والابتسامة والضحك ينسيهم مآسي احتلال جثم على صدورهم طيلة 132 عاما .. فكان "المفتّش الطاهر"، الوجه الكوميدي الذي أطلّ عليهم من الشاشة، ليدخل عيلهم الكثير من السرور.
فمن يكون هذا الرجل، وما الذي فعله؟
اسمه الحقيقي حاج عبد الرحمان، ولد في 12 أكتوبر 1940 في منطقة الحرّاش الشعبية بالجزائر العاصمة، لكنّ أصوله تعود إلى منطقة الطاهير بولاية جيجل شرقي البلاد.
لم تكن بداية هذا الرجل في التمثيل، بل بدأ مصوّرا وتقنيا ثم قفز إلى خشبة المسرح ومن هناك دخل عالم التمثيل والفن، خصوصا في وجود "أب المسرح" الجزائري محي الدين بشطارزي وأسماء فنية أخرى ثقيلة مثل؛ رويشد وعبد الحليم رايس وغيرهم.
من المسرح إلى الشاشة
من أعمال حاج عبد الرحمان المسرحية "الكيّاسين" (الكيّاسون هم رجال يشتغلون في الحمامات الشعبية مهمتهم تغسيل الناس) وأيضا مسرحة "مونسيرا" وغيرها، وقد أهّلته براعته في التمثيل إلى الانتقال سريعا نحو عالم الشاشة والسينما، وكان ذلك العام 1967.
في هذا العام ظهر حاج عبد الرحمان بشخصية "المفتش الطاهر" في فيلم بعنوان "المفتش الطاهر يبحث"، ومن هذه اللحظة ستلازمه هذه الشخصية إلى أن يفارق الحياة في الخامس أكتوبر بباريس العام 1981 عن 41 سنة فقط.
كان الممثل يحي بن مبروك المشهور بشخصية "لابرانتي" (مساعد المفتش) ملازما للمفتش الطاهر في كل أعماله، ولن يفترق الرجلان إلا عندما يرحل المفتّش عن الحياة.
سنةً واحدة بعد فيلم "المفتش الطاهر يبحث"، ظهر المفتش ورفيق دربه "لابرنتي" في فيلم جديد بعنوان "الفأر"، وطبعا كانت الكوميديا حاضرة بقوة في هذا العمل مثل سابقه.
"العمل الخالد" للمفتش
في العام 1972 أدى المفتش و"لابرانتي" واحدا من أعمالهما الخالدة وهو فيلم بعنوان "عطلة المفتش طاهر" بل هو أبرز أعماله على الإطلاق.
أضحك هذا الفيلم الجزائريين لكثرة ما فيه من المشاهد الكوميدية، حيث يقضي الرجلان عطلة في تونس تتحول إلى مهمة للبحث عن شخص قاتل تنتهي بالقبض عليه.
بعد "عطلة المفتش الطاهر" جاء عمل آخر مضحك هو فيلم "المفتش الطاهر يسجل الهدف" سنة 1977، اشتهر حاج عبد الرحمان بتقليد لهجة منطقة الطاهير بولاية جيجل، حيث تنحدر أصول حاج عبد الرحمان، وهي لهجة مضحكة تناسبت مع الأدوار الكوميدية التي كان يؤدّيها.
صحيح أن حياة حاج عبد الرحمان الفنية لم تعمر طويلا، فهو لم يعش سوى 41 سنة، لكنها كانت ثرية بالأعمال الفنية الخالدة، لدرجة أن الجزائريين يتذكرونه إلى اليوم ويتساءلون: لماذا لم يظهر ممثلون كوميديون بمستوى "المفتش الطاهر"!؟
المصدر: أصوات مغاربية