مغاربة يحملون شموعًا وصورة لأحد أقاربهم الذي اعتقل في  تازمامارت
مغاربة يحملون شموعًا وصورة لأحد أقاربهم الذي اعتقل في تازمامارت

يُوصف معتقل تازمامارت بـ"أفظع المعتقلات السياسية" التي عرفها المغرب خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وهو معتقل ظلت السلطات تنكر وجوده لنحو 20 عاما قبل أن تعترف على مضض بعد جهود محلية ودولية قادتها 3 نساء. 

وارتبط هذا المعتقل الذي بُني في قرية نائية جنوب شرق المغرب بالمحاولتين الانقلابيتين اللتين شهدهما المملكة في سبعينيات القرن الماضي، إذ تقول مصادر تاريخية إن أبوابه فتحت في أغسطس عام 1973 لاستقبال 58 ضابطا من المدانين بالمشاركة في الانقلابين، 28 منهم نجحوا في مغادرة أسواره أحياء فيما توفي الباقون نتيجة الجوع والبرد والمرض. 

ومكنت جهود قادتها 3 نساء من التعريف بمأساة المعتقلين ونجحن بفضل نضالهن في التعريف بمأساة المعتقلين فيه. 

عايدة حشاد 

يتعلق الأمر بزوجة الرائد الطيار صالح حشاد، قائد سرب الطائرات الحربية التي قصفت طائرة الحسن الثاني في الانقلابية الثانية التي قادها الجنرال أوفقير  شهر أغسطس عام 1972. 

على غرار باقي زوجات المعتقلين، لم تكن هذه الصيدلانية تعرف شيئا عن مصير زوجها سوى أنه نُقل من السجن المركزي بالقنيطرة (وسط) إلى مكان مجهول في أغسطس عام 1973. 

في الشهر نفسه، نجح الطيار حشاد في إرسال رسالة قصيرة عبر أحد الحراس إلى زوجته، أخبرها فيها بتواجده إلى جانب العشرات من زملائه في معتقل سري قرب منطقة الريش (جنوب شرق) وأنه ظروف اعتقالهم سيئة. 

ظلت هذه السيدة في تواصل مع زوجها إلى أن كشف أمر الحارس واعتقل لتنقطع الأخبار عن زوجها لمدة امتدت لخمس سنوات (1973-1978). 

تجدد التواصل من جديد بين عايدة حشاد وزوجها بفضل حارس آخر رق قلبه لحال السجناء يدعى محمد الشربادوي، الحارس الذي لقبه السجناء في كتاباتهم فيما بعد بـ"ملاك تازمامارت". 

تكلفت عايدة حشاد في بداية الأمر بنقل أخبار زملاء زوجها في المعتقل إلى عائلاتهم في سرية تامة، كما عملت على تزويد الحارس بالأدوية للتخفيف من آلامهم ومعاناتهم.

موازاة مع ذلك، شرعت هذه السيدة في طرق أبواب الكثير من المسؤولين لإخبارهم بوجود معتقل اسمه تازمامارت، كما نقلت معاناة المعتقلين إلى أحد النشطاء في منظمة العفو الدولية. 

وتقول عايدة حشاد في حوار سابق إن هؤلاء المسؤولين لم يتفاعلوا في بداية الأمر مع القضية، لذلك، اضطرت في مرحلة لاحقة وبطلب من زوجها أن تنسق جهودها مع الأميركية نانسي الطويل، زوجة زميله المعتقل في تازمامارت.

نانسي الطويل 

موازاة مع الرسائل التي كانت تصل زوجة الطيار حشاد، كان زميله في المعتقل مبارك الطويل، يتواصل هو الآخر مع زوجته الأميركية نانسي التي كلفها بتدويل قضيتهم للضغط على السلطات المغربية للإفراج عنهم. 

كانت هذه السيدة المنحدرة من ولاية أهايو تعمل كأستاذة بالقاعدة الأميركية بالقنيطرة، حيث تعرفت على زوجها مبارك الطويل وتزوجا ليرزقا بطفل اختارا له أمين. 

بعد صدور حكم بـ20 عاما على زوجها، مُنعت نانسي من مغادرة المغرب، لكنها نجحت في الفرار مع ابنها والعودة إلى الولايات المتحدة بعزم لتدويل قضية زوجها على الرغم من أنها لا تعرف شيئا عن مكان احتجازه. 

على غرار زوجة الطيار حشاد، توصلت نانسي برسالة من زوجها يخبرها عن مكان تواجده، ويطلب منها أن تكرس حياتها للتعريف بمأساتهم في معتقل تازمامارت. 

باشرت نانسي الطويل اتصالاتها مع عدد من المسؤولين الأميركيين، بينهم نواب في مجلس الشيوخ ونشطاء في منظمات حقوقية دولية. 

مكنت تلك الجهود من التخفيف من معاناة زوجها في المعتقل، حيث أمرت السلطات المغربية عام 1984 بعلاجه وتمتيعه ببعض الحقوق دون غيره من المعتقلين.

تغير حال الطويل وصارت معنوياته أفضل مقارنة بباقي زملائه في المعتقل، بينما واصلت زوجته طرق أبواب المسؤولين والقنوات الإعلامية الدولية لتعريف بالمأساة التي يعيشونها في المعتقل إلى أن أفرج عنهم عام 1991. 

نانسي السرفاتي 

موازاة مع الجهود التي قادتها عايدة حشاد ونانسي الطويل، لمع اسم سيدة ثالثة تدعى كريستين السرفاتي، زوجة الناشط الحقوقي اليهودي المغربي أبراهام السرفاتي، أحد أبرز المعارضين السياسيين لنظام الحسن الثاني. 

تولت كريستين هي الأخرى تدويل قضية معتقل تازمامارت في فرنسا، كما تناولت معاناة سجنائه في عدد من الكتب الذي صدرت لها في أواسط ثمانينيات القرن الماضي. 

ولدت كريستين السرفاتي في نوفمبر عام 1926 بمونبلييه بفرنسا، وتوفيت بعد مسيرة نضال خصصتها للمناصرة زوجها ومعتقلي تازمامارت في باريس عام 2014. 

تحدثت كريستين في كتاب أصدرته عام 1986 بعنوان Rencontres avec le Maroc (لقاءات مع المغرب)  وقعته باسم مستعار عن الانتهاكات وحالة القمع الذي شهدها المغرب خلال ما بات يعرف بالمغرب بـ"سنوات الرصاص". 

إلى جانب ذلك، تعاونت كريستين السرفاتي مع الكاتب الفرنسي الشهير جيل بيرو لإصداره كتابه "صديقنا الملك"، الذي أغضب السلطات المغربية ومنع توزيعه بالمغرب لحديثه عن انتهاكات فترة نظام الملك الراحل الحسن الثاني. 

وعن هذا الكتاب، قال أحمد المرزوقي، أحد أشهر معتقلي تازمامارت "كان هذا +الكتاب ـ القنبلة+ من الأسباب الكبيرة التي عجّلت بإطلاق سراحنا، عندما فضح المستور بكيفية مثيرة صادمة، أربكت النظام المغربي". 

 

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية