عناصر من جيش التحرير الجزائري
عناصر من جيش التحرير الجزائري

لجأ المقاومون الجزائريون في ثورة التحرير (1954-1962)، إلى استعمال لغة سريّة خاصة فيما بينهم لا يفهمها المستعمر الفرنس، وكانت هذه اللغة شفهية ومكتوبة، نجح المقاومون بفضلها في إيصال رسائل لبعضهم من خلالها.

كانت هذه اللغة السريّة إحدى وسائل التواصل التقليدية التي أبدعها المقاومون، حتى إذا تمكن المستعمر من وضع يده على هذه الرسائل المكتوبة أو تمكن من الاستماع إلى أحاديث المقاومين عبر الهاتف أو بصورة مباشرة، فإنه لن يفهمها.

"قمير".. العجوز الشمطاء الشريرة

فمثلا كان المقاومون يطلقون على فرنسا اسم "قمير"، ويعنُون بها فرنسا، و"قمير" في الموروث الشعبي الجزائري هي عجوز شمطاء شرّيرة، تروي العجائز للأطفال الصغار قصصا مخيفة عنها.

وعلى هذا الأساس لجأ المقاومون إلى تشبيه الاحتلال الفرنسي بهذه العجوز بالنظر إلى أفعاله الشريرة، فإذا قال أحدهم لآخر إن "العجوز قمير ستزور هذه الليلة الحي الفلاني أو الشارع الفلاني"، فهذا يعني بأن جنود الاحتلال سيداهمون الحي أو الشارع الفلاني، وبالتالي على المقاومين أن يحذروا ويختفوا عن الأنظار حتى لا يلقى عليهم القبض.

"ياو عليكم من ڤالمة".. احذروا الطائرة!

"ڤالمة" (ثلاث نقاط فوق القاف) هي ولاية جزائرية ولكن يُشار بها هنا إلى الطائرة العسكرية، التي كانت تقصف مواقع المقاومين في الجبال.

وعندما يسمع الثوار هذه الصيحة "ياو عليكم من ڤالمة"، والتي يطلقها الحارس المكلف برصد تحركات الاحتلال، يختفون بسرعة عن الأنظار خشية أن تقصفهم الطائرة، خصوصا وأن المقاومين لم يكونوا يملكون أسلحة مضادة تمكّنهم من التصدي للطائرات.

كان الاحتلال يعتقد بأن هذه الصيحة لا تعدو أن تكون صيحة رعاة يرعون ماشيتهم لتنبيهها من خطر ما، فيما كانت الصيحة إنذارا طارئا بضرورة التخفي وهي أشبه بصافرة إنذار لكن بطريقة تقليدية. 

"ياو عليكم لبلاندي".. احذروا الدبابة!

هذه الصيحة شبيهة بسابقتها "ياو عليكم من ڤالمة" غير أنها تختلف عنها في كلمة "لبلاندي" والتي تعني الدبابة، وهي تحذير للمقاومين من وجود دبابات.

وفي اللغة الفرنسية تعني هذه الكلمة "المُدرّع"، وعندما يسمع المقامون هذه الصيحة يتجهّزون للتصدي للدبابات أو يختفون بحسب تقديرهم للموقف، عكس الطائرات التي كانوا يختفون منها بسبب عدم قدرتهم على مواجهتها لافتقارهم للأسلحة اللازمة.

وقد شاهد الجزائريون هذه الصيحات التحذيرية في عديد الأفلام والمسلسلات، التي وثّقت للثورة التحريرية.

الرسائل القصيرة "القابلة للأكل"!

توصّل المقاومون، خصوصا في المدن، إلى طريقة لافتة تتعلق بطريقة كتابة الرسالة لبعضهم وأيضا لكيفية حماية ما فيها من أسرار، إن حدث وألقي القبض عليهم ومعهم هذه الرسائل.

تتلخص هذه الطريقة في كتابة الرسالة على ورقة صغيرة جدا لا تتعدى أصبعين اثنين، ويُمنع على حامل الرسالة أن يفتحها باعتباره ناقل رسالة فقط.

أما إذا داهمته سلطات الاحتلال فعليه أن يبتلع الرسالة خصوصا وأن حجمها الصغير جدا يمنحه الوقت والقدرة على مضغها بسرعة وابتلاعها وبالتالي يحرِم الاحتلال من الاطلاع على ما فيها، وحتى إذا ما تعرض للتعذيب فلن يبوح بشيء لأنه يجهل فحوى الرسالة أساسا.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية