الملك محمد الخامس
الملك محمد الخامس

قبل 67 عاما وتحديدا يوم 21 أكتوبر من سنة 1956، أي بعد قرابة سنة على استقلال المغرب وقبل نحو ست سنوات من استقلال جارته الجزائر، استقبل العاهل المغربي آنذاك الملك محمد الخامس  قادة الثورة الجزائرية. 

وتم اللقاء بين الملك محمد الخامس وقادة الثورة الجزائرية عشية انعقاد القمة المغاربية بتونس والتي كانت تهدف إلى إرساء أسس اتحاد شمال أفريقيا والإعلان عن دعم الثورة الجزائرية. فما هي قصة ذلك اللقاء؟

"قناعات مشتركة"

قبل الخوض في ظروف ذلك اللقاء، يشير الباحث في تاريخ الجزائر عبد الرحمان قدوري إلى العلاقة بين البلدان المغاربية في فترة الاستعمار، إذ يوضح أن قادة هذه البلدان "حافظوا على نفس النسق التضامني فيما بينهم، الذي تمتد جذوره إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، عقب تأسيس حزب نجم شمال أفريقيا سنة 1926". 

ويتابع قدوري مبرزا في حديث مع "أصوات مغاربية" أن "روح التضامن المغاربي تواصلت إلى ما بعد اندلاع الثورة الجزائرية التي لقيت الدعم والسند من المغرب وتونس وليبيا".

من جانبه، يشير أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، نور الدين باحداد، في هذا السياق إلى أن "تقارير فرنسية وإسبانية عارضت الدعم اللامشروط من المغرب للثورة الجزائرية، لكن ذلك لم يؤثر في عزيمة وإرادة التضامن المغاربي الرسمي والشعبي".
 
وفي المقابل، يستحضر باحداد في حديث مع "أصوات مغاربية" الموقف الذي اتخذه قادة الثورة والجزائريون عموما، "عندما أعلنوا دعمهم انتفاضة المغاربة في الذكرى الثانية لنفي الملك محمد الخامس من قبل السلطات الفرنسية الاستعمارية"، وهي الذكرى التي تزامنت مع هجمات الشمال القسنطيني التي اندلعت يوم 20 أغسطس 1955.

ويلفت المتحدث ذاته إلى أنه بعد استقلال المغرب في 1956 اعتبر العاهل المغربي أن استقلال بلاده "سيظل ناقصا مادام الاستعمار باقيا في الجزائر"، مضيفا أن "هذه المواقف رسخت قناعات مشتركة بين الجزائر والمغرب بحتمية التضامن بين البلدين والشعبين" مردفا أن "كافة مساعي محمد الخامس تمحورت بعد ذلك في العمل على توفير أجواء الدعم المطلق للثوار في الجزائر".

"دعم مطلق" 

وفي هذا السياق، يقول قدوري "جاء استقبال العاهل المغربي لقادة الثورة الجزائرية، بينما كان يتهيأ للمشاركة في مؤتمر تونس يوم 22 أكتوبر لبحث سبل استقلال الجزائر وتحقيق الوحدة المغاربية بعد استقلال تونس والمغرب، وبلوغ الثورة الجزائرية عامها الثاني".

هكذا وفي يوم الواحد والعشرين من شهر أكتوبر عام 1956 التقى قادة الثورة الجزائرية وهم أحمد بن بلة، محمد بوضياف حسين آيت أحمد، محمد خيضر، ومصطفى الأشرف، بالملك محمد الخامس. 

كان حينها لافتا أن المغرب "لن يتراجع عن دعمه للثورة الجزائرية" كما أن اللقاء كان ينطوي على "رسالة مغاربية قوية مفادها أن المغرب يقف إلى جانب الثوار في الجزائر" يقول باحدد، مضيفا أن الملك "أظهر حرصه على الوقوف بجانب أشقائه، وأنه لن يرتاح له بال حتى تنال الجزائر استقلالها".

ولذلك، يضيف المتحدث "عمدت فرنسا إلى الضغط تارة وتقديم الإغراءات تارة أخرى"، في حين أن "الملك محمد الخامس رفض كافة العروض والضغوط الفرنسية بما في ذلك وقف المساعدات".

من جانبه، يشير قدوري إلى أن المغرب "فتح أراضيه بعد ذلك للثورة الجزائرية التي أنشأت معسكرات تدريب المقاومين، وسهلت عبورهم من حدودها الشرقية نحو الحدود الغربية للجزائر من أجل تمرير السلاح".

وتبعا لذلك، يصف باحداد الدعم المغربي للثورة الجزائرية بـ"المطلق"،  وهو ما "عكسه خطاب الملك محمد الخامس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1957 عندما دعا إلى تسوية عادلة للقضية الجزائرية".

  • المصدر: أصوات مغاربية
     

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية