أمضى حملقار تسع سنوات في إسبانيا، رفقة هانيبال، حيث قاد الجيوش النوميدية و الإيبيرية مدججين بوحدة الفيّلة الشهيرة لتوسيع سلطة قرطاج في القارة الأوروبية
أمضى حملقار تسع سنوات في إسبانيا، رفقة هانيبال، حيث قاد الجيوش النوميدية والإيبيرية لتوسيع سلطة قرطاج في القارة الأوروبية

من "قرطاج" إلى "إفريقية" ثم "تونس"، ظلت التسميات شاهدة على الثابت والمتحول في تاريخ هذا البلد المغاربي، الذي تؤكد الفنون الصخرية والنقوش والأدوات الحجرية أنه حاضنة للاستيطان البشري منذ 200 ألف سنة.

ولا توجد دلائل مكتوبة عن مماليك العصور الغابرة، لكن التاريخ السردي المسجل يربط أعرق امبراطورية تونسية قديمة بالقرطاجيين، الذين نافسوا الرومان على الهيمنة في بحر الأبيض المتوسط، بفضل عباقرة التخطيط الحربي، مثل "هانيبال". 

وأنجبت تونس أيضا مفكرين وفلاسفة بارزين خلال حقبة التحالف القرطاجي-النوميدي ضد روما، كما أن الفترة المسيحية ثم الإسلامية شهدت بروز عباقرة في الفكر والتاريخ والحضارة.

وفي ما يلي خمس شخصيات تاريخية بصمت التاريخ الإنساني وانطلقت من تونس: 

الملكة "ديدو"

تُسمى الملكة الفينيقية "ديدو" أيضا في الأساطير اليونانية "إليسا"، وقد اعتبرتها ملحمة الإنيادة للشاعر الروماني فيرجيل، مؤسسة قرطاج، وابنة ملك المدينة القديمة "صور" (Tyre) الموجودة اليوم في لبنان.

هربت من بطش شقيقها بيغماليون، الذي ورث بالمكر عرش والده، ثم اشترت من زعيم قبلي أمازيغي بشمال أفريقيا قطعة أرض أسست عليها قرطاج في 814 قبل الميلاد.

يختلط الأسطوري بالتاريخي في قصة ديدو، إذ جعلها فيرجيل، في الإنيادة، معاصرة لبطل طروادة إينياس الذي أسس نسله روما، وهو ما يعتبره المؤرخون "اختلاقاً" غير دقيق. 

بعد أن وصلت إلى تونس الحالية، أطلقت الملكة على هذا الموقع الجغرافي "قرط هدشت" (​​Qart Hadasht) بالفينيقية، وتعني "المدينة الجديدة" أو "قرطاج". 

 "حملقار برقا" 

عُرف "حملقار برقا" (276-228 قبل الميلاد) بكونه والد عبقري التخطيط العسكري "هانيبال"، لكنه في الواقع هو أيضا من أبرز الزعامات القرطاجية بأفريقيا وأوروبا.

فقد تولى قيادة القوات القرطاجية في صقلية خلال السنوات الأخيرة من الحرب البونيقية الأولى مع روما (264-241 قبل الميلاد). 

قبل ظهور هانيبال على مسرح العمليات العسكرية، كان حملقار أفضل قائد ورجل دولة أنجبته قرطاج، وفق الموسوعة البريطانية للأعلام. 

أمضى حملقار تسع سنوات في إسبانيا، رفقة هانيبال، حيث قاد الجيوش النوميدية والإيبيرية مدججين بوحدة الفيّلة الشهيرة لتوسيع سلطة قرطاج في القارة الأوروبية.

 تُوفي حملقار خلال إحدى المعارك بإسبانيا، لكن هانيبال واصل توسعاته عبر جبال الألب نحو قلب الإمبراطورية الرومانية خلال الحرب البونيقية الثانية. 

"ترتليان"

اسمه الكامل باللاتينية هو كوينتوس سيبتيموس فلورنس ترتليانوس.

ولد هذا المسيحي والمؤلف الأمازيغي البونيقي، المعروف اختصارا بـ"ترتليان" عام 155 للميلاد مع بداية انتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية. 

لعب دورا مبكرا في تأسيس فكر المسيحية الغربية، إذ كانت لكتبه في الجدل والأخلاق والمبادئ الدينية تأثيرا شديدا في بلورة الإيمان المسيحي. 

اعتنق ترتليان الدين الجديد في وقت متأخر من عمره بعد عودته من روما إلى قرطاج، مؤكدا أن سبب تحوله إلى المسيحية هو شجاعة الشهداء وتصميمهم، والصرامة الأخلاقية، والإيمان الذي لا هوادة فيه بإله واحد.

برز ترتليان كعضو قيادي في الكنيسة الأفريقية، مستخدما مواهبه كمدرس في تعليم الباحثين غير المعمدين والمؤمنين وكمدافع مثقف عن المعتقدات والممارسات المسيحية نَاهِلاً من البلاغة والأدب والفلسفة. 

توفي عام 220 ميلادية، أي قبل نحو قرن من إصدار الإمبراطور قسطنطين "مرسوم ميلانو" الشهير، الذي ألغى تجريم المسيحية ونصّ على أن المواطنين الرومان لديهم "الحرية في ممارسة الدين الذي يختارونه، وطريقة عبادتهم الخاصة".

ماكروبيوس

ماكروبيوس أمبروسيوس ثيودوسيوس - أو باختصار "ماكروبيوس" - كان أشهر فيلسوف بين النخبة الرومانية بين القرنين الرابع والخامس الميلادي.

 كتَب باللغتين اللاتينية واليونانية، وكان من أشهر مؤلفاته "تعليقات على حلم سكيبيو" (Commentarii in Somnium Scipionis)، وهو عبارة عن أطروحة فلسفية عن القائد الروماني خلال الحرب البونيقية الثانية، الذي اشتهر بانتصاره على هانيبال في معركة زاما. 

كان من أشهر المدافعين عن الوثنية والأفلاطونية الحديثة (Neoplatonism)، خاصة في شرح نظريات الخصائص الغامضة للأرقام، وطبيعة الروح، وعلم الفلك والموسيقى بناء على فلسفة أفْلُوطين. 

صاحب صعود فكر ماكروبيوس مع الانتشار الواسع للمسيحية في وبداية تسرّب الحنين إلى الماضي الوثني بين النخبة الرومانية. بعد أن أصبحت المسيحية دين الإمبراطورية الرسمي، غاب فكر ماكروبيوس بشكل شبه كامل في العالم القديم إلى أن انبعث في عصر النهضة مع تجدد الاهتمام بالفكر الروماني. 

بن خلدون 

ولد العلامة عبد الرحمان بن خلدون (1332-1406)، الذي ترك إرثا علمياً هائلا في مجالات كثيرة من علم الاجتماع إلى التاريخ ثم الاقتصاد والسياسية، في كنف "إفريقية" الإسلامية، وهو الاسم الذي أطلقه المسلمون على تونس. 

جال بقاع المنطقة المغاربية والإسلامية، وتولى المناصب في الشرق والغرب، كما زكى كبار فلاسفة فكرة نبوغه في مجالات يعتبر اليوم مؤسسا فعليا لها.

يحظى كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر" (الذي تتصدره "المقدمة" الشهيرة) باهتمام واسع لدى رواد كتب التاريخ والعلوم الإنسانية عبر العالم.

وتعتبر "المقدمة" مرجعا في علم الاجتماع على الرغم من تناولها قضايا مختلفة على غرار الطب والفلسفة والسياسة والعمران وغيرها. كما اهتمت "المقدمة" بمواضيع رئيسية على غرار نمط حياة المجتمعات، وطرق إدارة شؤون حياتها اليومية، وأسباب تطور الدول والبلدان والعوامل التي تسهم في زوالها.

يُعتقد أن هذا المؤلف كُتب في "مغارة ابن خلدون"، التي لا تزال ماثلة في منطقة تاغزوت بفرندة الواقعة في ولاية تيارت غرب الجزائر.

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

شهدت الجزائر في التسعينيات أحداثا مأساوية عرفت بفترة "العشرية السوداء"- أرشيف
شهدت الجزائر في التسعينيات أحداثا مأساوية عرفت بفترة "العشرية السوداء"- أرشيف

تحل  اليوم بالجزائر الذكرى الـ66 لتأسيس الحكومة المؤقتة التي تولت تسيير أهم مراحل الثورة التي اندلعت في نوفمبر 1954، وكان ذلك بداية لمهام كبيرة تولتها حكومات ما بعد الاستقلال واجهت خلالها تحديات وأزمات معقدة.

الحكومة الجزائرية المؤقتة

في مثل هذا اليوم (19 سبتمبر) من عام 1958 أعلنت قيادة الثورة الجزائرية تأسيس أول حكومة مؤقتة، وجرى الإعلان من ثلاثة عواصم: تونس والرباط والقاهرة.

وكان تأسيس الحكومة المؤقتة تنفيذا لتوصيات المجلس الوطني للثورة الجزائرية (أعلي هيئة) الذي انعقد في مصر شهر أغسطس 1958، وعملت الحكومة على توحيد قيادة الثورة للتحدث باسم الشعب الجزائري في المفاوضات مع الفرنسيين، الذين كان يتحججون بعدم وجود طرف يتفاوضون معه.

وترأس الحكومة فرحات عباس (مؤسس حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري قبل اندلاع الثورة)، وبعضوية 19 وزيرا، واعترفت بها المغرب، تونس، ليبيا، مصر، سوريا، اليمن العراق، وقادت مفاوضات إيفيان التي أدت إلى استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962

حكومة "روشي نوار"

تشكلت حكومة "روشي نوار" برئاسة عبد الرحمان فارس في 1 يوليو 1962، في مدينة بومرداس التي كانت تحمل هذا الإسم إبان فترة الاستعمار الفرنسي، ويعتبر رئيسها أحد مناضلي الثورة.

أوكلت لها مهمة الإشراف على تحضير وتنظيم استفتاء استقلال الجزائر يوم 5 يوليو 1962، وكان ثمرة مفاوضات شاقة انتهت بتوقيع إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962.

واجهت حكومة "روشي نوار" بقيادة عبد الرحمان فارس مخاطر تزامنت والعمليات المسلحة التي كانت تنفذها منظمة الجيش الفرنسي المناهضة للاستقلال والتي أسسها عدد من الجنرالات الفرنسيين المتقاعدين.

حكومة سيد أحمد غزالي

تولى سيد أحمد غزالي رئاسة الحكومة في 5 يونيو 1991 عقب حل حكومة مولود حمروش من قبل الرئيس الشاذلي بن جديد، بسبب أحداث اعتصام الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعارضة وضغطها لتنحيته بعد إصداره قانون الانتخابات الذي اعتبرته على مقاس حكومته.

ورثت حكومة غزالي أوضاعا سياسية واقتصادية معقدة، بعد أن فرقت قوات الأمن المعتصمين الإسلاميين بالقوة من شوارع العاصمة، وخلفت الأحداث قتلى وجرحى ومعتقلين، كما أدت المواجهات إلى تأجيل الانتخابات التشريعية وإعلان حالة الحصار.

وفي عهد حكومة غزالي تعرض قادة الإنقاذ إلى الاعتقال (عباسي مدني وعلي بن حاج)، إلا أن جبهة الإنقاذ فازت بغالبية المقاعد خلال الدور الأول من تشريعيات ديسمبر 1991، التي ألغيت لاحقا، وأدت لاستقالة الرئيس بن جديد في 11 يناير 1992، وفرض حالة الطوارئ مع تعيين محمد بوضياف رئيسا للدولة الذي تعرض للاغتيال في عهد نفس الحكومة يوم 29 يونيو 1992.

حكومة رضا مالك

أدى تسارع الأحداث التي تلت اغتيال الرئيس بوضياف إلي إقالة حكومة غزالي، وتعيين بلعيد عبد السلام رئيسا لحكومة جديدة في 8 يوليو 199، إلا أن ظهور العنف المسلح عجل بإقالتها في 21 أغسطس 1993، وتعيين رضا مالك رئيسا لحكومة جديدة.

واجه مالك وضعا سياسيا واقتصاديا معقدا بسبب تراجع أسعار المحروقات والعنف الدموي الذي عصف بالبلاد في خضم مواجهات مسلحة مع الإسلاميين..

واصلت حكومة رضا مالك مهامها بعد تعيين الجنرال ليامين زروال رئيسا للدولة في 30 يناير 1994، إلى غاية إقالتها في أبريل 1994، حيث بدأت السلطة تحضر لعودة المسار الانتخابي في البلاد، وشهدت فترة هذه الحكومة تزايد حدة الهجمات التي قادتها جماعات متشددة مسلحة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا.

حكومة نور الدين بدوي

اضطر الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، إلى إقالة حكومة أحمد أويحيى، تحت ضغط الشارع الذي طالب في 22 فبراير 2019 بعدم ترشحه لعهدة رئاسية خامسة، وتعيين نور الدين بدوي على رأس حكومة جديدة في 11 مارس من نفس السنة.

رفض الحراك الشعبي حكومة بدوي وطالب برحيله باعتبارها امتدادا لنفس الحكم، لكن بوتفليقة استقال تاركا وراءه وزير داخليته السابق في مواجهة الشارع الذي التزم بالسلمية في مسيراته.

تولي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة وفق دستور البلاد، خلفا لبوتفليقة، إلا أن ذلك لم يوقف الحراك الشعبي الذي طالب برحيل بن صالح وبدوي، ورفض رئيس أركان الجيش السابق، قايد صالح، مطالب مرحلة انتقالية، وسيرت حكومة بدوي الوضع الخاص التي كانت تمر به الجزائر إلى غاية الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 12 ديسمبر 2019 وأفرزت عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد.

المصدر: أصوات مغاربية/ وسائل إعلام جزائرية