الراحل إدمون عمران المالح
الراحل إدمون عمران المالح

تحل اليوم، الخامس عشر من نوفمبر، الذكرى الـ13 لرحيل الكتاب اليهودي المغربي إدمون عمران المالح، الذي يعد من أبرز الكتاب الذين بصموا الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية. 

ولد المالح في مارس عام 1917 بمدينة آسفي الساحلية وترعرع في أسرة أمازيغية يهودية تنحدر من قرية آيت بعمران، جنوب شرق المغرب. 

مناضل باسم مستعار 

كغيره من أبناء جيله، تلقى المالح تعليمه في المدارس اليهودية المغربية وناضل خلال مرحلة شبابه في صفوف الحزب الشيوعي المغربي ضد الاستعمار الفرنسي كما كان واحدا من القيادات المغربية الداعمة لوثيقة المطالبة بالاستقلال التي طالبت فرنسا بالرحيل عن المغرب عام 1944. 

كان المالح إلى جانب رفيقه جرمان عياش أحد أبرز قيادات الحزب الشيوعي (الذي سيتحول فيما بعد إلى حزب التقدم والاشتراكية) وعمل بنفسه على تبسيط أفكار الحزب إلى الفلاحين والكادحين في عدد من مناطق المغرب، كما عمل موازاة مع ذلك، على مناهضة الوجود الاستعمار الفرنسي بالمغرب من خلال كتاباته في صحيفة "ليسبوار" (L'Espoir). 

وفي كتاباته التي كان يوقعها باسم مستعار (عيسى العبدي، نسبة إلى جهة دكالة عبدة التي ينحدر منها) رفض المالح احتكار السلطات الاستعمارية الفرنسية للاقتصاد المغربي واستنكر تهميش التجار والفلاحين المغاربة، كما انتقد في مراحل لاحقة هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل. 

وبعد استقلال المغرب عام 1956، بقي إدمون عمران المالح مناضلا في صفوف الحزب نفسه إلى حدود عام 1959، حيث قرر الابتعاد عن السياسة والتفرغ للتدريس. 

اشتغل المالح أستاذا للفلسفة بثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء واستمر مع ذلك في تفاعل لآخر مع الأحداث السياسية والاجتماعية والفنية في مقالاته في صحيفة "الأمل". 

وفي عام 1961، تزعم إدمون عمران المالح ورفيق دربه أبراهام السرفاتي عريضة نشرت بصحيفة "التحرير" طالبت الملك الراحل الحسن الثاني بتوقف "تهجير" اليهود المغاربة إلى إسرائيل. 

وعن تلك العريضة، قال الصحافي المغربي عبد الإله المنصوري إن هذا الموقف كلف المالح "ثمنا باهظا من سنين عمره". 

سنوات المنفى 

دفعت الأحداث الدامية التي شهدتها الدار البيضاء عام 1965 إدمون عمران المالح إلى مغادرة المغرب والاستقرار بالعاصمة الفرنسية باريس حيث استمر في التدريس كأستاذ للفلسفة وكناقد صحافي في صحيفة "لوموند". 

بقي المالح في منفاه الاختياري لكنه ظل مع ذلك في ارتباط وثيق ببلده الأم، "اخترت منفاي بفرنسا، لكن صلاتي بالمغرب لم تنقطع، كانت كل كتاباتي عن المغرب والمغرب فقط"، يقول عمران المالح في إحدى حواراته. 

وخلال وجوده بفرنسا انتقد المالح في كتاباته السياسات الإسرائيلية ودعا إلى وقف الحروب والنزاعات في الشرق الأوسط، ودافع في الوقت نفسه عن الخصوصية المغربية وعن التعددية والانفتاح. 

وعام 1980، أصدر المالح كتابه الأولى "المجرى الثابت"، وكان حينها يبلغ من العمر 63 عاما، ثم تفتحت شهيته للكتابة وأصدر في سنوات لاحقة 9 مؤلفات أخرى كان آخرها "رسائل إلى نفسي" عام 2010. 

ورغم أنه لم يقبل على التأليف إلا في عمر متقدم، إلا أن كتابات إدمون عمران المالح تصنف إلى اليوم ضمن أفضل المؤلفات المغربية التي تناولت مسألة التعدد الثقافي بالمغرب وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية. 

وإلى جانب ذلك، اصطف المالح في كتاباته ضد الفرنكوفونية وانتقد مواطنيه من الكتاب المغاربة الذين أغراهم هذا التيار وأنساهم قيمهم الأصلية.

وعن أعماله، كتب الصحافي المغربي كريم الهاني "يرى الكثير أن قوة كتابات المالح ترجع إلى هويتها المركبة التي كسرت قواعد المألوف في السرد الأدبي والنقد، وذلك راجع بالأساس، كما يقال، إلى غنى الهوية المغربية، الممتدة جغرافيا وتاريخيا". 

وتابع "في كتاباته هذه، نقرأ عن تاريخ المغرب ونضاله للاستقلال، وعن هويته الثقافية وطقوسه وعاداته، وعن التسامح والتعايش الذي يسم مختلف أطياف الدينية". 

الحاج إدمون عمران المالح 

بعد غربة دامت 35 عاما، عاد إدمون عمران المالح إلى المغرب عام 2000 بعد مرور أشهر قليلة من تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم خلفا لوالده الحسن الثاني. 

في أحضان وطنه الأم، واصل الكتابة والدافع عن "قيم تمغريبيت"، وكان يحرص على حضور الملتقيات الأدبية والفنية التي تنظم من حين لآخر في عدد باقي المدن المغربية. 

كان المالح يجيد اللغة العربية ويتحدث بدارجة مغربية خالية من أي مفردات فرنسية، ولعل ذلك، بالإضافة إلى حرصه على الدفاع في كتاباته وحواراته الصحافية عن الثقافة المغربية، ما جعل الكثير من المثقفين المغاربة يلقبونه بـ"الحاج". 

أحب المالح هذا اللقب لأنه "إشارة على التقدير الذي يكنه المغاربة لمن يكبرهم سنا، هذا اللقب اعتراف بالمحبة والتقدير الذي نكنه بالمغرب للعلاقات الإنسانية بغض النظر عن المكانة الاجتماعية أو الدين للشخص". 

على صعيد آخر، ظل المالح يرفض طيلة حياته أن يقال عنه إنه "يهودي مغربي" وكان يفضل بدلها أن يتم تعريفه بـ "مغربي يهودي" بدعوى أن الوطن يسبق الدين والنسب.

وقال في إحدى حواراته "نحن أبناء أمة واحدة، مغاربة أولا وقبل كل شيء، وأبناء أم واحدة، والامتياز هو أن أحدنا يتبع الدين المسلم، وأحدنا يتبع دين اليهودية، ولا يجب أن نخلق لبسا بقول إن المسلمين يقبلون اليهود، أو اليهود يقبلون المسلمين…فهذا دخول في معمعة إيديولوجية، لا أرى وسيلة، أو أي باب، إذا غرقنا فيها، للخروج منها".

وفي الـ 15 من نوفمبر عام 2010 أعلن بالرباط عن رحيل إدمون عمران المالح عن سن ناهزت 93 عاما، ودفي بمدينة الصويرة بعد جنازة مهيبة شارك فيه المئات من معارفه ومحبيه. 

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

بعض قيادات الثورة الجزائرية - أرشيف
بعض قيادات الثورة الجزائرية - أرشيف

تحل اليوم الذكرى الثانية والستين لرحيل سفير الثورة الجزائرية المتنقل، فرانس فانون (1925/1961) بالعاصمة الأميركية، واشنطن، متأثرا بمضاعفات مرض سرطان الدمّ بينما كان سنه لا يتجاوز 36 عاما.

ومنذ اندلاعها في فاتح نوفمبر عام 1954 اهتمت الثورة الجزائرية بالنشاط الديبلوماسي علما أن بيان الثورة كان قد أعلن عن عدد من الأهداف الخارجية على رأسها "تدويل القضية الجزائرية". 

"دعم عربي ومغاربي"

وفي هذا الصدد، يتحدث المؤرخ الجزائري، محمد الأمين بلغيث عن أولى الخطوات التي "مهدت ليبلوماسية الثورة عن طريق الشاذلي المكي (أحد قادة التيار الاستقلالي (1913/ 1988)، الذي مثل الجزائر في دول المشرق العربي خصوصا في القاهرة"،.

وقد تجلى دور الشاذلي المكي، وفق بلغيث، عندما شارك في المؤتمر "الآفرو أسيوي" بباندونع (إندونيسيا) في أبريل 1955، حيث "كان تسجيل المؤتمر للقضية الجزائرية ضمن جدول أعماله بمثابة أول انتصار ديبلوماسي باهر للثورة".

ويرى بلغيث في حديث مع "أصوات مغاربية" أن "الجهود المشرقية والمغاربية في دعم الثورة في المحافل الدولية، ساهمت بشكل كبير في التعريف بالقضية الجزائرية"، مشيرا إلى أن عددا من الدول العربية والمغاربية "خصصت تمثيلياتها الديبلوماسية في الأمم المتحدة للتعريف بالقضية الجزائرية".

ويؤكد المتحدث أن هذا "الدعم غير المحدود ساهم في التعجيل بفتح مكتب لجبهة التحرير الوطني بنيويورك في مارس 1956، برئاسة امحمد يزيد"، مضيفا أن "الجبهة فتحت مكاتب لها في معظم الدول العربية، كما في جاكارتا ونيودلهي وكراتشي، ومكاتب إعلامية في روما وبون ولندن وجنيف، وفي بلدان أفريقية في مقدمتها العاصمة الغانية آكرا التي كان على رأس ممثليتها المناضل فرانس فانون".
 
"تدويل القضية الجزائرية"

من جانبه، يؤكد أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، عبد القادر كرليل، أن الثورة الجزائرية "حققت نجاحات ديبلوماسية رفعت من معنويات المقاتلين، وذلك بطريقة تدريجية".

ويتابع كرليل مشيرا في السياق إلى دور الوفد الخارجي للثورة بالقاهرة الذي كان يتكون من أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد ومحمد خيضر، والذي جدد مؤتمر الصومام (20 أغسطس 1956) الثقة فيه.

ويرى كرليل في حديث لـ"أصوات مغاربية" أن "فعالية ديبلوماسية الثورة ظهرت بشكل أكبر عقب تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 سبتمبر 1958"، والتي أسندت فيها حقيبة الخارجية لمحمد الأمين دباغين (1917/ 2003)، حيث "نصبت أجهزتها الدبلوماسية في الخارج، وفتحت مكاتبها في الدول التي اعترفت بالثورة الجزائرية".

ويتطرق كرليل إلى "مساعي الديبلوماسية لتسجيل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة منذ 1955، قبل أن يتم تبني لائحة اعترفت بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير خلال الدورة الخامسة عشرة التي انعقدت في يوليو 1960".

ويخلص المتحدث ذاته إلى التأكيد على أهمية الدور الذي لعبته ديبلوماسية الثورة الجزائرية مشددا على أنها "جردت فرنسا من حلفائها في المحافل الدولية، وحققت انتصارات أممية بعد تدويل القضية الجزائرية".

  • المصدر: أصوات مغاربية