في مثل هذا اليوم، وتحديدا في 15 نوفمبر 1961، وبعد أكثر من 7 سنوات على انطلاق الثورة الجزائرية (1 نوفمبر 1954)، نجحت الكتلة الأفريقية الآسيوية في إقناع مكتب المجلس التابع للجمعية العام للأمم المتحدة بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمالها تحت بند "حق تقرير المصير".
في ذلك اليوم اعتُرف للجزائريين - لأول مرة - بحقهم في تقرير مصيرهم، بعدما أفشلت فرنسا كل المساعي السابقة لإدراج القضية الجزائرية في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فكيف تحقق هذا الإنجاز؟
محاولات قبل الثورة
تعود محاولات إدراج القضية الجزائرية في الأمم المتحدة إلى ما قبل اندلاع ثورة التحرير في فاتح نوفمبر 1954، وتحديدا إلى العام 1952.
ويقول أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر أحمد سعيود في دراسة له بعنوان "الذكرى الخمسون لتسجيل القضية الجزائرية في جدول الجمعية العامة للأمم المتحدة"، إنه رغم "الحصار الذي ضربه الاستعمار الفرنسي على قضية الشعب الجزائري، حاولت الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية ولاسيما بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وبشتى الوسائل، التعريف بالقضية الجزائرية وإعطائها البعد الدولي وطرحها على منظمة هيئة الأمم المتحدة، خاصة عندما عقدت اجتماعها في قصر شابو بباريس عام 1952، ولكن باءت جميع تلك المحاولات بالفشل".
بعد اندلاع ثورة التحرير في شهر نوفمبر سنة 1954، أخذت قيادة الثورة المبادرة من أجل تعريف العالم بمسألة احتلال فرنسا للجزائر، ونصّت بيانات عديدة للثورة على ضرورة "تدويل القضية الجزائرية".
أول محاولة بعد الثورة
وفي هذا الخصوص يقول أستاذ قسم التاريخ في جامعة محمد بوضياف بالمسيلة (شرق) الدكتور عمر بوضربة في ورقة بحثية له بعنوان "القضية الجزائرية في الأمم المتحدة 1955-1957 أو معركة التدويل من أجل حق الشعب الجزائري في تقرير المصير"، إن "التدويل بالنسبة لجبهة التحرير الوطني إبّان الثورة الجزائرية، شكّل أولوية نصت عليها مواثيقها
الأساسية الأولى مثل بيان أول نوفمبر 1954 ووثيقة مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، فإنّ الوجهة الأساسية التي استهدفتها كانت بلا منازع هيئة الأمم المتحدة مصدر الشرعية الدولية".
في 20 أغسطس 1955 شن الثوار الجزائريون ما عرف تاريخيا بهجومات الشمال القسنطيني، وتزامنت هذه الهجومات مع قرب انعقاد الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان هذا أمرا مخططا من الثوار للفت أنظار العالم لما يحدث في الجزائر.
لكن فرنسا كانت دوما تُفشل تسجيل الثورة كقضية "تقرير مصير" في الأمم المتحدة، وقد نجحت في بادئ الأمر وكانت تتحجج بأن "الجزائر جزء من فرنسا" بنص الدستور الفرنسي.
مؤشرات النجاح
ويذكر الأستاذ أحمد سعيود بأن "اللجنة السياسية للأمم المتحدة أوصت بتاريخ 22 سبتمبر 1955 بعدم إدراج القضية الجزائرية في جدول الأعمال، وقد اتخذت اللجنة قرارها هذا بأغلبية ثمانية أصوات مقابل خمسة وامتناع اثنين عن التصويت".
رغم السعي الفرنسي إلى إفشال تسجيل القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنها لم تتمكّن من المحافظة على هذا النجاح، خصوصا مع تزايد ضغط الثورة عسكريا عليها.
فقد توالت محاولات أصدقاء الثورة الجزائرية تسجيلها دون يأس، وفي شهر سبتمبر 1957، أدرجت الجمعية العام القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال دورتها الثانية عشر، لكن ليس في باب تقرير المصير، حيث أعربت عن "الرغبة في أن يُصار - بروح من التعاون الفعال - إلى إجراء محادثات واستخدام وسائل مناسبة أخرى للوصول إلى حل.."، وكان هذا من مؤشرات نجاح الثورة في طرق بابا الأمم المتحدة رغم أنه لمن يكن في مستوى طموحات الجزائريين.
مجزرة ساقية سيدي يوسف
بعد مجزرة ساقية يوسف في الثامن فبراير 1958، والتي راح ضحيتها جزائريون وتونسيون في قصف فرنسي على قرية تونسية، بدأت القضية تحقق تعاطفا دوليا، خصوصا بعد اعتراف دول عديدة بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، التي أنشئت في 19 سبتمبر 1958.
لكن الضغط الفرنسي كان بالمرصاد للجهود الساعية لتسجيل القضية الجزائر تحت بند "تقرير المصير"، وكان الرفض أو التأجيل مصير العديد من المحاولات، غير أنه لم يستطع الصمود طويلا، خصوصا بعد اعتراف الجنرال ديغول بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم ونُظّم استفتاء في الجزائر بتاريخ الثامن يناير 1961 وتصويت 75 بالمائة من المستفتين بنعم.
وفي 15 نوفمبر 1961 اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بعد نجاح الكتلة الأفريقية الأسيوية من إقناع مكتب المجلس التابع لهيئة الأمم المتحدة بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمالها، ولم تكد تمر سنة بعد ذلك حتى حصلت الجزائر على استقلالها في الخامس يوليو 1962.
- المصدر: أصوات مغاربية