مقاومون جزائريون خلال حرب التحرير (1 يناير 1957)
مقاومون جزائريون خلال حرب التحرير (1 يناير 1957)

في مثل هذا اليوم (16 نوفمبر 1918)، تأسست في ليبيا الجمهورية الطرابلسية على يد أعضاء بارزين في حركة المقاومة الليبية التي قاتلت الغزو الإيطالي لليبيا منذ عام 1911. 

أثناء الغزو الإيطالي، كانت ليبيا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، ما أشعل فتيل الحرب التركية-الإيطالية، ودفع المقاومين الليبيين لإعلان الجمهورية بزعامة مجلس حكماء يضم ممثلين عن القبائل والمدن الكبرى في طرابلس، وأبرزهم الشاعر الأمازيغي سليمان الباروني (1870 -1940)، والسياسي البارز رمضان السويحلي (1879 - 1920)، والزعيم القبلي عبد النبي بلخير (1880-1931).

ورغم العمر القصير لهذا الكيان السياسي، إلا أن إعلان الجمهورية الطرابلسية كان حدثا مهما في التاريخ الليبي الحديث، إذ اعتُبرت أول جمهورية عربية تقتلع حقوق تقرير مصيرها بقوة السلاح، ما ألهم حركات مقاومة في مناطق أخرى.

وهؤلاء زعماء مغاربيون آخرون دحروا الاستعمار بكل الوسائل المتاحة:

الشيخ بوعمامة

اسمه الحقيقي محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة، المشهور بـ"الشيخ بوعمامة"، وهي تسمية لازمته طول حياته كونه يضع عمامة على رأسه.

لم تتفق الروايات على مولد هذا المقاوم الجزائري، لكن معظمها حصرتها ما بين 1838 و1840.  

كان في الأصل زعيما دينيا قبل أن يتحول إلى أحد مؤسسي الوطنية الجزائرية الحديثة بقيادته المقاومة من 1881 إلى 1908.

وصفه المؤرخون بـ"عبد القادر الجزائري الثاني"، لقدرته على مجابهة القوات الفرنسية لمدة 27 عاما تقريبا، حتى بلغت شهرته كل الأصقاع، حيث كادت مقاومته أن تعم الغرب الجزائري كله بفضل تكتيكاته الإستراتيجية، التي غالبا ما تتضمن حرب العصابات والهجمات المفاجئة باستخدام الأسلحة البدائية، من سيوف وسكاكين وبنادق. 

ورغم ترسانتهم البدائية، استطاع مقاومو بوعمامة إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الاستعمارية الفرنسية المدججة بالعتاد الحديث.

ساهم تصميم بوعمامة وقيادته الكاريزمية في إبقاء شعلة المقاومة الجزائرية مشتعلة لما يقرب من ثلاثة عقود. وأصبح رمزا للصمود والأمل في الاستقلال وتقرير المصير.

محمد بن حمو 

يُعرف بلقبه الحركي "موحى أوحمو الزياني"، لكن اسمه الكامل هو محمد بن حمو بن عقى بن أحمد الزياني، المزداد عام 1857، في منطقة خنيفرة بجبال الأطلس المتوسّط، وسط المغرب. 

نشأ موحى وسط عائلة أمحزون الأمازيغية، التي تنتمي إلى قبيلة آيت حركات، المنتمية بدورها لقبائل زيان الأطلسية، وكان زعيما ملهما يتمتع بشخصية كاريزمية. 

بعد معاهدة فاس (1912)، التي وضعت المغرب تحت الحماية الفرنسية، قاد هذا المقاوم الزيانيين- وعدة قبائل أمازيغية في الأطلس المتوسط - في حرب عصابات واستنزاف ضد الفرنسيين باستخدام كل الأسلحة المتاحة، بما في ذلك حرب العصابات، إذ كثيراً ما يشن مقاتلوه هجمات مفاجئة على المواقع والدوريات الفرنسية، ثم يختفون بسرعة في الجبال، وفق الأرشيف الفرنسي.  

في عام 1914، قاد المقاومين إلى نصر حاسم على الفرنسيين في معركة "الهري" الشهيرة بمنطقة خنيفرة. وكتب المقيم العام حينها، الجنرال الفرنسي كِيوم، في مؤلَّف يوثق لهذه الحقبة: "لمْ تُمنَ قُوَّاتنا قط في شمال أفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة".

وفي سنة 1921، خاض موحى الزياني، إلى جانب أبنائه، أشرس معاركه ضد فرنسا، وهي معركة "أزلاك نتزمورت" بجبل تاوجكالت، وهو في الـ74 في العمر، وفي هذه الجغرافيا قُتل في 27 مارس 1921. 

علي بن خليفة النفاتي

يعد علي بن خليفة (1807-1885) أحد أول قادة المقاومة التونسية للاستعمار الفرنسي بإشرافه بين 15 و 20 يونيو 1881 على اجتماع لزعماء القبائل بجامع عقبة بن نافع رفضا لـ"وثيقة الحماية" رغم أنه كان مسؤولا معينا من قبل الباي.

 قاد بن خليفة معارك ضارية للذود عن صفاقس وقابس جنوب البلاد قبل أن ينسحب إلى ليبيا بعد نجاح الفرنسيين في غزو المدينتين. 

ووفقا لما جاء في كتاب "المقاومة التونسية المسلحة" للمؤرخين عدنان منصر وعميرة علية الصغير، فإن "مقاومة بن خليفة لم تنقطع بالهجرة إذ نظم عدة عمليات إغارة على التراب التونسي إلى حدود وفاته".

تمكن من قيادة معارك باسلة ضد الجيش الفرنسي، رغم عدم تكافؤ القوى، خاصة في أهم المعارك التي خاضتها المقاومة ضد الاحتلال بصفاقس، إذ استمرت المناوشات 15 يوماً، وتمكن خلالها المقاومون من إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الفرنسي. 

بعد خسارته معركة صفاقس، اضطر الشيخ علي بن خليفة - الذي لقبه الفرنسيون "العجوز المتمرد" - إلى الاستمرار في المقاومة من مناطق أخرى، ومات في ليبيا 1885 وهو على صهوة جواده أثناء استعداده لجمع العتاد من القبائل الليبية المجاورة لمهاجمة الفرنسيين. 

محمد ولد إمسيكا

ولد هذا المقاوم الموريتاني في ضواحي المذرذرة (ولاية الترارزة) بجنوب غرب موريتانيا عام 1880، ونشأ في بيئة قبلية تقليدية وتلقى تعليمه في العلوم الدينية الإسلامية. 

ومع اشتداد الحكم الاستعماري الفرنسي في أوائل القرن العشرين، أصبح ولد إمسيكا منخرطا في الجهود الساعية لدحر المطامع الفرنسية في بلاد شنقيط.

اتخذ من منطقة تكانت مقرا لعملية الحشد القبلي للمقاومة المسلحة ضد القوات الفرنسية، وأثبت مهاراته القيادية والاستراتيجية بتوظيف حرب الكر والفر لإنهاك تمركزات الجيش الفرنسي. 

بالإضافة إلى براعته العسكرية، كان ولد إمسيكا أيضا مفاوضا بارعا، إذ لعب دورا حاسما في توحيد الفصائل القبلية المختلفة عبر إقامة تحالفات مع القادة الآخرين المناهضين للاستعمار في جميع أنحاء البلاد، ما دفع الفرنسيين إلى رصد مكافأة ضخمة لمن يقبض عليه أو يسلمه للفرنسيين. 

واصل محمد ولد إمسيكا المقاومة والنضال من أجل الحرية الموريتانية حتى مقتله في عام 1950، أي قبل نحو عشر سنوات من استقلال البلاد في 1960 ليتحول إلى شخصية بارزة  وبطل قومي ورمز من رموز الصمود الموريتاني في مواجهة الآلة الاستعمارية.

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

احتجاجات وسط الجزائر العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي - أرشيف
احتجاجات وسط الجزائر العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي - أرشيف

في مثل هذا اليوم قبل 67 عاما (4 ديسمبر 1956) تم إعدام المقاوم الجزائري عبد القادر بومليك بالمقصلة في سجن وهران (غرب) في الوقت الذي لم يكن سنه يتجاوز ثلاثين عاما.

جاء ذلك إثر اعتقاله ومحاكمته من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية على إثر تنفيذه لسلسلة من العمليات العسكرية ضد الفرنسيين.

نشاط نقابي وسياسي

في حديثه عن ظروف نشأة بومليك، يقول أستاذ التاريخ بجامعة وهران، محمد بلحاج، إن الظروف الاجتماعية لمعظم الجزائريين خلال النصف الأول من القرن الماضي "كانت صعبة للغاية بسبب هيمنة المعمرين على الأراضي والثروات في البلاد". 

ونتيجة لذلك "لم يتمكن الطفل عبد القادر بومليك (1926، 1956) من متابعة دراسته بسيدي بلعباس (غرب) بعد نيله لشهادة التعليم الابتدائي"، يضيف بلحاج في حديث مع "أصوات مغاربية"، مردفا أن تلك الأوضاع "زادت من حقد بومليك على الاستعمار".

سمحت الحركية النقابية والسياسية التي شهدتها تلك الفترة لبومليك بـ"الانخراط في الكونفدرالية العامة للشغل، والتي كانت مدينة سيدي بلعباس معقلا لها"، يوضح بلحاج، مشيرا إلى أنه كان إلى جانب النضال النقابي "من أنشط مناضلي الحزب الوطني المعروف بحركة الانتصار للحريات الديموقراطية".

من جانبه، يشير الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، محمد بن ترار في حديث مع "أصوات مغاربية" إلى عمل بومليك في مصنع للآجر بمدينة سيدي بلعباس حيث بدأ هناك "مسارا نقابيا طويلا قبل ينتقل للنشاط السياسي عقب اندلاع الثورة". 

ويتابع بن ترار أن نشاط بومليك النقابي ثم السياسي "لفت أنظار الاستعمار الفرنسي إليه، نظرا لعمله على نشر الوعي بين عمال وشباب القطاع الوهراني لغرب الجزائر عبر توزيع المناشير المناهضة للاستعمار"، الأمر الذي أدى إلى "وضعه تحت رقابة الإدارة الفرنسية".

السجن والإعدام 

عن نشاطه في الثورة الجزائرية، يقول بن ترار إن بومليك "استهل نشاطه الثوري مع نهاية 1954 بتشكيل خلايا متخصصة في القيام بعمليات عسكرية ضد المصالح الفرنسية في سيدي بلعباس وغيرها، وتنسيق العمليات بين عدة ولايات غربية من وهران وسيدي بلعباس وسعيدة إلى تلمسان".

قصة أشهر 3 إعدامات نفذتها فرنسا في حق مقاومين جزائريين
في مثل هذا اليوم  (21 يونيو) من عام 1955 أصدرت محكمة عسكرية فرنسية حكما بالإعدام على قيادي بارز في الثورة الجزائرية هو مصطفي بولعيد. وكان ذلك الحكم بمثابة الفصل الأول في سلسلة إعدامات نفذتها فرنسا في حق وجوه أخرى في الثورة الجزائرية بينهم أحمد زبانة والعربي بن مهيدي. 

ويتابع المتحدث مشيرا إلى عددا من العمليات التي نفذها بومليك سنة 1955 والتي "استهدفت منشآت اقتصادية تابعة للفرنسيين في سيدي بلعباس وضواحيها، كما استهدفت متعاونين مع الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى وضع قنبلة قرب منزل محافظ للشرطة الفرنسية".

ردا على تلك العمليات، يوضح بلحاج أن السلطات الاستعمارية قامت بـ"المتابعة والتحقيق والتحري، إلى أن اعتقلت بومليك يوم 24 نوفمبر 1955 في سيدي بلعباس قبل أن يتم نقله بعدها إلى السجن المدني بوهران"، حيث كان يوجد أيضا الحاج بن علا (أحد قادة الولاية الخامسة التاريخية، وهران، ورئيس البرلمان الجزائري خلال فترة حكم أحمد بن بلة).

وبحسب بلحاج فإن تلك الفترة تزامنت مع "وجود بييار لامبير حاكم القطاع الوهراني الذي كان من أشد الحاقدين على بومليك".

وهكذا، يضيف المتحدث "أصدرت المحكمة العسكرية بوهران حكما بالسجن لمدة 20 سنة نافذة بحق بومليك، بتهم عدة وباعتباره من الخارجين عن القانون بالمفهوم الاستعماري، ثم استأنفت النيابة العامة فحكم عليه بالإعدام يوم 25 ماي 1956 وتم تنفيذ الإعدام بالمقصلة في يوم 4 ديسمبر 1956 في سجن وهران".

  • المصدر: أصوات مغاربية