قتل مئات العسكريين والمستوطنين أيام الثورة.. قصة الجزائري "صائد" الفرنسيين
أحمد بن دريميع المشهور بـ"أحمد لمْطروَش".. لم يذكر تاريخ الثورة الجزائرية (1954-1962) رجلا مثله، لأن صاحب هذه السيرة لم يعرف الخوف ولا التردّد وكأنّه خُلق بلا قلب..!
صنّفه الاحتلال الفرنسي في قائمة الأشخاص الخطرين جدا، أُسر واستطاع الفرار في وقت وجيز، قَتل أكثر من مئة من الجنود والمستوطنين لوحده، ونفّذ عمليات بمفرده رغم انضمامه للثورة. فمن يكون هذا الرجل؟
الالتحاق بالثورة
ولد أحمد بن دريميع شرقي الجزائر في مدينة برج الغدير بولاية برج بوعريريج العام 1926، درس في الكتاتيب أين حفظ بعض سور القرآن وتعلم مبادئ اللغة العربية والكتابة.
لم يكن للطفل أحمد حظ وافر من التعليم مثل غيره من الجزائريين، بسبب سياسة التجهيل التي اعتمدها الاحتلال الفرنسي في البلاد، حيث لم يكن يسمح لأحد بتجاوز مرحلة التعليم الابتدائي.
تزوّج أحمد في شبابه ورزق بطفل وكان يشتغل في الرعي والفلاحة، لكن حياته ستأخذ مسارا آخر بعد اندلاع ثورة التحرير عام 1954، ليصبح على كل لسان ويضعه الاحتلال على لائحة أخطر الأشخاص. فماذا فعل هذا الرجل؟
اندلعت الثورة في 1 نوفمبر 1954، ولم يكد العام 1955 يطلّ برأسه حتى التحق بها أحمد بسبب مقتل عدد من الثوار في منطقته سقطوا بعد وشاية بهم من طرف خونة، وكأنه قرر أن يأخذ الثأر لهم من الخونة والمحتلّ.
العمل منفردا
كان أحمد يحب القيام بعملياته منفردا رغم تحذيرات قادته ورفاقه له، غير أن هذا لا يعني بأنّه لم يكن يشارك في المعارك إلى جانب رفاقه، فلقد شارك في العديد منها.
من أشهر عملياته منفردا؛ قتل القائد الدركي في منطقة قلاّل بولاية سطيف (شرق) العام 1957، وفي العام نفسه قتل مستوطنا مشهورا في منطقته يدعى سانتو، وهاجم مزرعة لأحد المستوطنين واستولى على ما فيها من أغنام، وكانت عملياته الناجحة والجريئة سببا في تسميته "لمطروش" (الشجاع).
في العام 1958 قتل اثنين من غلاة المستوطنين وهما بيغول وموريس برشلي، كما أجهز على عدد من الحركى (خونة الثورة).
ومن أخطر عملياته لحاقه بقوات فرنسية هاجمت منطقته واقتادت العديد من سكانها إلى الأسر بينهم زوجته وابنه، ونجح في تحريرهم جميعا.
أما أغرب عملياته فهي أسره عسكريّيْن فرنسيين في مدينة سطيف، بل إنه تمكّن من إخراجهما من المدينة ونقلهما إلى معقل الثورة في جبال الأوراس ونجح في ذلك، حيث قطع مسافة تزيد عن 130 كيلومترا وسلمهما لقيادة الثورة.
الأسر والفرار.. والنهاية
رغم تحذيرات القيادة ورفاقه له إلا أن "لمطروش" لم يأبه بأحد، وواصل تنفيذ ما كان يسميه "اصطياد العصافير"، لكنّه سيقع هذه المرة في الأسر. فكيف حدث ذلك؟
تقول الرواية إنه هجم في إحدى المرات على مركز عسكري العام 1958 غير بعيد عن مزرعة أحد المستوطنين، لكن الجنود تنبّهوا له وأوقعوه في الأسر بعد تبادل إطلاق نار.
لم يمكث "لمطروش" في الأسر سوى ثلاثة أشهر، إذ نجح في الفرار من سجنه والتحق بالثورة مرة ثانية، لكنه لن يعيش طويلا هذه المرة.. إذ سيلقى مصرعه في مطلع العام 1959.
ففي يناير 1959 خطّط للهجوم على قوة فرنسية تتمركز حول شركة الكهرباء والغاز في مدينة سطيف، أراد "لمطروش" أن يقتلهم ويستولي على أسلحتهم كلّها ويأخذها إلى الثوار، لكنّ خطته لم تُكلّل بالنجاح بعد أن دخل في تبادل إطلاق نار معهم انتهى بمقتله.
بلغ عدد القتلى الفرنسيين من العسكريين والمستوطنين، الذين اصطادهم "لمطروش" 611 منذ التحاقه بالثورة، وهو رقم كبير جدا، جعل "لمطروش" رمزا للشجاعة والتضحية من أجل استقلال الجزائر إلى اليوم، وقد قدّم من عرفوه شهادات حول عملياته ضد الاحتلال.
المصدر: أصوات مغاربية