فيتشر

قتل مئات العسكريين والمستوطنين أيام الثورة.. قصة الجزائري "صائد" الفرنسيين

17 نوفمبر 2023

أحمد بن دريميع المشهور بـ"أحمد لمْطروَش".. لم يذكر تاريخ الثورة الجزائرية (1954-1962) رجلا مثله، لأن صاحب هذه السيرة لم يعرف الخوف ولا التردّد وكأنّه خُلق بلا قلب..! 

صنّفه الاحتلال الفرنسي في قائمة الأشخاص الخطرين جدا، أُسر واستطاع الفرار في وقت وجيز، قَتل أكثر من مئة من الجنود والمستوطنين لوحده، ونفّذ عمليات بمفرده رغم انضمامه للثورة. فمن يكون هذا الرجل؟

الالتحاق بالثورة

ولد أحمد بن دريميع شرقي الجزائر في مدينة برج الغدير بولاية برج بوعريريج العام 1926، درس في الكتاتيب أين حفظ بعض سور القرآن وتعلم مبادئ اللغة العربية والكتابة.

لم يكن للطفل أحمد حظ وافر من التعليم مثل غيره من الجزائريين، بسبب سياسة التجهيل التي اعتمدها الاحتلال الفرنسي في البلاد، حيث لم يكن يسمح لأحد بتجاوز مرحلة التعليم الابتدائي.

تزوّج أحمد في شبابه ورزق بطفل وكان يشتغل في الرعي والفلاحة، لكن حياته ستأخذ مسارا آخر بعد اندلاع ثورة التحرير عام 1954، ليصبح على كل لسان ويضعه الاحتلال على لائحة أخطر الأشخاص. فماذا فعل هذا الرجل؟

اندلعت الثورة في 1 نوفمبر 1954، ولم يكد العام 1955 يطلّ برأسه حتى التحق بها أحمد بسبب مقتل عدد من الثوار في منطقته سقطوا بعد وشاية بهم من طرف خونة، وكأنه قرر أن يأخذ الثأر لهم من الخونة والمحتلّ.

العمل منفردا

كان أحمد يحب القيام بعملياته منفردا رغم تحذيرات قادته ورفاقه له، غير أن هذا لا يعني بأنّه لم يكن يشارك في المعارك إلى جانب رفاقه، فلقد شارك في العديد منها.

من أشهر عملياته منفردا؛ قتل القائد الدركي في منطقة قلاّل بولاية سطيف (شرق) العام 1957، وفي العام نفسه قتل مستوطنا مشهورا في منطقته يدعى سانتو، وهاجم مزرعة لأحد المستوطنين واستولى على ما فيها من أغنام، وكانت عملياته الناجحة والجريئة سببا في تسميته "لمطروش" (الشجاع).

في العام 1958 قتل اثنين من غلاة المستوطنين وهما بيغول وموريس برشلي، كما أجهز على عدد من الحركى (خونة الثورة).

ومن أخطر عملياته لحاقه بقوات فرنسية هاجمت منطقته واقتادت العديد من سكانها إلى الأسر بينهم زوجته وابنه، ونجح في تحريرهم جميعا.

أما أغرب عملياته فهي أسره عسكريّيْن فرنسيين في مدينة سطيف، بل إنه تمكّن من إخراجهما من المدينة ونقلهما إلى معقل الثورة في جبال الأوراس ونجح في ذلك، حيث قطع مسافة تزيد عن 130 كيلومترا وسلمهما لقيادة الثورة.

الأسر والفرار.. والنهاية

رغم تحذيرات القيادة ورفاقه له إلا أن "لمطروش" لم يأبه بأحد، وواصل تنفيذ ما كان يسميه "اصطياد العصافير"، لكنّه سيقع هذه المرة في الأسر. فكيف حدث ذلك؟

تقول الرواية إنه هجم في إحدى المرات على مركز عسكري العام 1958 غير بعيد عن مزرعة أحد المستوطنين، لكن الجنود تنبّهوا له وأوقعوه في الأسر بعد تبادل إطلاق نار.

لم يمكث "لمطروش" في الأسر سوى ثلاثة أشهر، إذ نجح في الفرار من سجنه والتحق بالثورة مرة ثانية، لكنه لن يعيش طويلا هذه المرة.. إذ سيلقى مصرعه في مطلع العام 1959.

ففي يناير 1959 خطّط للهجوم على قوة فرنسية تتمركز حول شركة الكهرباء والغاز في مدينة سطيف، أراد "لمطروش" أن يقتلهم ويستولي على أسلحتهم كلّها ويأخذها إلى الثوار، لكنّ خطته لم تُكلّل بالنجاح بعد أن دخل في تبادل إطلاق نار معهم انتهى بمقتله.

بلغ عدد القتلى الفرنسيين من العسكريين والمستوطنين، الذين اصطادهم "لمطروش" 611 منذ التحاقه بالثورة، وهو رقم كبير جدا، جعل "لمطروش" رمزا للشجاعة والتضحية من أجل استقلال الجزائر إلى اليوم، وقد قدّم من عرفوه شهادات حول عملياته ضد الاحتلال.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

احتجاجات وسط الجزائر العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي - أرشيف
احتجاجات وسط الجزائر العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي - أرشيف

في مثل هذا اليوم قبل 67 عاما (4 ديسمبر 1956) تم إعدام المقاوم الجزائري عبد القادر بومليك بالمقصلة في سجن وهران (غرب) في الوقت الذي لم يكن سنه يتجاوز ثلاثين عاما.

جاء ذلك إثر اعتقاله ومحاكمته من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية على إثر تنفيذه لسلسلة من العمليات العسكرية ضد الفرنسيين.

نشاط نقابي وسياسي

في حديثه عن ظروف نشأة بومليك، يقول أستاذ التاريخ بجامعة وهران، محمد بلحاج، إن الظروف الاجتماعية لمعظم الجزائريين خلال النصف الأول من القرن الماضي "كانت صعبة للغاية بسبب هيمنة المعمرين على الأراضي والثروات في البلاد". 

ونتيجة لذلك "لم يتمكن الطفل عبد القادر بومليك (1926، 1956) من متابعة دراسته بسيدي بلعباس (غرب) بعد نيله لشهادة التعليم الابتدائي"، يضيف بلحاج في حديث مع "أصوات مغاربية"، مردفا أن تلك الأوضاع "زادت من حقد بومليك على الاستعمار".

سمحت الحركية النقابية والسياسية التي شهدتها تلك الفترة لبومليك بـ"الانخراط في الكونفدرالية العامة للشغل، والتي كانت مدينة سيدي بلعباس معقلا لها"، يوضح بلحاج، مشيرا إلى أنه كان إلى جانب النضال النقابي "من أنشط مناضلي الحزب الوطني المعروف بحركة الانتصار للحريات الديموقراطية".

من جانبه، يشير الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، محمد بن ترار في حديث مع "أصوات مغاربية" إلى عمل بومليك في مصنع للآجر بمدينة سيدي بلعباس حيث بدأ هناك "مسارا نقابيا طويلا قبل ينتقل للنشاط السياسي عقب اندلاع الثورة". 

ويتابع بن ترار أن نشاط بومليك النقابي ثم السياسي "لفت أنظار الاستعمار الفرنسي إليه، نظرا لعمله على نشر الوعي بين عمال وشباب القطاع الوهراني لغرب الجزائر عبر توزيع المناشير المناهضة للاستعمار"، الأمر الذي أدى إلى "وضعه تحت رقابة الإدارة الفرنسية".

السجن والإعدام 

عن نشاطه في الثورة الجزائرية، يقول بن ترار إن بومليك "استهل نشاطه الثوري مع نهاية 1954 بتشكيل خلايا متخصصة في القيام بعمليات عسكرية ضد المصالح الفرنسية في سيدي بلعباس وغيرها، وتنسيق العمليات بين عدة ولايات غربية من وهران وسيدي بلعباس وسعيدة إلى تلمسان".

قصة أشهر 3 إعدامات نفذتها فرنسا في حق مقاومين جزائريين
في مثل هذا اليوم  (21 يونيو) من عام 1955 أصدرت محكمة عسكرية فرنسية حكما بالإعدام على قيادي بارز في الثورة الجزائرية هو مصطفي بولعيد. وكان ذلك الحكم بمثابة الفصل الأول في سلسلة إعدامات نفذتها فرنسا في حق وجوه أخرى في الثورة الجزائرية بينهم أحمد زبانة والعربي بن مهيدي. 

ويتابع المتحدث مشيرا إلى عددا من العمليات التي نفذها بومليك سنة 1955 والتي "استهدفت منشآت اقتصادية تابعة للفرنسيين في سيدي بلعباس وضواحيها، كما استهدفت متعاونين مع الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى وضع قنبلة قرب منزل محافظ للشرطة الفرنسية".

ردا على تلك العمليات، يوضح بلحاج أن السلطات الاستعمارية قامت بـ"المتابعة والتحقيق والتحري، إلى أن اعتقلت بومليك يوم 24 نوفمبر 1955 في سيدي بلعباس قبل أن يتم نقله بعدها إلى السجن المدني بوهران"، حيث كان يوجد أيضا الحاج بن علا (أحد قادة الولاية الخامسة التاريخية، وهران، ورئيس البرلمان الجزائري خلال فترة حكم أحمد بن بلة).

وبحسب بلحاج فإن تلك الفترة تزامنت مع "وجود بييار لامبير حاكم القطاع الوهراني الذي كان من أشد الحاقدين على بومليك".

وهكذا، يضيف المتحدث "أصدرت المحكمة العسكرية بوهران حكما بالسجن لمدة 20 سنة نافذة بحق بومليك، بتهم عدة وباعتباره من الخارجين عن القانون بالمفهوم الاستعماري، ثم استأنفت النيابة العامة فحكم عليه بالإعدام يوم 25 ماي 1956 وتم تنفيذ الإعدام بالمقصلة في يوم 4 ديسمبر 1956 في سجن وهران".

  • المصدر: أصوات مغاربية