يخلد المغرب، السبت، الذكرى 68 لعيد الاستقلال، وهي مناسبة تؤرخ لعودة الأسرة الملكية من المنفى يوم 18 نوفمبر 1955، وإعلان الملك الراحل محمد الخامس "انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية وبزوغ فجر الاستقلال".
وخضع المغرب للاستعمار الفرنسي لمدة 44 عاما، وذلك بعد التوقيع في 1912 على معاهدة سُميت بـ"معاهدة تنظيم الحماية الفرنسية للمملكة الشريفة"، لكن مع حلول الثلاثينات بدأ الصراع بين السلطان المغربي، محمد بن يوسف (لاحقا "الملك محمد الخامس") والسلطات الاستعمارية.
مؤتمر ثم وثيقة وخطاب
قاوم السلطان الضغوط الفرنسية وظل يطالب باستقلال المغرب، كما فتح قنوات تواصل مع الحركة الوطنية وهو ما أثمر تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير عام 1944.
بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات وتحديدا في شهر أبريل من عام 1947 قام السلطان بزيارته التاريخية لمدينة طنجة (شمال)، وهناك ألقى خطابا شهيرا اعتبر صيحة من أجل الانعتاق من الهيمنة الاستعمارية.
وجاءت هذه التطورات في أعقاب تنظيم الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية مؤتمرا سريا في فندق أنفا بمدينة الدار البيضاء في 14 يناير 1943 عرف حضور الرئيس الأميركي آنذاك، فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والرئيس الفرنسي شارل ديغول، والجنرال هنري جيرو وملك المغرب محمد الخامس وولي عهده الحسن الثاني.
ولم يحضر المغرب مختلف جلسات المؤتمر باعتبار البلاد حينها كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، غير أن لقاءات انفرادية جمعت السلطان المغربي محمد الخامس بروزفلت وتشرشل كان من أبرز مخرجاتها أن الملك المغربي تلقى وعدا من روزفلت بأن المغرب سيستقل عن فرنسا في غضون 10 أعوام.
نفي سلطان وتعيين آخر
نتيجة لتحركات الجالس على العرش، قامت سلطات الحماية يوم 20 أغسطس 1953 بتطويق القصر الملكي تنفيذا لأمر أقرته الحكومة الفرنسية يقضي بخلع السلطان محمد بن يوسف، ونصبت بدلا عنه سلطانا صوريا، هو محمد بن عرفة المعروف بـ"السلطان الدمية".
ونُفي محمد الخامس وأفراد أسرته بداية إلى كورسيكا وبعدها بفترة تم نقلهم جميعا إلى مدغشقر.
وكان بن عرفة كان أحد أفراد الأسرة العلوية الحاكمة في المغرب، لذلك لم تجد السلطات الفرنسية أفضل منه لوضعه على العرش بعد نفي السلطان محمد بن يوسف، لكن المغاربة لم يعترفوا به "سلطانا" عليهم.
وقد تعرض بن عرفة لمحاولات اغتيال، أشهرها قفزة المقاوم علال بن عبد الله الشهيرة على موكبه الرسمي في محاولة فاشلة لطعنه بسكين، وهو ما كلف الأخير حياته، وأجج أيضا مشاعر المغاربة.
مفاوضات "إيكس ليبان"
في صيف 1955، التقى قادة الحركة الوطنية المغربية مع السلطات الفرنسية للتفاوض حول صيغة لتصفية الاستعمار ومستقبل العلاقة بين البلدين بعد الاستقلال.
عقدت هذه المفاوضات في مدينة "إيكس ليبان" بمقاطعة سافوا جنوب شرق فرنسا، وضمت 37 شخصية سياسية وحزبية مغربية، أبرزهم ممثلون عن حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، بالإضافة إلى شخصيات عديدة من المقاومة.
وقد كان نفي محمد الخامس العامل الذي صعّد المقاومة المغربية ضد الاستعمار، ولهذا السبب انبرت مفاوضات "إيكس ليبان" إلى إزاحة بن عرفة، وتنصيب مجلس حفظة العرش تولاه الفاطمي بن سليمان في 17 أكتوبر 1955.
قصة 18 نوفمبر
وإثر استمرار الغليان الشعبي والمقاومة رضخت فرنسا في 16 نوفمبر عام 1955 لعودة محمد الخامس من المنفى، الأمر الذي خلّف فرحة عارمة لدى المغاربة.
يومان بعد ذلك، أي يوم 18 نوفمبر ألقى السلطان محمد بن يوسف الخطاب الذي حمل بشرى قرب انتهاء نظام الحماية الذي خضع له المغرب منذ 30 من مارس 1912، بعد أن أمضى السلطان عبد الحفيظ على معاهدة الحماية مع الفرنسيين في مدينة فاس.
ورغم أن تاريخ الاستقلال الفعلي هو الثاني من مارس 1956، إلا أن النخبة السياسية المغربية اختارت الاحتفال بيوم 18 نوفمبر 1955، وهو تاريخ الخطاب الشهير محمد الخامس، وأيضا تاريخ أول حكومة مغربية برئاسة، امبارك البكاي.
مصير "بن عرفة"
بعد عودة محمد الخامس من المنفى، وإعلان استقلال البلاد سنة 1955، لجأ بن عرفة إلى طنجة التي كانت تحت إدارة مشتركة دولية بمقتضى الاتفاق الودي البريطاني الفرنسي منذ أبريل 1904.
استقر بن عرفة بن عرفة في طنجة، لكن الأوضاع السياسية سرعان ما تغيرت وصارت طنجة تحت سلطة المغرب، فلجأ إلى فرنسا، حيث ظل مقيما إلى أن وافته المنية 1976.
قبِل الملك الحسن الثاني في الثمانينات - رغم معارضته لمدة عامين - مطالب عائلة محمد بن عرفة بدفنه في المغرب. وبحسب مؤرخين، فإن وزير الداخلية حينها، إدريس البصري، هو من تكلف بإجراءات نقل جثمان بن عرفة من فرنسا إلى مدينة فاس حيث دفن في قبر مهجور لا يحمل أي اسم ولا صفة ولا نسب.
المصدر: أصوات مغاربية