صورة متخيلة ليوغرطة
صورة متخيلة ليوغرطة

خلال مرحلة سيطرة روما على قرطاجة ونوميديا (المنطقة المغاربية حاليا)، واجه قادة نوميديون وقرطاجيون روما بشجاعة كبيرة؛ وصلت إلى محاصرة الإمبراطورية الرومانية في عقر دارها لسنين طويلة، ومنهم من "عرض روما للبيع" ومنهم من عقد حلفا مع غيره لهزيمة روما.

فمن يكون هؤلاء القادة وماذا فعلوا؟ 

يوغرطة: روما للبيع!

في العام 160 قبل الميلاد ولد يوغرطة، وهو ابن مستنبعل ابن ماسينيسا، ويعني اسم يوغرطة بالنوميدية "كبير القوم".

شارك يوغرطة إلى جانب روما في حصار نومانتينا في إسبانيا سنة 134 قبل الميلاد، وفي تلك الحرب اكتسب خبرة وتعرف فيها على كبار القوم في روما وكوّن علاقات نافذة مع أعضاء في مجلس الشيوخ.

كانت نوميديا حينها مقسمة إلى شرقية وغربية وهو ما استصعبه يوغرطة خصوصا وأن جدّه ماسينيسا وحّد هذه البلاد وجعلها قوية جدا، وراودت يوغرطة الأحلام بتوحيد نوميديا من جديد، فراح يعمل بصمت من أجل تحقيق حلمه.

كوّن الشاب جيشا قويا وهاجم النوميديتين الشرقية والغربية وقتل حاكميهما وأعلن الحرب على روما، وطبعا صدم الأمر روما وأعلنت الحرب عليه.

دخل الطرفان في حرب دامت عشر سنوات وهزمها في الكثير من المعارك، ما جعله يطلق مقولة "روما تباع لمن يشتريها"، وهي مقولة خلّدها شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء في قصيدته الشهيرة "إلياذة الجزائر".

اصطادت روما يوغرطة بالغدر، فلقد اتفقت مع صهر يوغرطة، بوخوس حاكم موريتانيا على أن يسلمها يوغرطة وتمنحه أراض، فدعا بوخوس صهره يوغرطة للتشاور حول خطة لهزيمة روما، وهناك اعتُقل واقتيد إلى روما مكبّلا، وأقيم احتفال كبير بهذا الحدث، وهناك تعرّض يوغرطة لتعذيب شديد، وجوّعه الرومان وقطعوا أذنيه ثم شنقوه.

صيفاقس: حلم تحطّم في بدايته

هذا أحد أبرز ملوك مملكة نوميديا، أقام ممكلة نوميديا الغربية وعاصمتها "سيكا" (مدينة عين تموشنت حاليا غربي الجزائر).

كان حلم صيفاقس، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد (220 ق. م – 202 ق. م)، توحيد النوميديّتيْن الشرقية (مملكة الماسيل) والغربية (مملكة الماسيسيل) في مملكة واحدة ثم التحالف مع القرطاجيين في تونس لهزيمة روما.

بدهاء كبير وفي سرية خطّط الملك صيفاقس لبلوغ هدفه الأول وهو توحيد النوميديّتين، حتى لا ينكشف أمره أمام روما، فاختار الهجوم على نوميديا الشرقية لكنه فشل في كسب المعركة.

كان جيش ماسينيسا، حليف روما، وحاكم نوميديا الشرقية قويا، لاحق صيفاقس إلى مملكته وتمكن من إحراق مائتي ألف من جنوده وضباطه في ليلة واحدة بمعسكرهم، بعدما أحاطهم بالحطب والمواد المشتعلة.

تمكن ماسينيسا من أسر صيفاقس، ثم سلّمه إلى رما ومن ثم اقتادوه عاصمتهم وهناك قتلوه.

حنبعل: كابوس روما

حنبعل برقا هو أحد أهم القادة العسكريين في تاريخ الدولة القرطاجية، حقق العديد من الإنجازات في حياته، أهمها حصاره لروما عاصمة الإمبراطورية الرومانية لمدة 15 عاما وكاد يطيح بها، وفق ما تؤكده بعض المصادر التاريخية.

ولد حنبعل بمدينة قرطاج، أحد أهم المناطق السياحية حاليا في العاصمة تونس، سنة 247 قبل الميلاد، انضم في بواكير عمره إلى الجيش القرطاجي قبل أن يصبح قائدا له سنة 221 قبل الميلاد، وهذا بعد مقتل زوج أخته صدربعل العادل.

وفي شهر ديسمبر من سنة 218 قبل الميلاد تمكنت جيوش الدولة القرطاجية من إلحاق هزيمة نكراء بالقوات الرومانية في معركة تريبيا، فيما يعرف تاريخيا بالحرب البونيقية الثانية بين عامَي 218 و201 قبل الميلاد.

خلال هذه المرحلة استطاع حنبعل اجتياز جبال الألب حتى وصل إلى إيطاليا واحتل معظم مدنها قبل أن يقوم بمحاصرة روما لمدة 15 عاماً.

ولهزيمة حنبعل تحالف الرومان مع ماسينيسا ملك نوميديا لفك الحصار عن روما عام 203 ق.م، واضطر حنبعل إلى ترك الأراضي التي سيطر عليها في روما وعد بجنوده للتصدي لجيوش الرومان تحت قيادة بابليوس كورنيليوس سكيبيو الذي ألحق بحنبعل هزيمة بمدينة زاما بتونس الحالية.

عاد حنبعل ليصبح حاكما لقرطاج مجددا شريطة دفع تعويضات باهظة لروما، عجز  إلى الهرب إلى الأناضول، حيث أصبح المستشار العسكري للملك السلجوقي أنطيوخوس الثالث، وبقي هناك إلى أن هزمت روما أنطيوخوس بمعركة ماغنيسيا عام 190 ق.م.

بعد هزيمة ماغنيسيا وخوفا من تسليمه روما بعد توقيع معاهدة الهدنة، قرر الهرب مرة أخرى إلى بيثنيا غربي تركيا اليوم، وعندما شعر بالخيانة وقُبيل تسليمه للرومان آثر تناول السم والموت عام 182 ق.م على أن يموت أسيرا.

تاكفاريناس: حرب عصابات طويلة

أطلق "تاكفاريناس" المولود سنة 7 قبل الميلاد بمنطقة سوق أهراس (شرق الجزائر)، ثورة كبيرة ضد روما دامت سبع سنوات كاملة (من 17 للميلاد إلى 24 للميلاد)، واجه فيها الإمبراطور تيبريوس بشراسة.

راكَم "تاكفاريناس" شعورا كبيرا بالظلم بفعل استيلاء روما على نوميديا ومنحها الكثير من الأراضي الفلاحية للرومانيين من الطبقات العليا، وإثقال كاهل النوميديين بالضرائب واستعبادهم، وإلزام المزارعين والتجار من السكان الأصليين بمنح ربع محاصيلهم ومداخيلهم للقنصل الروماني ليرسلها إلى روما.

كذلك جنّدت روما الشباب النوميدي في "الجيش المساعد"، وهو جيش تابع للقيصر الروماني، وأمعنت في إهانة النوميديين بل واستعملت هذا الجيش في قمعهم أيضا.

انضم "تاكفاريناس" إلى "الجيش المساعد" ووصل إلى رتبة ضابط، فاكتسب خبرة عسكرية وفي يوم ما قرر الفرار بفرقته العسكرية وأعلن الحرب على روما.

خاض مع حليفه "مازيبا"، قائد قبيلة الموريّين (جنوب الجزائر)، حرب عصابات وهزم العديد من قادة روما، واستطاع أن يكسب أراض امتدت من طرابلس الليبية إلى غرب الجزائر.

واجه في آخر معاركه جنود الملك يوبا الثاني ملك موريتانيا العسكرية، وكان عميلا لروما، وفي تلك المعركة قُتل "تاكفاريناس"، وانتهت بذلك قصة ثائر آخر هدّد عرش روما لسنوات.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

احتجاجات وسط الجزائر العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي - أرشيف
احتجاجات وسط الجزائر العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي - أرشيف

في مثل هذا اليوم قبل 67 عاما (4 ديسمبر 1956) تم إعدام المقاوم الجزائري عبد القادر بومليك بالمقصلة في سجن وهران (غرب) في الوقت الذي لم يكن سنه يتجاوز ثلاثين عاما.

جاء ذلك إثر اعتقاله ومحاكمته من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية على إثر تنفيذه لسلسلة من العمليات العسكرية ضد الفرنسيين.

نشاط نقابي وسياسي

في حديثه عن ظروف نشأة بومليك، يقول أستاذ التاريخ بجامعة وهران، محمد بلحاج، إن الظروف الاجتماعية لمعظم الجزائريين خلال النصف الأول من القرن الماضي "كانت صعبة للغاية بسبب هيمنة المعمرين على الأراضي والثروات في البلاد". 

ونتيجة لذلك "لم يتمكن الطفل عبد القادر بومليك (1926، 1956) من متابعة دراسته بسيدي بلعباس (غرب) بعد نيله لشهادة التعليم الابتدائي"، يضيف بلحاج في حديث مع "أصوات مغاربية"، مردفا أن تلك الأوضاع "زادت من حقد بومليك على الاستعمار".

سمحت الحركية النقابية والسياسية التي شهدتها تلك الفترة لبومليك بـ"الانخراط في الكونفدرالية العامة للشغل، والتي كانت مدينة سيدي بلعباس معقلا لها"، يوضح بلحاج، مشيرا إلى أنه كان إلى جانب النضال النقابي "من أنشط مناضلي الحزب الوطني المعروف بحركة الانتصار للحريات الديموقراطية".

من جانبه، يشير الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، محمد بن ترار في حديث مع "أصوات مغاربية" إلى عمل بومليك في مصنع للآجر بمدينة سيدي بلعباس حيث بدأ هناك "مسارا نقابيا طويلا قبل ينتقل للنشاط السياسي عقب اندلاع الثورة". 

ويتابع بن ترار أن نشاط بومليك النقابي ثم السياسي "لفت أنظار الاستعمار الفرنسي إليه، نظرا لعمله على نشر الوعي بين عمال وشباب القطاع الوهراني لغرب الجزائر عبر توزيع المناشير المناهضة للاستعمار"، الأمر الذي أدى إلى "وضعه تحت رقابة الإدارة الفرنسية".

السجن والإعدام 

عن نشاطه في الثورة الجزائرية، يقول بن ترار إن بومليك "استهل نشاطه الثوري مع نهاية 1954 بتشكيل خلايا متخصصة في القيام بعمليات عسكرية ضد المصالح الفرنسية في سيدي بلعباس وغيرها، وتنسيق العمليات بين عدة ولايات غربية من وهران وسيدي بلعباس وسعيدة إلى تلمسان".

قصة أشهر 3 إعدامات نفذتها فرنسا في حق مقاومين جزائريين
في مثل هذا اليوم  (21 يونيو) من عام 1955 أصدرت محكمة عسكرية فرنسية حكما بالإعدام على قيادي بارز في الثورة الجزائرية هو مصطفي بولعيد. وكان ذلك الحكم بمثابة الفصل الأول في سلسلة إعدامات نفذتها فرنسا في حق وجوه أخرى في الثورة الجزائرية بينهم أحمد زبانة والعربي بن مهيدي. 

ويتابع المتحدث مشيرا إلى عددا من العمليات التي نفذها بومليك سنة 1955 والتي "استهدفت منشآت اقتصادية تابعة للفرنسيين في سيدي بلعباس وضواحيها، كما استهدفت متعاونين مع الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى وضع قنبلة قرب منزل محافظ للشرطة الفرنسية".

ردا على تلك العمليات، يوضح بلحاج أن السلطات الاستعمارية قامت بـ"المتابعة والتحقيق والتحري، إلى أن اعتقلت بومليك يوم 24 نوفمبر 1955 في سيدي بلعباس قبل أن يتم نقله بعدها إلى السجن المدني بوهران"، حيث كان يوجد أيضا الحاج بن علا (أحد قادة الولاية الخامسة التاريخية، وهران، ورئيس البرلمان الجزائري خلال فترة حكم أحمد بن بلة).

وبحسب بلحاج فإن تلك الفترة تزامنت مع "وجود بييار لامبير حاكم القطاع الوهراني الذي كان من أشد الحاقدين على بومليك".

وهكذا، يضيف المتحدث "أصدرت المحكمة العسكرية بوهران حكما بالسجن لمدة 20 سنة نافذة بحق بومليك، بتهم عدة وباعتباره من الخارجين عن القانون بالمفهوم الاستعماري، ثم استأنفت النيابة العامة فحكم عليه بالإعدام يوم 25 ماي 1956 وتم تنفيذ الإعدام بالمقصلة في يوم 4 ديسمبر 1956 في سجن وهران".

  • المصدر: أصوات مغاربية