صور حجرة تحمل كتابة "تيفيناغ"
صور حجرة تحمل كتابة "تيفيناغ" | Source: المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالمغرب

يصادف 19 من نوفمبر من كل عام اليوم العالمي لحرف تيفيناغ وهي مناسبة لتسليط الضوء على هذه الأبجدية التي يعود تاريخها لعصور قبل الميلاد.  

وبدأ الاحتفال بهذه المناسبة منذ عام 2017، بعد اقتراح تقدمت به جمعية "تاماكيت دوسنولفو" المغربية، واقترحت حينها أن تلزم كل جمعية ناشطة في الشأن الأمازيغي بتخصيص نشاط واحد على الأقل للتعريف بهذا الحرف.  

تاريخ يمتد لقرون 

يحيل مصطلح تيفيناغ على الأبجدية المستعملة من قبل الأمازيغ في شمال أفريقيا لكتابة اللغة الأمازيغية ويقول المؤرخون إن الكتابة بهذا الحرف تعود إلى أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد. 

جغرافيا، أشار كتاب "خط وإملائية اللغة الأمازيغية" الصادر عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عام 2010، إلى أن هذه الأبجدية استعملت في 3 أجزاء كبرى من المنطقة المغاربية. 

واكتشف العلماء أولى نقوش هذه الأبجدية أول مرة عام 1631 في صخور عثر عليها شمال ليبيا وتونس، ونجحوا سنوات بعد ذلك في فك شفرات تلك النقوش، بينما ما تزال الدراسات إلى اليوم مستمرة في تفكيك حروف أخرى عثر عليها بكل من المغرب والجزائر. 

ويعزوا الخبراء أسباب استمرار هذه الأبجدية إلى اليوم إلى شعوب الطوارق في الصحراء الكبرى، حيث مكنت عزلتهم وعدم احتكاكهم بمختلف الغزاة والثقافات الوافدة على المنطقة من حماية هذه الأبجدية من الاندثار. 

ويقول العميد السابق للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، محمد شفيق، في كتابة "33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين" إن أبجدية تيفيناغ عرفت تطورات ومرت بعدد من المرحل. 

ويوضح قائلا "كانت الأبجدية افي المراحل الأولى من وجودها تتكون من حروف صامته ويعتقد أن عدد تلك الحروف الصامتة كان 16 حرفا، وأنه صار 23 حرفا في عهد المملكة المازيلية النوميدية، ثم أضيفت إلى الحروف الصامتة حروف صائتة تقابل الفتحة والكسرة والضمة". 

وتابع "كان الأمازيغيون القدماء يكتبون بهذه الحروف على جدران الكهوف وعلى الصخور من الأعلى إلى الأسفل في أول عهدهم بالكتابة ثم كتبوا في جميع الاتجاهات ودام ذلك الوضع إلى أواخر القرن الـ19 حيث أخد الطوارق يستقرون على الكتابة من اليمين إلى اليسار تقليدا لما هو معمول به في العربية". 

تيفيناغ والنضال من أجل الاعتراف بالأمازيغية 

كان مطلب إعادة الاعتبار للحرف الأمازيغي تيفيناغ من بين المطالب التي رفعها النشطاء الأمازيغ في المنطقة المغاربية منذ ستينيات القرن الماضي، وخاصة نشطاء "الأكاديمية البربرية" التي تأسست بباريس عام 1966. 

على غرار هؤلاء، رفع أمازيغ المغرب المطلب نفسه، ومن أمثلة ذلك، أن الناشط الأمازيغي علي إيكن تعرض للاعتقال خلال مشاركته في احتفالات فاتح ماي (عيد الشغل) بالراشيدية عام 1994، بسبب رفعه لافتة "لا ديمقراطية بدون أمازيغية"، مكتوبة بحروف تيفيناغ. 

وبعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عام 2001، تبنى المغرب رسميا أبجدية "تيفيناغ" عام 2003، بعد قرار ملكي أنهى ما سُمي إعلاميا بـ"معركة الحرف" وهو نقاش احتدم بين الحركة الأمازيغية التي كان نشطاؤها منقسمين إلى تيار دافع عن اعتماد الحرف اللاتيني وآخر طالب بكتابة اللغة الأمازيغية بحرف "تيفيناغ"، وبين تنظيمات سياسية طالبت باستخدام الحرف العربي. 

سنوات قليلة بعد ذلك، نالت هذه الأبجدية اعتراف المنظمة الدولية للتوحيد القياسي "إيزو"، ثم أدمجت لاحقا في مايكروسفت وفيسبوك وفي نظام تشغيل آبل، ما مكن من تسهيل انتشار هذا الحرف. 

وفي مقطع فيديو تعليقا على اليوم العالمي للاحتفاء بحرف تيفيناغ قال الباحث المغربي في الثقافة الأمازيغية أحمد عصيد، إن هذه الأبجدية منتشرة اليوم في عدد من الدول المغاربية في المدارس وفي مختلف مناحي الحياة العامة. 

وأضاف "بالنسبة للأطفال لا يوجد مشكل اسمه حرف تيفيناغ، هذا مشكل الكبار المليئين بالأيديولوجيات المستورة، الطفل يتعمل حرف تيفيناغ بسهولة كبيرة وأعتقد أنه مع تعميم التعليم سيحتل هذا الحرف ليس فقط في الفضاء العمومي بل في ضمائر الناس وعقولهم وأفئدتهم باعتبار جزء لا يتجزأ من هويتهم الحضارية والتاريخية". 

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

النقابي التونسي فرحات حشاد
النقابي التونسي فرحات حشاد

أحيى الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية بالبلاد، الإثنين، الذكرى 71 لاغتيال زعيمه فرحات حشاد الذي قتل رميا بالرصاص في 5 ديسمبر 1952 سنوات فقط قبل استقلال البلاد.

واتهم رموز الحركة الوطنية فرنسا بالضلوع في هذه الجريمة، قبل أن يعترف عضو في منظمة "اليد الحمراء" الفرنسية في العام 1997 باغتيال حشاد.

ويحظى حشاد بإجماع تاريخي واسع في تونس على عكس العديد من الشخصيات الوطنية الأخرى من بينهم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وزميله في الحزب وصالح بن يوسف وغيرهما.

وولد حشاد يوم 2 يناير 1914 في جزيرة قرقنة التابعة لعاصمة الجنوب صفاقس، وقد اضطر لترك المدرسة في مرحلة مبكرة بعد وفاة والده لمساعدة عائلته التي تنتمي للأوساط الفقيرة.

بدأ سيرته المهنية من بوابة شركة متخصصة في مجال النقل البحري بمحافظة سوسة القريبة.

ودفع فاتورة انخراطه المبكر في العمل النقابي بعد أن طُرد من عمله لمشاركته تحركات مدافعة عن العمال ضمن منظمة عمالية تابعة لفرنسا.

وقبل مشاركته في تأسيس للاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابات البلاد إلى اليوم، حاول حشاد تكوين منظمات لم تصمد طويلا.

وأُسندت لحشاد مهمة قيادة المنظمة النقابية الأهم بالبلاد بين العامين 1946 و1952.

ماذا ترك حشاد؟

رغم أنه من مؤسسي اتحاد الشغل، فإن مسيرة حشاد لا تقتصر على العمل النقابي إذ شملت أنشطة سياسية للتعريف بقضية وطنه في وقت كانت فيه تونس تعيش السنوات الأخيرة من الاستعمار الفرنسي الذي استمر من العام 1881 إلى 1956.

ويقول أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية، الحبيب القزدغلي، إن "الإرث الذي تركه حشاد يتلخص في جمعه بين الدورين الاجتماعي النقابي من جهة والوطني السياسي العام من جهة ثانية".

ويوضح القزذغلي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "هذا الإرث تكوّن بعد اعتقال وترحيل الفرنسيين للزعماء والقادة السياسيين في يناير 1952، ما دفع حشاد للعب دور وطني من خلال مواصلة المطالبة بتحسينات اجتماعية في وطن حر".

ويعتبر أن "فرنسا اعتقدت أنه بعد إبعاد السياسيين ستكون قادرة على فرض ما تصفه آنذاك بالإصلاحات لكنها اصطدمت برفض قيادات نقابية ومهنية كان يتزعمهم حشاد، في محاولة منه لتجميع للقوى السياسية والاجتماعية".

وكعقاب له على هذه المساعي، وفق المتحدث ذاته، "اغتيل في العام ذاته حشاد الذي تحول إلى رمز وكان الهدف من وراء تلك العملية تخويف بقية النشطاء".

ومن وجهة نظر المتحدث نفسه فإن "إرث حشاد يدفع الاتحاد في المنعرجات الكبرى إلى لعب دور وطني على غرار ما جرى في 2013 عندما قاد حوارا لحل الأزمة التي كانت ستؤدي إلى انفجار".

هل حافظ الاتحاد على إرث حشاد ؟

بعد مرور أزيد من سبعة عقود على رحيله، تُطرح أسئلة في الأوساط السياسية والإعلامية حول إلى مدى استطاع الاتحاد في مختلف المراحل الحفاظ على إرث أحد أكبر زعمائه التاريخيين.

إجابة على هذا السؤال، يقول المحلل السياسي، الجمعي القاسمي، إن "الاتحاد عرف محطات كبرى في مختلف العهود تراوحت بين التعايش والتصادم مع الأنظمة القائمة".

ويؤكد أنه في "عهد الرئيس الحبيب بورقيبة كان هناك فترات من التأقلم مع الوضع والانسجام كما جرت صدامات دموية، بينما لم تحدث في عهد الرئيس زين العابدين بن علي تحركات واسعة لكنه استطاع التركيز على دوره كمنظمة اجتماعية".

بعد اندلاع الثورة، يشير القاسمي إلى أن "الاتحاد كان في وئام وتصادم مع الجهات التي تحكم البلاد من خلال المواجهة مع النهضة ثم قيادة حوار وطني لحل الأزمة السياسية".

ويضيف أنه " بعد 25 يوليو 2021 استطاع الاتحاد الحفاظ على الحد الأدنى من الإرث الذي تركه حشاد بما تسمح به طبيعة المناخ السياسي من خلال محاولة جمع البعدين الاجتماعي والسياسي العام".


المصدر: أصوات مغاربية