فيتشر

اليونسكو تصنف الملحون المغربي تراثا عالميا.. ماذا تعرف عن هذا الفن؟ 

07 ديسمبر 2023

صنفت منظمة اليونسكو فن الملحون المغربي، الأربعاء، ضمن قائمتها الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وذلك في اجتماع عقدته اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي في كاسان بجمهورية بوتسوانا. 

وقالت اليونسكو في بيان إن فن الملحون يعتبر "أحد أشكال التعبير الشعري في المغرب.. يعمل باعتباره فنا جماعيا على تعزيز التماسك الاجتماعي والإبداع، وهو بمثابة سجل تاريخي للقضايا الاجتماعية على مر العصور". 

من جانبها، احتفت وزارة الشباب والثقافة والتواصل باعتراف اليونسكو بالملحون المغربي، معتبرة ذلك "اعترافا دوليا بإرث مغربي أصيل، ورافدا مهما من الروافد الفنية الغنية للمغرب، ومكوّنا مرجعيا من مكونات الهوية الثقافية المغربية العريقة". 

وقادت منظمات محلية ناشطة في مجال التعريف بفن الملحون وحمايته بالتعاون مع وزارة الثقافة جهودا منذ عام 2018، كفن وثق على مر العصور حياة المغاربة وتقاليدهم. 

فن يعود لقرون 

كتب محمد الفاسي في القسم الأول من "معلمة الملحون"، الصادرة عن أكاديمية المملكة المغربية، أن فن الملحون من أبرز الفنون التي تفنن فيها المغاربة وأبدعوا فيها عبر العصور. 

ودون في مقدمة هذا الكتاب أنه  "لم يسبق لشعراء المغرب الذين عبروا عن دخائل أنفسهم أو مشاعر قومهم في شتى العصور أو وصفوا بيئتهم الطبيعية والاجتماعية أو أرّخوا لأحداث بلادهم أو تغنوا بأمجاد ملوكهم وملاحم قومهم البطولية أن بلغوا الشأو الرفيع الذي وصلوا إليه في غير الشعر الملحون ولم يسبق لسواد الشعب المغربي أن طرب لشعرٍ بالعمق الذي طرب به للشعر الملحون". 

لذلك يعد هذا الفن الذي اشتق اسمه من التلحين، كما يقول بعض المؤرخين على غرار محمد الفاسي، الذي يرى  أن  "الأصل في هذا الشعر الملحون أن ينظم ليتغنى به قبل كل شيء".

ويرجع المؤرخون تاريخ ظهور هذا الفن إلى العهد الموحدي في القرن الـ12،  وتحديدا في مدينتي سجلماسة وتافيلالت، جنوب شرق المغرب، ثم انتقل منهما لينتشر في مراكش وباقي مدن المغرب. 

الملحون في بساط السلاطين 

وكغيره من فنون زمانه، بدأ فن الملحون بالتغني بمدح الرسول محمد، ثم تطور مع مرور القرون والسنوات خصوصا خلال فترة حكم الدولة السعدية (1510-1659) التي انفتح فيها الملحون على مختلف المواضيع الاجتماعية إلى جانب إبداعات منظمين في الإيقاعات والأوزان. 

ولعل ما أسهم في تطور هذا الفن وفي انتشاره وسط عامة المغاربة، إقبال ملوك المغرب وحاشيتهم على الاهتمام به وعلى التباري في نظم قصائده، على غرار سلاطين الدولة العلوية أمثال سيدي محمد بن عبد الله ومحمد بن عبد الرحمان والحسن الأول والسلطان العلوي الذي وقّع معاهدة الحماية المولى عبد الحفيظ. 

ويقول مولاي عبد الحفيظ في إحدى قصائده التي نشرتها مجلة "زمان" المغربية. 

بالنبي واصحابو وكْرامها ولفْضَال 

غيث هاذ الغرب وطْرد كلْ ضالي 

هكذا حال الوقت وما اخفاك مَقوال 

وطبايَع الخلق اقضات ابلهوالي 

وإلى جانب السلاطين، برزت أسماء مغربية أغنت قصائد الملحون وبرعت في لحنه وغنائه، من أمثال سيدي عبد القادر العلمي وسيدي عمر اليوسفي وبوعلام الجيلالي، والحسين التولالي والمغنية اليهودية المغربية زهرة الفاسية. 

في هذا السياق، وفي حالة لا تختلف عن باقي الفنون المغربية الأخرى، برع اليهود المغاربة في نظم وغناء الملحون بنفحة دينية تنهل من طقوسهم ومعتقداتهم الدينية. 

في هذا الباب، يقول الباحث المغربي رضوان العماري إن الدارس لهذا الصنف "يصعب عليه فهم الرموز والكلمات لأنه مقتبس من التوراة والتلموذ"، مشيرا إلى أنه غالبا ما يتناول مواضيع التوبة والاستغفار ومجاهدة النفس. 

الملحون النسائي 

على غرار الرجال، برعت المغربيات في نظم وغناء الملحون وبرزت أسماء كثيرة رافقت تطور هذا الفن عبر مختلف تلك القرون السنوات، وتناولن في مواضيعه قضايا المساواة وحقوق المرأة. 

"الملحون نبه مستمعيه إلى فضائل المرأة ونبه إلى أن الحب لا يتصور من طرف واحد وينبه إلى أن الطرف الآخر أي المرأة مؤهل لاستقبال هذه المشاعر وليست موضعا للجنس الوظيفي"، يقول الباحث المغربي عبد الصمد بلكبير في تصريح للقناة المغربية الأولى. 

ولم تكتف النساء بالمشاركة في نظم ولحن وغناء الملحون بل تفردن بابتكار أنواع خاصة بهن، منها الذكر والعروبي والرباعي وهي أنواع غالبا ما تتغنى بالحب والغرام. 

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

الجيش الفرنسي
جنود فرنسيون في الجزائر خلال مرحلة الاستعمار

بعد أقل من خمسة أشهر على دخول الاحتلال الفرنسي إلى مدينة الجزائر (5 يوليو 1830)، أصدر الحاكم العسكري الفرنسي العام الماريشال دي بورمون يوم 7 ديسمبر 1830، قرارا يقضي بضم كل الأملاك الدينية لمصالح أملاك الدولة لتمكين السلطات الاستعمارية من التصرف فيها.

كانت هذه الأملاك الدينية تسمى في ذلك العصر "أملاك مكة والمدينة"، بالإضافة إلى المساجد والزوايا وما يتبعها من أراض، ولم تكن هذه الأملاك تابعة للسلطة العثمانية الحاكمة إذ ذاك.

قرار سابق

لكن قبل هذا القرار كانت السلطات الفرنسية قد أصدرت في 8 سبتمبر 1830،  قرارا استهدف حجز أملاك العثمانيين وأوقاف مكة والمدينة وإلحاقها بمصلحة أملاك الدولة (الدومين)، والتي تم إنشاؤها في عهد دي بورمون، وحدّدت مهلة ثلاثة أيام لعملية الاستظهار وإثبات الملكية، وهددت السلطات بمعاقبة كل من تحداها أيضا.

ثارت احتجاجات كبيرة ضد هذا القانون من سكان مدينة الجزائر تقدّمها المُفتون والعلماء والوكلاء (القائمون والمشرفون على الأملاك)، وبيّنوا للسلطات الاستعمارية بأن "أملاك مكة والمدينة" ليست ملكا للعثمانيين، وأن الذين يشرفون عليها من الوكلاء ليسوا عثمانيين بالضرورة وإنما هم جزائريون.

دوافع القرار

دفعت هذه الاحتجاجات دي بورمون للتراجع عن هذا القرار وأصدر بدله قرارا آخر في السابع ديسمبر 1830، نصّ على ضمّ كل الأملاك والأوقاف الدينية إلى مصلحة أملاك الدولة، وتشمل أوقاف مكة والمدينة والمساجد والزوايا، وطُلب من المفتين والوكلاء أن يقدموا حساباتهم لهذه المصلحة.

يعود سبب صدور هذا القانون إلى ما بيّنه شيخ المؤرخين الجزائريين أبي القاسم سعدالله في كتابه "تاريخ الجزائر الثقافي"، حيث يقول "إن الدافع الرئيسي من الاستيلاء على الأوقاف العامة كان يتمثل في نظرنا، في الرغبة في الاستحواذ على الأموال لتضخيم ودعم ميزانية الدولة الفرنسية، وهو أمر واضح من مبدإ الاستعمار نفسه وهو الاستثراء على حساب الشعب المستعمر".

ويضيف ".. أما الدافع الثاني في نظرنا في الاستيلاء على الأوقاف العامة، فهو ما أشار إليه البعض أحيانا، وهو الخوف من أن يستعمل المسلمون المال الذي عندهم لاسترداد سيادتهم على بلادهم والتحكم في مصيرها وطرد الفرنسيين منها".

"ضربة للدين والثقافة"

احتوى هذا القرار على سبع موادّ، نصت الأولى وهي الأخطر على أن "كل المنازل، الدكاكين، المتاجر، الحدائق، الأراضي، المحلات، والمؤسسات باختلافها، وذات العائدات المخصصة بأي سند كان لمكة والمدينة، إلى المساجد أو ذات تخصيصات أخرى خاصة، تكون مستقبلا مسيّرة من قبل إدارة أملاك الدولة، وهي التي تؤجرها، وهي التي ستحصل منها على المداخيل وتقدم عنها الحساب إلى من يهمه الأمر".

وقد وصف الكاتب الفرنسي ميشال هابار المناهض للاستعمار هذا القرار بأنه كان "ضربة للدين وللثقافة الإسلامية، لانعكاس آثاره على الحياة الدينية والاجتماعية للسكان، فالأوقاف كانت المصدر المالي للتعليم والترقية الاجتماعية".

ويجدر بالذكر هنا أن هذه الأملاك الدينية، والتي كان عددها في مدينة الجزائر أكثر من 600، موجودة في الجزائر كما كانت في بقية البلاد الإسلامية ولا تزال إلى اليوم، وهي عبارة عن أموال أو أراض أو بنايات سواء سكنات أو محلات تجارية، تصرف عائداتها على الفقراء وخدمة الدين والعلم.

مواجهة القرار

ويذكر الباحث الجزائري جمال عطابي في ورقة بحثية بعنوان "موقف الجزائريين من السياسة الاستعمارية اتجاه مصادرة الأوقاف"، بأن "القرارات والمراسيم والقوانين التي سنتها السلطات الفرنسية، من أجل الاستيلاء على الأوقاف بلغت أكثر من 877 بين قانون ومراسيم وقرارات وتعليمات ومناشير وأخرى صادرة عن مجلس الشيوخ الفرنسي".

واجه سكان وأعيان وعلماء مدينة الجزائر هذا القرار بالرفض أيضا مثلما واجهوا القرار السابق الصادر في 8 سبتمبر 1830، وأجبروا السلطات الاستعمارية في البداية على توقيف تنفيذ الجزء المتعلق بالمساجد والأملاك الخاصة بينما طُبق على أوقاف مكة والمدينة خصوصا، لكنها عادت فيما بعد وعمّمت تطبيق القرار على كل شيء.

وفي هذا السياق ذكر المؤرخ أبو القاسم سعد الله أن هذا القانون "على صرامته لم ينفذ كله، بسبب احتجاجات الوكلاء وعلماء المساجد، وإنما طبق منه ما يتعلق بالمباني العامة، مثل أوقاف الحرمين مكة والمدينة وغيرها، أما المساجد ونحوها مما يسمى الأملاك الخاصة فقد أجّل التطبيق. ومع ذلك فقد وضعت الإدارة الفرنسية بمقتضى هذا القرار يدها على كل شيء في الأملاك الدينية سواء كانت خاصة أو عامة".

المصدر: أصوات مغاربية