ربّما لا يعلم كثيرون من أبناء المنطقة المغاربية بأن شخصية عاشت بينهم في أحقاب بعيدة من التاريخ، كانت وراء كتابة جزء من تاريخ منطقتهم وتحديدا ليبيا، وأصبحت هذه الشخصية مرجعا عالميا مهما في علم التاريخ حتّى لٌقبت بـ"أب التاريخ".
يتعلق الأمر بالمؤرّخ الإغريقي هيرودوت أو هرودوتس. فمن يكون؟
من المنفى إلى العالمية
ولد هيرودوت سنة 484 ق. م وتوفي العام 425 ق. م، تم نفيه إلى جزيرة سيموس (اليونان) بعد اتهامه بالضلوع في انقلاب فاشل استهدف حاكم منطقته المسماة هليكرناسوس.
بعد انقضاء فترة نفيه هاجر هيرودوت إلى وجهات عديدة هي؛ صقلية بجنوب إيطاليا، وأوكرانيا ومصر وفلسطين ولبنان (منطقة الشام) ثم ليبيا، هذه الأخيرة التي سيمكث فيها طويلا، وفيها سيدوّن كتابه الخالد "تاريخ هيرودوت".
تقول الموسوعة العالمية للتاريخ إن الكاتب الروماني شيشرو، هو الذي أطلق لقب "أب التاريخ" على هيرودوت، بعدما أعجب به"، وتسترسل الموسوعة "لكن نقادا آخرين قدماء ومعاصرين وصفوه بأبي الأكاذيب"، معتبرين ما كتبه مجرد قصص.
لكن رغم ما وجه إليه من انتقادات، تقول الموسوعة السابقة إن هيرودوت "لا يزال معروفا بأنه أبو التاريخ، فهو مصدر موثوق للمعلومات عن العالم القديم من قبل غالبية المؤرخين".
تسع مجلدات
تكللت رحلات هيرودوت بكتابه الضخم "تاريخ هيرودوت" وهو في تسع مجلّدات، سجّل فيه رحلاته وتقاليد وعادات وثقافات الشعوب والعمران وتاريخ الإمبراطوريات، وما شهده من أحداث كبرى، سواء أحداثا سياسية أو معارك عسكرية.
وقد أفرد في كل مجلّد تاريخ حضارة وأحداث مختلفة، فكتب عن منطقة الهلال الخصيب والفرس في كتابه الأول، وفي الثاني تناول الحضارة المصرية، أما الثالث فخصصه للغزوات الفارسية على مصر والحرب الأهلية الفارسية.
وفي الفصل الرابع تناول حياة قبائل السكوثيين الذين سكنوا واستوطنوا حوض نهر الفولغا بروسيا، وتستعرض الكتب الخمسة الأخيرة الحروب الفارسية-اليونانية وما عرفته من معارك كبيرة منها؛ معركة "الماراثون" ومعركة "ثرموبولاي" ومعركة "سلامبس" ومعركة "بلاتايا".
"من ليبيا يأتي الجديد"
ومن أشهر العبارات المدوّنة في كتابه "من ليبيا يأتي الجديد"، كما تنسب إليه المقولة الشهيرة عن مصر "مصر هبة النيل".
أما بخصوص ما يقصده هيرودوت بمقولته "من ليبيا يأتي الجديد”، فقد ذكر في كتابه "تاريخ هيرودوت" خصائص تفرّد بها الليبيون فقط.
فقال إن أول من ذهب في رحلات استكشاف إلى أدغال أفريقيا هم الليبيون، وبأن الليبيين هم أول من استعملوا العربات في التنقل وعنهم أخذها الرومان، ومما قاله أيضا أن الليبيين شغوفون بالموضة وأنهم أبدعوا قصات شعر جميلة لم يشاهدها من قبل مثل حلق شعر الجانبين.
وتحدث أيضا عن البربر سكان أفريقيا الشمالية وعاداتهم، غير أنه كان يسميهم "الليبيّون".
المصدر: أصوات مغاربية