Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

الفوتي
الموريتاني عمر بن سعيد الفوتي

يوجد بمدينة "فايتفيل" بولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة مسجد يسمى "مسجد عمر بن سعيد"، تأسس سنة 1991، يحمل اسم رجل موريتاني اقتيد رقيقا إلى أميركا، لكنّه لم يكن كأيّ رقيق.. لقد صار واحدا من أعلام أميركا، تناول الباحثون هناك قصة حياته.

فمن يكون هذا الرجل، وما الذي فعله في أميركا؟

يتعلّق الأمر بالموريتاني عمر بن سعيد الفوتي، المنحدر من منطقة فوتا تورو جنوبي موريتانيا على الحدود مع السنغال.

من الأرستقراطية والعلم إلى الاستعباد

ولد عمر بن سعيد سنة 1770م في منطقة فوتا تورو، وهو سليل عائلة ثرية ذات علم ونسب.

عاش بن سعيد في موريتانيا أكثر من 30 عاما، درس خلالها العلوم الدينية واللغة العربية ومارس التجارة، وفق ما يشير إلى ذلك الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان.

وفضلا عن ممارسته التجارة أصبح بن سعيد إماما ومدرّسا في قريته، لكن حياته سنقلب إلى الأبد بداية من العام 1807، عندما غزا جيش مملكة كارطة بجنوب نهر السنغال قرى مملكة فوتا تورو، فقتلوا النساء وشرّدوا السّاكنة وألقوا القبض على الرجال وبينهم بن سعيد.

كانت تجارة الرقيق شائعة في ذلك الوقت، فبيع بن سعيد وانقطعت أخباره نهائيا من يومها، إلى أن ظهر في ولاية كارولينا الجنوبية بأميركا.

وعن هذه المأساة كتب في مخطوط سيرته الذاتية "سعيت لاكتساب المعرفة وواصلت البحث عنها لمدة 25 سنة، ثم عدت إلى بلدي وبقيت 6 سنوات، قبل أن يَقدم إلى بلادنا جيش كبير قتل عددا كبيرا من الناس".

ويضيف بن سعيد "لقد اصطحبوني معهم وساروا بي إلى البحر الكبير، ثم باعوني وسلّموني إلى رجلٍ مسيحي سار بي نحو السفينة الكبيرة في البحر الكبير. لقد أبحرنا لمدة شهر ونصف حتى وصلنا إلى مكان يدعى تشارلستون، حيث باعني إلى رجل صغير الحجم وهزيل الجسم ولئيم اسمه جونسون"، ويقصد بالبحر الكبير المحيط الأطلسي.

"ليس سنغاليا ولم يعتنق المسيحية"

يقول المصدر السابق بأن بن سعيد، الملقّب في أميركا بـ"مورو" و"العم عمروه"، فرّ من سيّده ثم ألقي عليه القبض وسُجن وبيع بولاية كارولينا الشمالية، حيث اشتراه واحد من كبار جنرالات الولاية يدعى جيمس أون، وهو ما تؤكّده مجلة "جون أفريك" الفرنسية، التي تصف بن سعيد بـ"المفكر"، كما تذكر بأن سيرته هي "الوحيدة لرقيق مؤلّفة باللغة العربية".

من جهة أخرى ينفي الباحث الموريتاني سيدي أحمد ولد أحمد سالم، محقق "موسوعة حياة موريتانيا حوادث السنين"، التي تناول فيها بالتفصيل أربعة قرون من حياة الموريتانيين، أن يكون بن سعيد تحوّل من الإسلام إلى المسيحية.

ويقول ولد أحمد سالم في مقال له بعنوان "فوتا تورو.. مفخرة من مفاخر التاريخ الموريتاني"، بأنه "ليس هناك ما يؤكد اعتناق عمر للمسيحية كما تزعم بعض المواقع والدراسات الأمريكية، مستدلة من بين أمور أخرى بنص له مخطوط كتب فيه ما يسميه المسيحيون "الصلاة الربانية"، والواقع أن هذا لا يثبت مسيحيته خصوصا وأنه كتب فوق هذه "الصلاة" عبارة: "وهكذا تصلّون أنتم"، كما وضع نجمة خماسية أسفل الوثيقة ولم يضع صليبا؛ وكلها قرائن تدل على تمسكه بإسلامه. 

ويضيف "الراجح أنه ظل مسلما حتى وفاته، كما تدل على ذلك مضامين سيرته الذاتية، التي كتب نصّها باللغة العربية، كما أنه كتب وهو في منفاه العبودي كذلك بعض سور القرآن وخصوصا سورة الملك وسورة النصر؛ وفي اختياره لهاتين السورتين بالذات أكثر من دلالة".

كما ينفي الباحث الموريتاني أن يكون بن سعيد سنغاليا، حيث يقول "بعض الباحثين السنغاليين وغيرهم حريصون على جعله سنغاليا، وهو أمر غير دقيق. فالقرائن والدلائل تشير إلى أنه كان من أهل الضفة اليمنى لفوتا.. وعمر بن سعيد فوتي موريتاني وليس سنغاليا كما يدعي البعض؛ وكثيرا ما كان تاريخنا عرضة لادّعاء، سواء جاء ذلك الادعاء من الجنوب أو من الشمال".

مسجد لتكريم بن سعيد

ومن أهم ما تركه عمر بن سعيد الفوتي في أميركا مخطوط لسيرته الذاتية كتبه في العام 1831، وقد ترجم المخطوط العام 1925 إلى اللغة الإنجليزية بعنوان "حياة عمر بن سعيد"، لتعريف الأميركيين والناطقين بهذه اللغة بهذا الرجل.

روى الفوتي في هذا المخطوط تفاصيل حياته بموريتانيا بين العلم والعمل، وكيفية أسره وترحيله إلى أميركا ومعاناته.

بيع هذا المخطوط الثمين في شهر مارس 1996 في مزاد علني بأزيد من 20 ألف دولار، كما تناول باحثون أميركيون حياته بالدراسة وبالبحث، باعتباره تراثا أفريقيا أميركيا.

توفي عمر بن سعيد بولاية كارولينا الشمالية سنة 1864 وعمره 94 عاما، ودفن في منطقة بلادن (Bladen)، وقد بنت سُلطات مدينة فايتفيل مسجدا سنة 1991 يحمل اسمه تخليدا لذكراه واعترافا بمكانته الثقافية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية