يحفل تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر بمجازر بشعة ارتكبها بحق جزائريين على مدار فترة الاحتلال الممتدة من عام 1830 إلى عام 1962، إلا أن الدولة الفرنسية لا زالت بعيدة عن الاعتراف بها.
وكانت مجزرة العوفية التي ارتكبها الجيش الفرنسي في حق سكان الحراش حاليا أول مجزرة كبرى نفذها عام 1832، مرورا بمجازر 8 ماي 1945، ثم مجزرة 17 أكتوبر 1961 بحق مهاجرين جزائريين في باريس. فماذا تعرف عنها؟
العوفية.. إبادة قبيلة
كانت قبيلة العوفية متواجدة جنوب شرق الجزائر العاصمة (الحراش حاليا)، قبل الاستعمار الفرنسي الذي دخل البلاد في يوليو 1830، وبعد نحو سنتين من ذلك كانت قد تحولت إلى مصدر دعم للمقاومة الشعبية التي واجهت قوات الاستعمار في محيط العاصمة وسهل متيجة والأطلس البليدي والتيطري ومنطقة القبائل.
اتهم قادة الاستعمار الفرنسي أعيان قبيلة العوفية بتنفيذ أعمال عدائية ضدهم، بعد تعرض وفد يقوده أحد شيوخ منطقة الزيبان، ويدعى فرحات بن سعيد، المتحالف مع الفرنسيين إلى اعتداء ونهب الهدايا التي حملها من الفرنسيين، في سياق مفاوضات كانت جارية لتنصيبه أميرا في الصحراء مقابل ولائه لفرنسا.
هاجم 400 جندي من أمهر القناصين قبيلة العوفية ليلا، ودامت المجزرة يومين كاملين من 6 إلى 7 أبريل 1832، وخلفت المجزرة 1200 قتيلا، فيما علقوا روؤس قادة القبيلة في مدخل باب عزون بالعاصمة على الرماح، بهدف بث الرعب بين الأهالي والمقاومين.
مجازر 8 ماي 1945
تفاعل الجزائريون إيجابيا مع انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية آنذاك، بعد مشاركة شبابهم في القوات الفرنسية التي جندتهم في صفوفها خلال الحرب العالمية الثانية، وكان نصر الحلفاء حافزا للمطالبة باستقلال الجزائر، عندما قرر الآلاف الخروج للشارع مطالبين بحق تقرير المصير.
رفعت أحزاب الحركة الوطنية تلك المطالب ونادت بالاستقلال، إلا أن ذلك لم يرق الفرنسيين الذين واجهوا المظاهرات السلمية بالقمع والرصاص، وشاركهم في ذلك المعمرون الذين ارتكبوا جرائم بحق المتظاهرين.
خرجت المظاهرات في عدة مناطق بما في ذلك الجزائر العاصمة، لكنها كانت أكثر حدة في شرق الجزائر بسطيف وقالمة وخراطة، التي أطلق فيها جيش الاستعمار الفرنسي النار على المتظاهرين، وفي حواره مع "أصوات مغاربية" سنة 2020، كان المؤرخ الجزائري الراحل عبد المجيد مرداسي، كشف أن "مصادر أميركية وبريطانية أفادت أن هذه المجازر خلفت 80 ألف قتيل، بخلاف التقديرات السائدة بوجود 45 ألف ضحية".
مجازر 17 أكتوبر 1961
لم يتخلف المهاجرون الجزائريون بفرنسا عن النضال من أجل افتكاك استقلال بلادهم، وقادت فيدرالية جبهة التحرير في باريس المقاومة في قلب فرنسا، فقد أشرفت على تعبئة الجزائريين هناك ضد الإدارة الفرنسية للمطالبة بالاستقلال، وبحلول 17 أكتوبر 1961، كانت العاصمة الفرنسية تعج بالمتظاهرين المطالبين بالتحرر من هيمنة الاستعمار الفرنسي.
ولم يتردد محافظ شرطة باريس، موريس بابون، في إصدار أوامره بإطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا في البداية احتجاجا على قرار حظر التجوال الذي طالهم وحدهم واعتبروه عنصريا، حيث منعوا من التجوال في الخامس من أكتوبر 1961 من الساعة الثامنة مساء إلى الخامسة والنصف صباحا.
رفع المتظاهرون شعار "يسقط حظر التجوال.. تفاوضوا مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.. الاستقلال للجزائر.. تحيا جبهة التحرير"، وفي تلك الأثناء أعدمت الشرطة الفرنسية عددا منهم رميا بالرصاص، وألقت ببعضهم في نهر السين أحياء، وتحدثت مصادر عن 300 إلى 400 ضحية في ذلك اليوم، ولم تصل الدولة الفرنسية إلى مستوى الاعتراف الصريح بها وبباقي المجازر الأخرى.
المصدر: أصوات مغاربية