في مثل هذا الشهر من سنة 1844م اندلعت "معركة الأوراس" شرقي الجزائر، بقيادة الحاكم السابق لبايلك الشرق (قسنطينة) أحمد باي ضد الفرنسيين، انتهت بسيطرة الفرنسيين على الأوراس بعد استماتة أهلها في الدفاع عنها.
يحدد المؤرخون مولد أحمد باي حوالي العام 1784م، وقد تولى حكم مدينة قسنطينة 1826م وكانت يومها عاصمة بايلك الشرق تحت حكم العثمانيين (بايلك: ناحية أو مقاطعة باللغة التركية).
كرّ وفرّ مع الفرنسيين
استمر أحمد في حكم بايلك الشرق 11 سنة ودافع عن قسنطينة وجوارها بشراسة حتى سقطت تحت الاحتلال الفرنسي سنة 1837م، ومن يومها بدأت رحلة الكرّ والفر بينه وبين الجيش الفرنسي إلى أن جاءت معركة الأوراس.
يشير الباحث الجزائري محمد العيد مطمر في دراسة بعنوان "الغزو والاحتلال الفرنسي للأوراس وأثره على الحالة الاجتماعية لسكان المنطقة 1844م-1884م"، إلى أن أحمد باي "كان مقيما في عام 1844م بقرية منْعة، عند عائلة بن عباس صاحبة الزاوية القادرية"، وهذا بعد فراره من قسنطينة عقب سقوطها.
لم يكن أحمد باي راغبا في هذه المعركة بالنظر إلى عدم استعداد أهلها بسبب الخلافات القبليّة بينهم، وكان راغبا في المغادرة حتى لا يعرّض سكانها للموت.
يذكر أحمد باي هذا الأمر في مذكراته، حيث يقول "لما وصلت إليهم (يقصد قرية منعة) رأيت أنهم لم يستعدوا للمعركة، وأنهم كانوا مختلفين فيما بينهم، فقلت لهم إنني لا أستطيع أن أحارب معكم.."، وطلب منهم الاستسلام للجيش الفرنسي وعدم المغامرة بأنفسهم في سبيل حمايته.
ثم يسترسل "ولكنهم أجابوني قائلين هذا مستحيل. إننا لن نستسلم لأحد، بل سنحارب ولن نترككم تنصرفون"، يقصدون بأنهم لن يفرّطوا فيه.
غزو كبير.. واستماتة السكان
ويذكر الباحث مطمر بأن جنرالات وعقداء قادوا الغزو الكبير ضد الأوراس، على رأسهم الجنرال بودو والجنرال لوفاسور والعقيد ماكمهون، ووصف الأكاديمي ذاته المعركة بأنها كانت "شديدة وضارية، لأنها أول مواجهة مباشرة تخوضها القوات الغازية في الأوراس.. تقهقرت بعدها أمام شدة المقاومة، وقد تراجعت إلى بسكرة بعد تكبيدها خسائر معتبرة".
ونقل المصدر ذاته شهادة عن أحد الجنرالات قال فيها واصفا المعركة والمقاومين ".. إن المعركة الأولى التي خضناها مع المقاتلين بمشنونش، وهي إحدى قرى الأوراس، تعطي لنا الدليل على الدفاع المستميت الحثيث، وقد وجدنا مقاومة عنيفة، ورجالها عنيدون، يدافعون درجة بدرجة فوق صخورهم، ورجلا برجل على سطوح منازلهم الملتصقة، تخالها وكأنها شرفات بعضها فوق بعض".
وبحسب الشهادات التاريخية فقد شارك في المعارك أربعة آلاف من سكان المنطقة، اضطروا الغزاة إلى تعديل هجومهم لاقتحام الأوراس.
الغزاة يسحقون الثورة
جلبت فرنسا الآلاف من الجنود لسحق الثورة واستطاعت أن تلحق الهزيمة بالثوار، وتدخل الأوراس في الرابع يونيو 1845م، وكانت هذه بداية لتقدم الغزو نحو جنوب البلاد.
استطاع أحمد باي الانسحاب مع عدد من رجاله إلى منطقة بسكرة جنوب الأوراس، بعد صمود استمر قرابة شهرين في معركة تعدّ من أشرس مواجهاته مع الغزاة المحتلين.
وفي بسكرة سيخوض "الحاكم الثائر" أحمد باي جولة أخرى من جولات الكرّ والفرّ مع الفرنسيين، والتي استمرت أكثر من 18 سنة كاملة، انتهت باستسلامه ثم وفاته في السجن بمدينة الجزائر سنة 1856م.
المصدر: أصوات مغاربية