ديفيد ليفي يوليي، المصدر: الكونغرس الأميركي
ديفيد ليفي يوليي، المصدر: الكونغرس الأميركي

في عام 1845، دخل ديفيد ليفي يوليي، وهو يهودي من أصول مغربية، التاريخ في الولايات المتحدة حين انتخب لعضوية مجلس الشيوخ، كأول يهودي يتقلد هذا المنصب. 

وإلى اليوم، ما تزال وثائق وأرشيفات الكونغرس الأميركي تستحضر هذه المناسبة التي مهدت لاحقا لانتخاب يهود وآخرين من مختلف الطوائف والأقليات الدينية. 

يستعرض هذا التقرير جانبا من حياة هذا الرجل وومضات من تاريخ أسرته، التي ارتبطت بسلاطين المغرب قبل هجرتها إلى أرخبيل الكاريبي ثم لاحقا إلى الولايات المتحدة. 

أسرة في محيط القصر الملكي 

ينحدر ديفيد ليفي يوليي من أسرة يهودية غادرت الأندلس واستقرت بالمغرب زمن محاكم التفتيش عام 1492، واستطاع جده الأكبر أن يصبح في وقت وجيز من كبار شخصيات المغرب ما قربه من القصر الملكي. 

ويورد الكاتب الأميركي كيرت ف. ستون، في كتابه "يهود الكابيتول هيل"، أن أسرة ديفيد من يهود السفارديم الذين حلوا بالمغرب خلال تلك الحقبة، لافتا إلى أن هذه الأسرة نجحت في وقت وجيز في أن تبلغ "أعلى السلم الاقتصادي والاجتماعي في البلاد". 

وقال موضحا "خدمت أسرته كمبعوثين وتجارا إلى الدول الأجنبية، كان جده الأكبر يهوذا، أحد هؤلاء، حيث تقلد منصب المستشار المالي للسلطان المغربي، كما عمل شقيق يهوذا، الحاخام صموئيل هاليفي بن يولي في ثلاثينات القرن الـ18 مستشارا للسلطان مولاي عبد الله وزعيما للطائفة اليهودية بالمغرب". 

إلى جانب ذلك، يشير كيرت إلى أن أجداد هذا السيناتور الأميركي ساهموا أيضا في المفاوضات التي مهدت لتوقيع أول معاهدة بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية عام 1786 في عهد السلطان المغربي محمد بن عبد الله والتي اعترف بموجبها المغرب باستقلال أميركا. 

وقال موضحا "لعب أحد أجداده إلياهو هاليفي بن يولي، دورا رئيسيا في المعاهدة الموقعة مع الولايات المتحدة عام 1786" مشيرا إلى أن السلطان المغربي محمد بن عبد الله كان "من أوائل رؤساء الدول الذين اعترفوا بالولايات المتحدة الأميركية الناشئة". 

أما والد ليفي، فيدعى موسى إلياس ليفي، ولد بالصويرة، جنوب البلاد، لكنه اضطر في سنواته الأولى إلى مغادرة المغرب وتحديدا عام 1790، سنة وفاة السلطان المغربي محمد بن عبد الله. 

استقرت أسرة ليفي بأرخبيل الكاريبي، ونجحت من جديد من تكوين ثروة أهلتها لتقلد مناصب قيادية في سانت توماس (إحدى جزر العذراء الأميركية) وفيها ولد السيناتور في الـ12 من يونيو عام 1810 وهو الابن الأصغر لموسى. 

ويوضح موقع "يهود المغرب"، أن موسى اصطحب أسرته الصغيرة عام 1821 إلى فلوريدا (جنوب شرق الولايات المتحدة) حيث أنشأ مزعة شمالها، مشيرا إلى أن والده كان يخطط لتحويلها إلى منطقة استقرار لليهود الذين يعانون "القمع" في أوروبا خلال تلك الفترة. 

كان عمر ديفيد ليفي يوليي لا يتجاوز التاسعة لحظة انتقاله للعيش رفقة أسرته في الولايات المتحدة، وفتن الفتى الصغير بالمحاماة وبالسياسة خلال مرحلة مراهقته، ما سهل عليه اختيار شعبة التخصص بعد الثانوية العامة. 

درس ديفيد ليفي القانون في سانت أوغسطين بفلوريدا وتخرج محاميا، وفي عام 1836 انتخب عضوا في هيئة المحامين في الولاية ثم انتخب لاحقا كاتبا في الهيئة التشريعية الإقليمية عام 1841 ومندوبا عن الحزب الديمقراطي عام 1845. 

ويقول موقع الكونغرس الأميركي إن ديفيد عمل رسميا كسيناتور بمجلس الشيوخ في الفاتح من يوليو عام 1845 واستمر في منصبه إلى الثالث من مارس عام 1851. 

وأعيد انتخاب السيناتور ذو الأصول المغربية عام 1855 واستمر في منصبه إلى أن استقال عام 1861 بسبب تأييده للعبودية ولانفصال فلوريدا عن الاتحاد الأميركي. 

ونتيجة لمواقفه، سُجن ديفيد لمدة تسعة أشهر، ولم يكن ليغادر أسوار السجن لولا عفو رئاسي أصدره الرئيس الأميركي أندرو جونسون عام 1866. 

بعد مغادرته السجن، ابتعد ديفيد ليفي عن المجال السياسي واختار تخصيص وقته للتجارة والأعمال، حيث شغل منصب رئيس شركة فلوريدا للسكك الحديدية ويوصف إلى اليوم بـ"أبو السكك الحديدية" في الولاية. 

استقر ديفيد ليفي في مراحل متأخرة من حياته بالعاصمة واشنطن، وفي العاشر من أكتوبر عام 1886 أعلن عن وفاته بفندق كلارندون بنيويورك. 

وتقديرا للجهود التي بذلها من أجل ولاية فلوريدا، اختارته الولاية عام 2000 كأعظم رجالها، كما أطلقت اسمه في وقت سابق على مدينتين ونصبت تمثالا له في مدينة فرناندينا بيتش. 

  • المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية