في مثل هذا اليوم (16 ماي) من عام 1843 سقطت "الزّمالة"، وهي عاصمة الأمير عبد القادر الجزائري، على يد القوات الفرنسية، وكان هذا الحدث ضربة قاصمة تلقاها أكبر مقاوم جزائري للاحتلال الفرنسي، عجّلت بسقوط مقاومته واستسلامه سنة 1847.
بدأ عبد القادر (1808-1883) مقاومته سنة 1832، أي بعد سنتين فقط على الاحتلال الفرنسي للجزائر، استطاع خلالها أن يلحق هزائم كبيرة بجنرالات عدة.
"الزمالة".. مدينة تجمُّع الخيام
رغم معاهدات السلم والهدنة بين الطرفين، إلا أن الأمير ظل مطاردا من الجيوش الفرنسية، وهو ما جعله يقيم نظام حكم بعاصمة متنقّلة سمّاها "الزّمالة" بدل أن تكون عاصمة ثابتة في إحدى الحواضر التي كان يسيطر عليها، مثل مدينة مُعسكر.
وتعني كلمة "الزّمالة" باللهجة الجزائرية تجمّع الخيام، إذ لم تكن في هذه العاصمة بنايات وشوارع، بل كانت مجموعة من الخيام المنصوبة على شكل دوائر، وداخل كل دائرة قبيلة.
تحدّث الباحث في التاريخ ناصر الدين سعيدوني في كتابه "عصر الأمير عبد القادر" عن "الزمالة"، فقال "عندما استولى الفرنسيون على مُعسكر، تحوّل الأمير إلى حرب العصابات وجعل عاصمته مجموعة من الدواوير الموزّعة على الخيام عرفت بالزمالة.. فتحوّلت عاصمة الأمير إلى دائرة متنقلة من الخيام، انتهى بها المطاف إلى شرق المغرب، قبل توقّف الأمير عن الجهاد لظروف قاهرة".
وجاء في كتاب "الأمير عبد القادر الجزائري العالم المجاهد" لنزار أباطة أنّ الأمير "شكّل دولة حقيقية بعاصمة متنقّلة أطلق عليها اسم الزمالة، فعيّن وزيرا هو محمد العريني.. ورتّب مجلسا للشورى من أحد عشر عضوا، ورئيسهم قاضي القضاة أحمد بن الهاشمي".
ووفق للباحث الفرنسي في التاريخ برونو إيتيان في كتابه "عبد القادر الجزائري"، فقد كان في العاصمة صانعو أسلحة وخياطون وأصحاب مهن عديدة، وسوق يؤُمّها سكان العاصمة والمناطق التي تكون فيها.
سقوط "الزمالة"
كان سقوط العاصمة المتنقلة في معركة عين طاقين غربي الجزائر، نكبة حقيقة أصابت الأمير عبد القادر ودولته.
يصف الباحث الجزائري والمحاضر بـ"جامعة الجزائر2" بن يوسف تلمساني، سقوط "الزمالة" بأنها "آخر أهم حلقة في المقاومة، والتي ستكون سببا مباشرا في استسلام الأمير عبد القادر وإنهاء مقاومته".
ويكشف تلمساني في دراسة له بعنوان "سقوط الزمالة عاصمة الأمير عبد القادر المتنقلة وتراجع نفوذه في السهوب الوسطى 1843-1846"، بأن معركة سقوط "الزمالة" أسفرت عن "سقوط 300 من رجال الأمير، وغنم الفرنسيون عدة كنوز نفيسة منها مكتبة الأمير، التي تضم حوالي 5 آلاف مخطوط، وهدايا نفيسة ومجوهرات وألبسة مختلفة.. وأكثر من 20 ألف رأس غنم وبلغ عدد الأسرى 4 آلاف شخص"، فيما أنقذ أحد خدّام الأمير والدة وزوجة الأمير من الأسر في آخر لحظة.
باتت مقاومة الأمير صعبة رغم احتفاظه برباطة جأشه، فلقد ضيّق عليه الفرنسيون الخناق، إلى أن اضطر للاستسلام في ديسمبر 1847 لتنتهي بذلك مقاومة دامت أكثر من 15 عاما.
المصدر: أصوات مغاربية