جانب من موجة الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الدار البيضاء في مارس 1965
جانب من موجة الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الدار البيضاء في مارس 1965

تحل اليوم (7 يونيو) الذكرى الـ59 لإعلان "حالة الاستثناء" في المغرب، عندما أعلن الملك الحسن الثاني - حينها 36 عاما - حالة الاستثناء في البلاد وهو ما يعني تعطيل كل آليات الرقابة التشريعية واستفراد المؤسسة الملكية بإدارة شؤون البلاد مدعومة بالجيش وقوات الأمن.

وما يزال هذا القرار، يثير نقاشات سياسية وأكاديمية وتساؤلات حول خلفياته ودوافعه، بعد مرور 59 عاما على تلك الأحداث.

غليان سياسي

لم يهدأ الصراع بين الملك الحسن الثاني والمعارضة منذ استقلالية البلاد عام 1956. ففي عام 1962، بعد عام واحد من وفاة الملك محمد الخامس، وضع الجالس الجديد على العرش أول دستور في تاريخ المغرب المعاصر، لكن هذا الدستور لم ينل موافقة المعارضة التي اعتبرته "دستورا ممنوحا" لا يلبي تطلعات الشعب.

 في هذه الظروف المضطربة سياسيا، جاءت أول انتخابات تشريعية عام 1963، لتزيد من حدة التوتر، فقد نتج عنها برلمان يتميز بتوازن قوى غير مسبوق بين الأغلبية والمعارضة، إذ حصل حزب "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" (فديك/موالاة)، على 69 مقعدا، بينما حاز ت المعارضة ممثلة في حزب الاستقلال (محافظ)، و"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" (يسار)، على نفس العدد من المقاعد.

أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية قوة ملحوظة للمعارضة، ما مكّنها من "عرقلة" عمل الحكومة التي كان يقودها أحمد باحنيني، مُهددة بإسقاطها عبر ملتمس رقابة. 

واجه القصر إذن تحديا شديدا في التصدي للمعارضة الشرسة، وقد تجلى هذا في جلسة افتتاح البرلمان، التي ترأسها الحسن الثاني، حينما اختار نواب الاتحاد الوطني التخلي عن اللباس التقليدي المتمثل في الجلباب الأبيض والسلهام والطربوش الأحمر، مُفضلين بدلا منه لباسا عصريا.

 وقد قوبل هذا الموقف برد قوي من قبل الحسن الثاني، الذي قرأ في تحركهم رسالة تمرد واضحة، مُتهما الاتحاد الوطني بالتخلي عن التقاليد الإسلامية، كما هدد بحل الحزب بمقتضى الدستور، مبررا ذلك بأن سلوكهم يُعد خروجا عن ملة الجماعة. 

وفي الأشهر الموالية، أثارت شعبية نواب المعارضة، مثل علال الفاسي، والمهدي بنبركة، وعبد الرحيم بوعبيد، مزيدا من القلق الشديد لدى الحكومة بزعامة أحمد باحنيني، المنتمي إلى حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ("الفديك").

و"الفديك" هو تكتل سياسي أسسه أحمد رضا كديرة، المدير العام للديوان الملكي، وكان محسوبا على القصر.

ازداد غضب الملك من تحركات المعارضة لإسقاط حكومته في 1964، خاصة مع تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، واندلاع احتجاجات واسعة في الدار البيضاء، واجهتها السلطات بقمع شديد خلال أحداث دموية راح ضحيتها العشرات.

وفي الأصل، اندلعت أحداث الدار البيضاء بعد أن أصدرت وزارة التعليم دورية سعت إلى تقنين سن الالتحاق بالسلك الثاني الثانوي وإحالة من تجاوز 17 عاما إلى التعليم التقني، وهو ما أثار غضبا عارما في صفوف المعلمين والتلاميذ، ليخرج المئات في مظاهرات عارمة في 22 مارس 1965.

الأحكام العرفية وحل البرلمان

في ظل هذه الأوضاع، اتخذ الحسن الثاني قرارا حاسما بإعلان حالة الاستثناء وحل البرلمان في السابع من يونيو 1965، وبرر ذلك بضرورة الحفاظ على الاستقرار والنظام العام في البلاد.

حينها، أكد العاهل المغربي أن المؤسسة التشريعية لم تعد قادرة على أداء دورها في ظل الانقسامات السياسية الحادة، كما اتهم بعض أحزاب المعارضة بالسعي إلى زعزعة الاستقرار وإثارة الفوضى.

وسوغ إعلان تهميش تام للمؤسسة التشريعية بالقول "لم نجد الأغلبية العددية التي تكون الأداة البرلمانية اللازمة لقيام حكم مستقر. وبدون الائتلاف الوطني وأمام عدم توفر البرلمان على أغلبية، وجدنا أنفسنا أمام خيارين: اختيار الوفاء لفضيلة الديمقراطية، التي اعتبرناها دائما أفضل السبل وأجدى طريقة للعمل، واختيار نظام تمثيلي يتسم بطابع الجدل البرلماني غير المثمر، ويضر، لو تمادى بالديمقراطية نفسها". 

وأردف: "تأكدنا أن التلاعب في المؤسسات التمثيلية وجمودها، لن يؤدي إلا للنفور من الديمقراطية والحكم عليها. في حين أنها مكسب من مكاسب شعبنا نحرص على صيانتها لتوفير الشروط لمزاولتها. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام حلول كان لا بد من انتفاء أنسبها لتدارك الوضع. كان في إمكاننا أن نتغاضى تاركين البرلمان يسير في الطريق السلبي الذي سار فيه".

وتابع: "كان بإمكاننا كحل ثالث، أن نستعمل حقنا الدستوري في حل مجلس النواب وإعادة انتخابه في الأجل القصير الذي حدده الدستور. ولكننا آثرنا أن لا نعرض البلاد لهزات عنيفة بدفع الأمة لخوض معركة انتخابية مفاجئة، في وقت تتأرجح فيه العواطف، وتطغى فيه الأغراض والمطامح، وتتضارب فيه الأهواء، خصوصا والدستور يلزم بإجراء الانتخابات في أجل لا يتجاوز أربعين يوما على الأكثر".

وعلى ضوء ذلك، أعلن الملك ما وصفه بخيار "الخروج من حالة الانحلال التي تجتازها البلاد"، و"أن نستعمل حقنا الدستوري الذي يعطينا جميع الصلاحيات لاتخاذ كل تدبير يفرضه رجوع المؤسسات الدستورية الى سيرها العادي، وذلك بعد فترة من الزمن تسود فيها السكينة والخلود، وتخمد خلالها حدة الضغائن، ويخلق معها جو أكثر ملاءمة لتحقيق الوحدة الوطنية التي نريدها لتعبئة الشعب للعمل والبناء".

وتعهد الملك حينها بأن "حالة الاستثناء لن يترتب عنها المساس بالحريات الفردية التي ضمنها الدستور. وسيظل المجال فسيحا لنشاط الأحزاب والمنظمات النقابية لمواصلة عملها المشروع، دون أي انتهاك للقانون".

قوبل إعلان حالة الاستثناء برفض واسع من المعارضة وبعض الأصوات المحسوبة على القصر، حتى أن رئيس مجلس النواب حينها، عبد الكريم الخطيب، الذي كان ينتمي لحزب الحركة الشعبية (موالاة)، رفض القرار واضطر لتقديم استقالته من موقعه في مجلس النواب ومن الحزب أيضا.

في ظلال الحكم المطلق

دامت حالة الاستثناء خمس سنوات، تم خلالها إقرار دستور جديد عام 1970، أعطى للملك صلاحيات واسعة، كما شهدت إصلاحات اقتصادية واجتماعية، لكنها اتسمت بقمع المعارضة بقوة وتقييد الحريات.

تميزت تلك المرحلة أيضا بانتشار الاختطافات والاعتقالات على نطاق واسع، كان أبرزها اختفاء المعارض اليساري الشهير المهدي بن بركة في باريس في 29 أكتوبر من 1965. كما شهدت أيضا صعود نجم الجنرال محمد أوفقير، الذي أصبح قوة لا يستهان بها في الساحة السياسية، وهو ما تجلى لاحقا في حدوث انقلابين عسكريين في مطلع السبعينيات.

وبين 1965 و1970، ترددت عبارة "الحكومة الملكية" على ألسنة المغاربة بكثرة، ففي ظل حالة الطوارئ التي أعقبت تولّي الملك زمام الأمور بنفسه مُباشرا الإشراف على شؤون الدولة والقطاعات العمومية.

وأشرف الحسن الثاني بشكل خاص وبشكل شخصي على قطاع التعليم بمبرر تنفيذ إصلاحات جذرية لتحديث المناهج ولغات التدريس بعيدا عن الصراعات السياسية والتجاذبات الأيديولوجية.

وواجهت إصلاحات التعليم المُقترحة معارضة حزب الاستقلال، الذي رفض المزاوجة بين اللغتين العربية والفرنسية في التدريس، داعيا أيضا إلى القطع مع الفرنسية في الإدارات، وهو رد عليه آخرون بأن الواقع العملي أظهر نقصا حادا في عدد الكوادر المغربية المؤهلة لإدارة هذا التغيير. 

استمرت حالة شغور منصب الوزير الأول حتى تعيين محمد بنهيمة في هذا المنصب عام 1967، ثم لاحقا مولاي أحمد العراقي عام 1969. وخلال تلك الفترة الانتقالية، عاشت البلاد بالفعل وضعا استثنائيا تمثل بانعدام الحكومة والبرلمان والوزراء، وهو ما تؤكده عبارة شائعة حينها بأن "المغرب بدون حكومة ولا برلمان ولا وزراء".

امتدت حالة الاستثناء على مدار خمس سنوات، قبل أن يتم وضع حد لها عبر تعديل دستور 1962 ليصبح دستور 1970.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مكناس
جانب من السور التاريخي لمدينة مكناس

نالت أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إعجاب الآلاف وربما الملايين من المستمعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، وزاد انتشارها بعد أن أداها عدد من كبار الفنانين في المنطقة.

ورغم ترديد الجمهور لها إلا أن الكثيرين قد لا يعلمون أن تاريخ كلمات هذه الأغنية يعود لأزيد من 700 سنة.

أصل الأغنية

تنتمي أغنية "شويّخ من أرض مكناس" إلى الزجل الأندلسي، وهي من تأليف الشاعر أبو الحسن الششتري المولود في كنف أسرة ميسورة بغرناطة عام 1212 م.

قصيدة شويخ من ارض مكناس لأبي الحسن الششتري الاندلسي ، كتبت بالاصل في المغرب ، واشتهرت في العراق ودول الخليج بعد أن لحنها...

Posted by Ghassan Mahdy on Sunday, July 4, 2021

درس الششتري علوم الفقه والدين وأحب الفلسفة، وذكرت مصادر تاريخية أن قربه من البلاط في الأندلس لم يمنعه من الاستمرار في البحث عن معنى الحياة.

وفي أحد الأيام قرر الششتري الهروب من رغد عيشه إلى حياة الزهد، وساعده في ذلك تعرفه على المتصوف عبد الحق ابن سبعين (1219-1270) الذي نصحه بالانتقال إلى المغرب إن أراد الدخول في الصوفية.

انتقل الأندلسي إلى فاس ومنها إلى مكناس، ويقال إن ابن سبعين نصح الوافد الجديد بنزع ملابسه الفاخرة وارتداء أخرى بالية مرقعة وأن يحمل بنديرا (آلة إيقاعية) في يده ثم يجوب الأسواق مرددا الصلاة على النبي محمد.

نفذ الششتري وصية ابن سبعين وصار يمشي في حواري وأسواق مكناس بملابسه البالية وعبر لاحقا عن هذه التجربة الفريدة في قصيدة "شويّخ من أرض مكناس" التي دعا فيها الناس إلى الزهد وحسن الأخلاق واعتزال مغريات الدنيا.

وتقول الأغنية:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس

وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

أش عليّا يا صاحب

مِن جمِيع الخَلايقْ

إِفْعَل الخيرَ تنْجُو

واتبعْ أهلَ الحقائق

لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ

إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق

خُذ كلاَمِي في قُرْطاس

واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ثم قول مبين

ولا يحتاج عبارة

أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ

إِفْهَمُوا ذِي الإشاره

وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي

والعصي والغَزَارَه

هكذا عِشْتُ في فاسْ

وكَذاكْ هُونْ هُونِي

أشْ عَلَيَّا مِن الناس

وأشْ على النَّاسِ منِّي

ويلاحظ أن من بين كلمات الأغنية، تعابير من الدارجة المغربية (اللغة العامية)، كما أنها كُتبت وفق نفس صوفي ينقل المستمع إلى أسواق مكناس القديمة.

حياة جديدة بعد مئات السنين

وبعد حوالي سبعة قرون تقريبا من كتابة القصيدة، وتحديدا عام 1982، أعاد الملحن البحريني خالد الشيخ الروح إلى "شويخ من أرض مكناس"، بعد أن عثر عليها صدفة ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي نشرت في مجلة مصرية في خمسينيات القرن الماضي.

أُعجب الشيخ بالقصيدة وقرر غناءها رغم احتوائها على كلمات وتعابير من الدارجة المغربية، ثم أداها لاحقا مواطنه الفنان أحمد الجمبري.

انتشرت الأغنية في الخليج العربي وكانت من بين الأغاني التي يطلبها الجمهور ويتفاعل معها سواء في اللقاءات والبرامج التلفزيونية أو في الملتقيات والمهرجانات الفنية.

وبعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق انستغرام وتيك توك، تعرف الجيل الصاعد على "شويخ من أرض مكناس" وأحبها، بل تحولت عام 2023 إلى واحدة من أكثر الأغاني شهرة (تراندينغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي السياق نفسه، انضم فنانون جدد إلى لائحة المؤدين لأغنية "شويخ من أرض مكناس"، على غرار الفنانة المغربية أسماء المنور  والإماراتية أحلام والعراقي كاظم الساهر، إلى جانب الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله الذي غناها في حفل بالبحرين عام 2022 حضره 15 ألف متفرج.

عاما بعد ذلك، طرح عبد المجيد عبد الله فيديو الحفل على قناته الرسمية على يوتيوب وحقق 30 مليون مشاهدة، كما تناقله العديد من النشطاء في الشبكات الاجتماعية.

قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، كتبها مولانا ابي الحسن الششتري قبل 700 عام.. انتشرت بشكل كبير مؤخرا بصوت عبد المجيد عبد الله وخلقت للمغرب ولمكناس اشهارا كبيرا.. هذه القصيدة لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ وأول من غناها هو الفنان الخليجي البحريني احمد الجميري سنة 1982، ثم المغنية أحلام.. لكن لا أحد يعرف كيف حصل عليها.. القصيدة كتبت بالدارجة المغربية القديمة لكنها اشتهرت كثيرا بالخليج ويحفظها الجميع..

Posted by ‎فدوى رجواني‎ on Monday, January 23, 2023

وظهر مدى اتقان الجمهور عبر منطقة الشرق والأوسط وشمال إفريقيا لـ"شويخ من أرض مكناس" في حفلات الموسيقار المغربي أمين بودشار، وهو فنان اشتهر في السنوات الأخيرة بأسلوب فريد يقوم على اقتصار فرقته الموسيقية على عزف ألحان الأغاني وإسناد وظيفة الغناء للجمهور.

وأظهرت مقاطع فيديو خلال إحياء بودشار لحفلات بعدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف تفاعل الجمهور بالأغنية وكيف يتراقص على نغماتها.

المصدر: أصوات مغاربية