في مثل هذا اليوم من عام 1960 استقبل الجنرال ديغول بمقر الإليزيه في باريس قائد الولاية الرابعة التاريخية العقيد محمد زعموم المعروف بـ"سي صالح"، رفقة مساعدين له، وذلك بعد اتصالات فردية بين ثوار في هذه المنطقة والسلطات الفرنسية دون علم القيادات السياسية والعسكرية العليا للثورة الجزائرية.
يذكر مقال تحت عنوان "قادة الولاية الرابعة" للكاتب صالح بلحاج أنه إلى جانب "سي صالح" حضر اللقاء مع ديغول من الجانب الجزائري كل من جيلالي بونعامة المعروف بـ"سي محمد" ولخضر بورقعة.
يشير المصدر ذاته إلى تلك القضية بوصفها "من الأحداث المؤلمة التي وقعت أيام الثورة" مشيرا إلى أنها عُرفت بـ"قضية قادة الولاية الرابعة ، ويقال لها أيضا قضية سي صالح، من اللقب الحربي لقائد هذه الولاية في ذلك الوقت، واسمه محمد زعموم، من عائلة زعموم المعروفة التي أمدت الثورة منذ ما قبل انطلاقها بالعديد من أبنائها".
في ما يلي يتحدث مؤرخون عن ظروف ذلك اللقاء ونتائجه:
"فكرة خطيرة"
تعتبر الولاية الرابعة التاريخية التي كان يقودها العقيد صالح زعموم، قلب الثورة الجزائرية نظرا لحساسية المناطق التي تشملها من الشلف غربا إلى بومرداس شرقا وبينهما نواحي مدينة الجزائر العاصمة التي كان يوجد فيها المعمرون الأوروبيون بكثافة.
ويقول الباحث في تاريخ الجزائر بجامعة "إكستر" البريطانية، حسني قيطوني، إن الثورة كانت تمر في تلك الفترة بـ"مرحلة صعبة بسبب نقص إمدادات الذخيرة والسلاح للمقاومين في الجبال، والضغوط المتزايدة على الشعب من طرف الاستعمار الفرنسي نظير دعمه العمل المسلح".
ويتابع قيطوني حديثه لـ"أصوات مغاربية" موضحا أن تلك المرحلة شهدت أيضا "صراعات قيادية حادة، بسبب الاختلاف حول التفاوض ومستقبل الكفاح وأولوية قيادات الخارج على الداخل"، مضيفا أنه في ظل هذه الظروف "اقتنع العقيد زعموم (1928/ 1961)، بفكرة التفاوض مع الاستعمار لتهدئة الجبهة وهي فكرة عرضها عليه بعض مساعديه".
ويؤكد المتحدث ذاته أن "عدة عوامل ساهمت في نجاح خطة التواصل تتمثل في رغبة الفرنسيين في فتح حوار مع جبهة الداخل عوضا عن قيادة الخارج، ووجود مساعدين اقتنعوا وأقنعوا زعموم بالفكرة الخطيرة التي كلفتهم غاليا".
"فصل القيادات"
من جانبه، وفي سرده لظروف ذلك اللقاء، يقول المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث إن ذلك كان نتيجة "نجاح الدعاية الفرنسية التي عملت على محاولة فصل قيادات الثورة السياسية والعسكرية عن بعضها البعض"، مضيفا أن الفرنسيين "انفردوا بالعقيد زعموم الذي كان بعيدا عن القيادات العليا".
ويتابع بلغيث حديثه لـ"أصوات مغاربية" موضحا أن "الاتصالات التي بدأت في مارس 1960 مع الفرنسيين خلصت إلى تسهيل ظروف تنقل العقيد زعموم ومساعديه إلى الإليزيه في باريس، حيث استقبلهم الجنرال ديغول واستمعوا لعروضه بالعفو والانخراط في الحياة المدنية أو الانضمام للجيش الفرنسي"، مضيفا أن هدف الفرنسيين من وراء ذلك كان "إحداث شرخ داخل الثورة، والعمل على استدراج قيادات أخرى بشكل شخصي".
ونتيجة لذلك اللقاء، يقول بلغيث إن "نهاية العقيد زعموم كانت مأساوية، حيث ظل منبوذا بين رفاقه بعد عزله في صائفة 1960" وكان "ينتظر الفصل في أمره، بعد تنفيذ الحكم في مساعدين له قبل أن يُقتل في كمين نصبته له القوات الفرنسية بمنطقة البويرة (وسط) يوم 20 يونيو 1961 أثناء ترحيله لشرح قضيته أمام القيادة في تونس".
ورغم أنه توفي قبل أن يتمكن من شرح قضيته وموقفه، فإن الباحث في التاريخ، حسني قيطوني يرفض وصف زعموم بأنه "كان خائنا أو سعى لخيانة الثورة، بل بالعكس من ذلك" مضيفا أنه "كان يبحث عن مخرج للثورة ولمنطقته المحاصرة أمام قلة الموارد والسلاح، وأن يبعث برسالة تؤكد وجود قيادة سياسية وعسكرية من الداخل بإمكانها التفاوض".
- المصدر: أصوات مغاربية