"مائدة يوغرطة" بتونس.. رمز للصمود في وجه الغزاة
تعد "مائدة يوغرطة" من أقدم وأشهر المعالم التاريخية بتونس، وتقع في أعلى مرتفعات محافظة "الكاف" شمال غربي البلاد، على الحدود مع الجزائر.
وهي صخرة بمساحة 80 هكتارا و طول يبلغ 1272 مترا، وتوجد في منطقة "قلعة سنان" بالكاف، حيث تتناسق جوانبها على شكل طاولة، وهو ما جعل سكان المنطقة الأوائل يطلقون عليها تسمية " مائدة يوغرطة".
ارتبط اسمها بأحداث تاريخية شهدتها تلك المنطقة في العهد النوميدي، حيث كانت ملاذا للقائد النوميدي يوغرطة في حربه على الرومان منذ 200 عام قبل الميلاد، كما كانت ملاذا "للثوار" التونسيين في مقاومتهم للاستعمار الفرنسي عقب احتلال تونس في 1881.
فما هي خصائص "مائدة يوغرطة"؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟ و ما هي أهم الوقائع التاريخية التي أحاطت بها؟ ولماذا تسعى تونس إلى إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي؟
موقع استراتيجي ذو خصائص طبيعية وتاريخية
يقول المؤرخ محمد التليلي إن "مائدة يوغرطة" توجد في أحد مرتفعات "قلعة السنان" بالكاف، حيث تحيطها غابات الصنوبر وحقول القمح وأشجار الكروم، لذلك تعتبر وجهة سياحية في فصل الربيع، وهي من الصخور الموغلة في القدم والصامدة في شمال تونس.
وأضاف التليلي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن هذه المائدة رغم شساعة مساحتها فإنها تحتوي على مدخل وحيد وهو عبارة عن درج في ممر ضيق جدا متكون من 150 درجة، وعند الوصول إلى السطح يصبح من السهل مشاهدة الجبال والمدن الحدودية الجزائرية.
كما تحتوي هذه المائدة على خزانات مياه ومساكن نوميدية تعود إلى أكثر من 2000 سنة، إضافة إلى عدد من المغاور، التي استخدمت في الحروب النوميدي في ذلك العهد.
قصة صمود
وبخصوص تسمية هذه الصخرة الصامدة عبر الأزمنة بـ"مائدة يوغرطة" ، يُرجع المؤرخ محمد التليلي ذلك إلى ارتباطها بالعهد النوميدي، إذ كان هذا الموقع الاستراتيجي ملاذا تختبئ فيه جيوش الملك النوميدي "يوغرطة" (ولد عام 160 قبل الميلاد)، ونوميديا هي مملكة أمازيغية عاصمتها سيرتا (مدينة قسنطينة الجزائرية حاليا)، يرجح أنها تأسست سنة 202 قبل الميلاد.
وذكر التليلي أن القائد النوميدي يوغرطة سعى إلى توحيد المملكة النوميدية بعد أن كانت تعاني انقساما في الملك، وساهم في توسيع مساحتها واتخذ من سيرتا عاصمة لها، ونتيجة لخلق قوة جديدة بالمنطقة تهدد نفوذ الإمبراطورية الرومانية سعت هذه الأخيرة إلى احتلالها والإطاحة بملكها يوغرطة.
وتابع المتحدث أن فترة المقاومة الأمازيغيّة للرومان استمرت 7 سنوات حيث هرب يوغرطة وتحصن بالمائدة طيلة عام كامل، ما كبد روما خسائر كبيرة في محاولتها لتسلق الجبل وكسر دفاع يوغرطة وجيشه. وانتهت فترة الحصار بإلقاء القبض على يوغرطة وقتله مع ابنيه، "فكرم النوميديون قائدهم يوغرطة بتسمية المائدة باسمه".
وروى المتحدثة ذاته، أن مائدة يوغرطة تعاقبت عليها حضارات عديدة وظلت رمزا للشموخ ضد الغزاة والمحتلين، فقد لجأ إليها "الفلاقة" (الثوار) التونسيون والجزائريون في الفترة ما بين أربعينات وخمسينات القرن الماضي في مواجهة الاحتلال الفرنسي، و كانت ملاذا آمنا مكنهم من صد هجمات العدو.
مساع تونسية لإدراجها على لائحة التراث العالمي
تسعى السلطات التونسية في الأعوام الأخيرة إلى إدراج مائدة يوغرطة ضمن التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
وخلال زيارة له إلى منطقة قلعة سنان بمحافظة الكاف، في يونيو 2022، أفاد وزير السياحة التونسية، محمد المعز بلحسين، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (وات)، أن "مائدة يوغرطة تمتلك مقومات طبيعية وتاريخية تؤهلها لتكون ضمن قائمة اليونسكو، مشدداً على ضرورة إعداد ملف متكامل".
وأوضح الوزير أن المعلم سيشهد تنظيم تظاهرات ثقافية وسياحية بالشراكة مع مهرجانات أجنبية إلى جانب إدراج بلدية "قلعة سنان" ضمن البلديات السياحية.
- المصدر: أصوات مغاربية