صورة لسجن تازمامارت قرب مدينة الرشيدية جنوب شرق المغرب
صورة للمعتقل السابق "تازمامارت"- أرشيف

تعد المُدرِّسة الأميركية نانسي الطويل، زوجة الملازم مبارك الطويل، من بين النساء اللواتي كان لهن دور بارز في التعريف بمأساة نزلاء المعتقل السري تازمامارت، الذي ظلت السلطات المغربية تنكر وجوده لنحو 20 عاما.

وارتبط هذا المعتقل، الذي بُني في قرية نائية جنوب شرق المغرب، بالمحاولتين الانقلابيتين اللتين شهدهما المملكة في سبعينيات القرن الماضي، إذ تقول مصادر تاريخية إن أبوابه فتحت في أغسطس عام 1973 لاستقبال 58 ضابطا من المدانين بالمشاركة في الانقلابين، 28 منهم نجحوا في مغادرة أسواره أحياء فيما توفي الباقون نتيجة الجوع والبرد والمرض.  

ولعبت نانسي الطويل، إلى جانب عايدة حشاد، وهي زوجة الرائد الطيار صالح حشاد، قائد سرب الطائرات الحربية التي قصفت طائرة الحسن الثاني في المحاولة الانقلابية الثانية، وكريستين السرفاتي، وهي زوجة الناشط الحقوقي المغربي أبراهام السرفاتي، أحد أبرز المعارضين السياسيين لنظام الحسن الثاني، دورا بارزا في إثارة انتباه العالم لمعاناة المعتقلين وكان السبب المباشر في إطلاق سراحهم.

من نبراسكا إلى القنيطرة

لم تشر المصادر التاريخية إلى سنة ومكان ولادة نانسي غيت وود، إذ اكتفت الكتب والصحف التي تناولت قصتها بالحديث عن شابة أميركية تنحدر من ولاية نبراسكا (الغرب الأوسط) قررت أواخر ستينيات القرن الماضي قبول عرض للتدريس بالقاعدة العسكرية الأميركية بالقنيطرة، شمال العاصمة الرباط.

واستلمت الشابة الأميركية وظيفتها بالقاعدة الجوية التي كانت حينها تعرف تواجدا لعناصر من القوات الأميركية، كما كانت تدرس في الوقت نفسه بالمدرسة الأميركية، حيث أكد الأمير هشام العلوي في تصريحات صحافية أنه كان من تلاميذها.  

وتعرفت نانسي غيت وود خلال إقامتها بالقاعدة على الملازم مبارك الطويل وتزوجت به، كما اعتنقت الإسلام وسمت نفسها ثريا.

وقبل وقوع المحاولة الانقلابية الثانية الذي قادها الجنرال أوفقير عام 1972 بشهرين، رُزق الزوجان بطفل اختارا له اسم أمين.

وفي الـ16 أغسطس من ذلك العام اعترضت مقاتلات عسكرية من طراز "نورثروب أف -5" ( Northrop F-5)، طائرة الملك الحسن الثاني "بوينغ 727" في أجواء مدينة تطوان (شمال) أثناء عودتها من فرنسا، حيث بدا سرب من طائرات مقاتلة في قصف الطائرة الملكية بأمر من الجنرال أوفقير، لكن الملك نجا بأعجوبة.

وبعد إعلان فشل المحاولة الانقلابية، عُرض المتهمون على محكمة عسكرية وأعدم 11 منهم ونقل آخرون إلى السجن العسكري بالقنيطرة ثم لاحقا إلى المعتقل السري تازمامارت.

ضغط دبلوماسي وحقوقي

تقول المصادر التاريخية إن نانسي غادرت المغرب بعد انقطاع أخبار زوجها بشكل غير قانوني مع ابنها أمين إلى الولايات المتحدة، إذ لم يكن مسموحا لها بمغادرة المغرب بعد إدانة زوجها في المحاولة الانقلابية، وفق ما ذكرت صحيفة "الأخبار" المغربية.

وكثفت نانسي الطويل اتصالاتها مع عدد المسؤولين في بلدها وضغطت من أجل معرفة مصير زوجها الذي أخبروها أنه نقل من سجن القنيطرة إلى مكان مجهول.

وساعد نانسي في ذلك تواصلها مع عايدة حشاد، زوجة صلاح حشاد، قائد سرب الطائرات التي قصفت طائرة الحسن الثاني.

فبعد شهر من وصول المعتقلين إلى المعتقل السري، نجح الطيار حشاد في إرسال رسالة قصيرة عبر أحد الحراس إلى زوجته، أخبرها فيها بتواجده إلى جانب العشرات من زملائه في معتقل سري قرب منطقة الريش (جنوب شرق) وأنه ظروف اعتقالهم سيئة.  

تكلفت عايدة حشاد في بداية الأمر بنقل أخبار زملاء زوجها في المعتقل إلى عائلاتهم في سرية تامة، كما عملت إلى جانب نانسي الطويل في الضغط لإثارة انتباه المنظمات الحقوقية بوجود معتقل سري يدعى تازمامارت.

ويروي الكاتب الفرنسي جاك بيرو جانبا من الجهود التي قادتها نانسي طويل في كتابه "صديقنا الملك"، ويقول إنه "بسببها ضُغط على السلطات المغربية لتفقد أحوال زوجها ومعاملته معاملة خاصة عكس باقي المعتقلين".

وجاء في الكتاب "كتفت سفارة الولايات المتحدة بالرباط اتصالاتها للحصول على إيضاحات حول مصير زوجها، وفي عام 1985 عومل مبارك الطويل بشكل يغدو فيه لائقا لإظهاره، وأُخرج من زنزانته وأحضر إلى الرباط وعرض على السفير الأميركي جوزيف فرنر ريد ثم أعيد مجددا إلى تازمامارت".

وتابع "الخطوة الوحيدة التي يتمتع بها هي السماح له بتبادل الرسائل مع زوجته. وفي كل سنة يحضر دركي إلى السفارة الأميركية وهو يحمل رسائل مبارك الطويل بالمقابل يسلم مدير السجن لسجينه الرسائل الموجهة له من زوجته نانسي".

إلى جانب طرق أبواب السفارة الأميركية بالرباط، تواصلت نانسي مع دبلوماسيين أميركيين ومع نواب في الكونغرس وطالبت منهم إثارة قضية زوجها وبحثها مع نظرائهم المغاربة.

ومن بين هؤلاء الدبلوماسي توماس ميلير، الذي كان يشغل حينها مدير مكتب شؤون شمال أفريقيا بوزارة الخارجية، ويروي ميلير في تصريحات صحافية أن نانسي طلبت منه إثارة القضية خلال زيارة كان الملك الراحل الحسن الثاني يستعد للقيام بها إلى الولايات المتحدة.

من جانبه، طرح نائب في نوفمبر عام 1981 سؤالا في مجلس النواب الأميركي أثار فيه قضية زوج المواطنة الأميركية ودعا إلى كشف مصير السجناء الذين قال إنهم وضعوا في سجن سري منذ عام 1973.

وبسبب هذا الضغط تحسن حال مبارك الطويل في المعتقل وبات على خلاف باقي زملائه يستفيد من طعام جيد ومن أدوية ومن فسحة يومية.

بدوره، يروي المعتقل السابق أحمد المرزوقي، في كتابه، "تزمامارت الزنزانة رقم 10" جانبا من الوضع الاعتباري الذي تمتع به زميله الطويل ولاحقا باقي المتعقلين.

ويقول "لقد كانت فعلا معجزة، ولكنها معجزة لم تشمل منا إلا واحدا بعينه: الملازم مبارك الطويل، والسبب؟ زواجه من سيدة أميركية".

وتابع أن هذا الوضع انعكس لاحقا على حال باقي السجناء حيث باتوا بدورهم يستفيدون خفية من أدوية وطعام كان يزودهم به زميلهم الطويل.

وأردف "هذا الحدث المهم كان تتويجا لمجهودات سيدة أميركية وفية أقامت الدنيا وأقعدتها من أجل زوجها، واستطاعت بفضل ذكائها ونضالها وقوة إدارتها أن تحرج قادة بلادها الذين أحرجوا بدورهم قادة بلادنا فأنقذت زوجها وساهمت بالتالي في إنقاذنا بحكم الترابط الوثيق بين الجار والمجرور".

وتساءل "هل كان من الممكن أن يطلق سراحنا رغم شفاعة كل الشافعين، لولا تواجد ضابط من بيننا ألهمه الله فتزوج أميركية؟".

 

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

أوسكار

أعلنت اللجنة الجزائرية لانتقاء الأفلام عن اختيار الفيلم الروائي الطويل "196 متر/ الجزائر" لتمثيلها في مسابقة الأوسكار في دورتها الـ97 ضمن فئة أفضل فيلم روائي دولي التي ستجرى في مارس 2025، حسب بيان للمركز الجزائري لتطوير السينما.

وقبل الجزائر، رشح المغرب فيلم "الجميع يحب تودا" لمخرجه نبيل عيوش الذي يدور حول قصة درامية لفتاة تهوى الغناء للمنافسة على جائزة أفضل فيلم أجنبي، فيما ستعلن تونس لاحقا عن اختيارها.

"196 متر/ الجزائر"

يروي الفيلم قصة طبيبة نفسية تسعى رفقة مفتش شرطة لحل لغز اختطاف فتاة صغيرة، ما يقودهما إلى الغوص في أحداث غامضة من الماضي. 

الفيلم إنتاج جزائري كندي مشترك، انطلق تصويره بالعاصمة الجزائرية سنة 2022، أما السيناريو فهو لمخرجه طالب بن دياب، بينما يلعب دور البطولة فيه كل من هشام مصباح، مريم مجكان، علي ناموس ونبيل عسلي.

وحاز الفيلم، في وقت سابق، على الجائزة الكبرى للمهرجان السينمائي الدولي "فليكرز رود أيلند" بالولايات المتحدة.

وأشارت لجنة انتقاء الأفلام بالجزائر أن "196 متر/ الجزائر" مرشح عن فئة "أفضل فيلم روائي عالمي"، بتمويل من وزارة الثقافة الجزائرية، مضيفة أنها تأمل أن "يحقق هذا الفيلم إنجازات جديدة تساهم في تعزيز الهوية الثقافية الجزائرية، وتفتح آفاقًا أكبر للسينما المحلية في المحافل العالمية".

المغرب.. "في حب تودا"

أعلن المركز السينمائي المغربي، مطلع سبتمبر، ترشيح فيلم "في حب تودا" للمخرج نبيل عيوش، ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي بمسابقة الأوسكار لسنة 2025. واختير الفيلم من بين ستة أعمال سينمائية أخرى.

ويتناول الفيلم، في إطار درامي اجتماعي، قضايا تتعلق بالتغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي، من خلال قصة حب معقدة تجمع بين التحديات الإنسانية والاقتصادية، ضمن زوايا مختلفة تتناول الفوارق الاجتماعية والتقاليد المتوارثة.

 

وشارك المغرب في مسابقة جائزة أوسكار هذا العام بفيلم "كذب أبيض" للمخرجة أسماء المدير، الذي تأهل إلى المرحلة الثانية من التصويت في سباق  الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وسبق أن حاز على النجمة الذهبية في مهرجان مراكش الدولي في دورته العشرين 2023، وقد تنافس مع 14 فيلماً أجنبياً آخر في المرحلة الثانية من التصويت، بعد أن تأهل من بين 88 فيلماً مشاركا.

تونس.. بدء سباق الترشيحات

تنكب لجنة تابعة للمركز الوطني للسينما والصورة في تونس، منذ منتصف أغسطس، على اختيار الفيلم الذي سيمثل البلد في مسابقة جوائز أوسكار 2025 ضمن فئة "أفضل فيلم أجنبي".

 وكان المركز حدد يوم 30 أغسطس كآخر أجل لتلقي الترشيحات.

مغاربيون في الأوسكار

لفتت مشاركة الجزائر في مسابقة جوائز الأوسكار مميزة النظر في دورات سابقة، ويعتبر فيلم "زاد"، للمخرج الفرنسي اليوناني الأصل كوستا غافراس، الفيلم الجزائري الوحيد في العالم العربي الذي نال جائزة أفضل فيلم أجنبي بالمسابقة سنة 1970.

كما شاركت الجزائر بمسابقة الأوسكار لعام 2023 بالفيلم الطويل "إخواننا" للمخرج رشيد بوشارب الذي سبق أن شارك أيضا في أوسكار 2011 بفيلم "خارج عن القانون".

وشاركت تونس في مسابقة جوائز أوسكار 2024 بفيلم" بنات ألفة" للمخرجة كوثر بن هنية، وهو روائي وثائقي من بطولة هند صبري، ونور قروي. وتدور أحداثه، المستوحاة من قصة حقيقية، حول امرأة تونسية تدعى "ألفة" تتأرجح يومياتها بين النور والعتمة، قبل أن تختفي ابنتيها.

وقطع ترشيح الفيلم مسارا متقدما بعدما اختير ضمن القائمة المختصرة النهائية لجوائز الأوسكار 2024 في قسم أحسن فيلم وثائقي، وبذلك يكون "بنات ألفة" أكثر الأفلام التونسية اقترابا من التتويج بإحدى جوائز الأوسكار.

 

المصدر: أصوات مغاربية