أضحت تهدد الاقتصاد.. كيف ستواجه الجزائر ظاهرة الرشوة؟
أثار الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مجددا مشكل "الرشوة" وما تخلفه من مشاكل عديدة على السير الحسن لاقتصاد الجزائر وصورتها.
وبحديث مباشر ومكشوف، انتقد الرئيس تبون ممارسات بعض المسؤولين، واتهمهم بالعمل على "تعطيل المشاريع الاقتصادية والاستثمارية بهدف إجبار البعض على دفع الرشوة".
وأعطى، خلال الندوة الوطنية المخصصة للإنعاش الصناعي، التي أقيمت مؤخرا، مثالا على ذلك بتصرف بعض الإداريين الذين يرفضون منح رخص النشاط للمستثمرين بعد الانتهاء من إنجاز مصانعهم، وقال إن "الهدف من وراء ذلك هو الرشوة"، مؤكدا في معرض حديثه أن "كل شيء أصبح يمشي بالرشوة وهذا حرام ومنكر".
ولاقت تصريحات الرئيس الجزائري اهتماما من قبل العديد من الأوساط السياسية والقانونية، بالنظر إلى قضايا الفساد التي شهدتها الجزائر في المدة الأخيرة، وجرت مسؤولين كبار في الدولة، والعديد من رجال الأعمال إلى السجن.
حلول استعجالية
وطلب الرئيس الجزائري من جميع الصناعيين والمستثمرين المعنيين بحالات التماطل التي يواجهونها على مستوى مختلف المصالح الإدارية الاتصال بشكل مباشر بالمكتب الخاص على مستوى وساطة الجمهورية.
وأكد أن هيئة وساطة الجمهورية تشتغل مع مصالح الرئاسة بشكل مباشر وبإمكانها الاطلاع عن قرب على معاناة المستثمرين مع الجهات التي تعرقل نشاطهم.
وتعد الخطة المُعلنة من طرف الرئيس عبد المجيد تبون لمواجهة ظاهرة الرشوة جزءا بسيطا من ترسانة أخرى من القوانين أعدتها الحكومات الجزائرية المتعاقبة، لكن دون أن تجدي نفعا.
من ذلك القانون 01/06 الذي تمت المصادقة عليه منذ 2006، ووضع "الرشوة" في مصف الجرائم الاقتصادية الكبرى التي يواجه المتورط فيها أنواعا عديدة من العقوبات.
وحسب المحامي والناشط الحقوقي، عامر رخلية، فإن المشكل في الجزائر لا يتعلق بغياب النصوص القانونية، ولكن طرح مشكلا آخر يتعلق بـ "تغييب القوانين وعدم تطبيق نصوصها على الواقع".
"العصابة".. والقانون
وقال المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "القانون 06/01 يعد من أحسن القوانين التي يمكن لها القضاء بشكل كبير على ظاهرة الرشوة، أو على الأقل يخفف من وطأتها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية".
وأفاد رخيلة بأن "الذين وضعوا هذا القانون، وجميعهم من المحسوبين على الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لم يكن في نيتهم تطبيق نصوصه الصريحة، بل بالعكس عملوا على تغييبه من الواقع وجمدوه بشكل غير مُعلن لعدة سنوات".
وبعد انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر 2019، أعلن نائب وزير الدفاع وقتها وقائد أركان الجيش، الراحل أحمد قايد صالح، الانطلاق في سلسلة من التحقيقات القضائية ضد كبار المسؤولين في الدولة ومجموعة من المستثمرين، اعتمادا على نصوص القانون المذكور.
وتعليقا على ذلك، أكد المحامي عامر رخيلة أن "ما حدث يؤكد فعلا تغييب هذا القانون بشكل متعمد من طرف من نسيمه العصابة لأنها أفرادها كانوا يدركون أن تطبيقه معناه إدانة مباشرة لهم نظير ممارساتهم المنافية للقانون".
حماية المُبلغين
وبرزت مع ظاهرة الرشوة في الجزائر شريحة أخرى يُطلق عليهما "المبلغين عن الفساد"، وهم فئة تحسب على مكونات المجتمع المدني وتتولى فضح ممارسات الفساد الاقتصادي والدفاع عن المال.
وتمت في السنوات الأخيرة متابعة العديد من "المبلغين عن الفساد" أمام القضاء يتهم مختلفة مثل الابتزاز أو التصريح الكاذب وأيضا "الوشاية الكاذبة".
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة، جنوب الجزائري، سليمان ناصر، أنه على السلطات أن تحمي هذه الفئة وتمحنها الضمانات الكافية من أجل مزاولة نشاطها، لأنه يمكن لها أن تؤدي دورا كبيرا في محاربة الرشوة في البلاد.
وقال المتحدث في تصريح لـ "أصوات مغاربية": "للأسف العديد من المبلغين وجدوا أنفسهم محل مطاردة من قبل القضاء، خاصة في عهد النظام السابق، بمجرد أنهم قاموا بفضح بعض الصفقات التي أبرمت بطرق مشبوهة.
ويشير ناصر إلى أن "القانون الخاص بمكافحة الفساد أو الرشوة لا يمكنه أن يفي بالغرض لوحده ما لم تعمل الدولة على نشر ثقافة جديدة بين المواطنين تبدأ أولا بتغيير الصورة النمطية التي تنتشر وسط المواطنين بخصوص الملكية العامة التي يجب حمايتها كما تُحمى الممتكلات الخاصة".
وأضاف المتحدث ذاته "للأسف النظام الاشتراكي الذي اتبتعه الحكومة الجزائرية منذ الاستقلال وخطاب دعم الدولة للفئات الهشة رسخ لدى البعض ثقافة استحلال المال العام، فأضحى من يغترف منه أو يختلسه في حكم الإنسان العادي وهذا ليس صحيحا".
المصدر: أصوات مغاربية