جانب من مراسم تشييع الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي
جانب من مراسم تشييع الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي

أعلنت السلطات القضائية في تونس فتح تحقيق في ظروف وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي (1926-2019)، وهو ما أثار نقاشات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية بشأن خلفيات هذا الإجراء.

وتباينت آراء المتابعين  للشأن السياسي التونسي والنشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، حول هذا الإجراء القضائي الذي تزامن مع إعلان السلطات لقانون المالية للعام الجديد.

ويرى محللون أن فتح هذه القضية يهدف إلى "صرف الأنظار عما تضمنه قانون المالية من إجراءات"، بينما اعتبر آخرون أن هذا "الإجراء القضائي سيضع حدا للشكوك التي تحوم حول وفاة الرجل".

تحقيق قضائي

قال المتحدث الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس الحبيب الطرخاني،الثلاثاء، إن "وزيرة العدل تقدمت بطلب لفتح بحث تحقيقي بخصوص وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي".

وجاء طلب الوزيرة ليلى جفال، وفق المتحدث ذاته، "طبقا لأحكام الفصل 23 من مجلة الاجراءات الجزائية"، مضيفا أن "الوكيل العام لدى تلك المحكمة أذن لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، بفتح بحث حول ظروف وملابسات تلك الوفاة".

وينص الفصل الذي اعتمدته جفال على أنه "لكاتب الدولة للعدل أن يبلغ إلى الوكيل العام للجمهورية الجرائم التي يحصل له العلم بها وأن يأذنه بإجراء التتبعات سواء بنفسه أو بواسطة من يكلفه أو بأن يقدم إلى المحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى كاتب الدولة للعدل من المناسب تقديمها".

وتوفي السبسي في 25 يوليو 2019 بالمستشفى العسكري بالعاصمة، بعد أقل من شهر واحد من "تعافيه من وعكة صحية حادة"، وفق ما أعلنته الرئاسة آنذاك.

وعقب وفاته شكك مقربون من السبسي في الرواية الرسمية، مشيرين إلى عدة سيناريوهات من بينها "التسميم".

"جدل افتراضي وإعلامي"

وتصدر فتح القضاء لهذا التحقيق اهتمامات النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة، وقد تباينت ردود الأفعال بين مساند للخطوة ورافض لها.

وفي هذا السياق، علّق الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي على هذا الخبر بالقول إن "دائرة الهذيان تتوسع والأخطار على تونس تتزايد"، مضيفا في تدوينة أنه "ضحك كالبكاء على وطن هو اليوم مثل باخرة تغرق تدريجيا في المحيط والربان لا همّ له إلا اتهام مجهول بالتخطيط لاغتياله بل وحتى لاغتيال سابقيه".

من جهته كتب الباحث في القانون كريم المرزوقي على صفحته بفيسبوك  أن "قرار فتح التحقيق مهين في الواقع لمؤسسة الصحة العسكرية وللمؤسسة العسكرية عموما".

وأضاق "لو عاين الفريق الطبي العسكري أي شبهة جدية حول الوفاة لتم إعلام النيابة العمومية، ودون ذلك يعني أنه منخرط في خيانة ومؤامرة ضد رئيس الدولة".

وتتعارض هذه الردود الرافضة أو الساخرة من القرار القضائي الجديد مع روايات أخرى تشير إلى وجود "فرضيات قوية تؤكد أن موت السبسي لم يكن طبيعيا".

وكان المستشار السابق للسبسي، نور الدين بن تيشة قد اعتبر في تصريح لإذاعة "أي أف أم"، الأربعاء، أن "فتح تحقيق في ملابسات الوفاة يعني وجود معطيات جديدة وراء هذا القرار".

من جهته، كشف الناشط السياسي محمد الهنتاتي في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن "السبسي مات مقتولا في المستشفى العسكري"، داعيا وزارة الدفاع إلى "كشف الحقيقة للشعب التونسي".

كشف الحقيقة أم صرف للأنظار عن الميزانية

من الناحية السياسية أيضا يثير  توقيت الإعلان عن هذا القرار القضائي المتزامن مع نشر موازنة العام الجديد جدلا واسعا وسط اختلافات حادة في وجهات النظر.

وقال المحلل السياسي صلاح الدين الداودي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إن "التحقيق في مسألة وفاة السبسي خطوة جيدة لإنهاء الجدل والروايات المتضاربة حول هذه القضية".

ووجه الداودي انتقادات حادة للمؤسسة القضائية لعدم "فتح الملفات الكبرى كالإرهاب والاغتيالات السياسية والفساد المالي وشبكات التسفير إلى بؤر التوتر".

في المقابل اعتبر النائب بالبرلمان المعلقة أشغاله فؤاد ثامر أن "الإعلان عن فتح التحقيق القضائي مع نشر ميزانية العام الجديد يهدف إلى صرف الأنظار عن قانون المالية الأجوف".

وأشار ثامر في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إلى "وجود رغبة في صرف الأنظار عن الميزانية التي لم تتضمن أي إجراءات اجتماعية أومبادرات لتشجيع الاستثمارات".

وكانت حكومة بودن قد أعلنت، الثلاثاء، عن موازنة العام الجديد وقدرها 57.2 مليار دينار (نحو 20 مليار دولار)، وسط توقعات بتسجيل عجز في حدود 6.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

جانب من مظاهرات خرجت بالعاصمة تونس يوم 13 سبتمبر احتجاجا على سياسات الرئيس قيس سعيّد
جانب من مظاهرات خرجت بالعاصمة تونس يوم 13 سبتمبر احتجاجا على سياسات الرئيس قيس سعيّد

انطلقت رسميا بتونس اليوم السبت، حملات  الانتخابات الرئاسية لتتواصل حتى الرابع من أكتوبر المقبل، في وقت توجّه أحزاب المعارضة وجمعيات رقابية وحقوقية انتقادات لقرارات الهيئة العليا للانتخابات وللمسار الانتخابي برمته في ظل استمرار الاعتقالات وتزايد المظاهرات الاحتجاجية.

ويتقدم لهذا الاستحقاق الانتخابي ثلاثة مترشحين، هم الرئيس الحالي قيس سعيد والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي والأمين العام لـ"حركة عازمون" العياشي زمال التي يوجد خلف القضبان على خلفية قضية "تزوير التزكيات".

وكانت الهيئة العليا للانتخابات قد خصصت قرابة ألف مراقب وأكثر من 500 منسق محلي وأعوان آخرين، فضلا عن قبول أكثر من 1500 اعتماد لصحفيين محليين وأجانب وضيوف ومنظمات المجتمع المدني، فيما يناهز عدد الناخبين التونسيين المسجلين للإدلاء بأصواتهم 9 ملايين و700 ألف ناخب، وفق معطيات نشرتها الهيئة.

وتعرضت الهيئة لسيل من الانتقادات لعدم التزامها بتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية القاضية بعودة ثلاثة مترشحين بارزين للسباق الرئاسي وكذلك "تعسير" شروط الترشح للانتخابات و"تصفية" خصوم الرئيس سعيّد وتهيئة الأرضية لعهدة رئاسية ثانية.

في غضون ذلك ما يرزال المرشح زمال قيد الإيقاف بتهمة "افتعال تزكيات شعبية" خاصة بالترشح للانتخابات الرئاسية، حيث رفض القضاء التونسي الأربعاء جميع مطالب الإفراج عنه وتأجيل النظر في قضيته إلى 18 سبتمبر الحالي.

كما يقبع ما لا يقل عن 20 معارضا في السجن، بمن فيهم رئيس حزب حركة النهضة (إسلامي/معارض) راشد الغنوشي ورئيس الحزب الدستوري الحر عبير موسي إلى جانب وزراء ونواب سابقين ورجال أعمال منذ ربيع العام 2023 بتهم مختلفة بينها "التآمر على أمن الدولة".

من جانب آخر، نفذت الجمعة، أحزاب ومنظمات وجمعيات حقوقية مسيرة شعبية بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، وذلك "دفاعا عن الحقوق والحريات" في البلاد.

في هذه الأجواء، تثار الكثير من الأسئلة حول ظروف وأجواء إجراء هذه الحملات الانتخابية وحول السياق العام لذلك الاقتراع الذي يتوقع على نطاق واسع أن يسفر عن فوز الرئيس سعيّد بولاية ثانية.

"مسار تشوبه الكثير من العيوب"

تعليقا على هذا الموضوع، يرى مدير برنامج مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية (منظمة إقليمية غير حكومية) أمين غالي، أن المسار الانتخابي في تونس تشوبه الكثير من العيوب وتطغى عليه التواترات.

وأوضح غالي في حديثه لـ"أصوات مغاربية" أن الخلافات انطلقت منذ تعيين الرئيس سعيد لأعضاء الهيئة العليا للانتخابات وهو اليوم أحد المنافسين في الرئاسيات إضافة إلى تحديد شروط الترشح وضبط موعد هذا الاستحقاق الانتخابي الذي أتي في ظرف سياسي متأزم تخللته اعتقالات لعدد ممن أعلنوا ترشحهم لخوض السباق الرئاسي.

وتابع المتحدث أن المناخ الانتخابي يسوده التوتر بسبب سجن قيادات سياسية ورفض مطالب ترشح عدد من المعارضين للسلطة وعدم إلتزام هيئة الانتخابات بتطبيق قرار المحكمة الإدارية القاضي بإعادة الوزير السابق المنذر الزنايدي والأمين العام لحزب "الإنجاز والعمل" عبد اللطيف المكي والناشط السياسي عماد الدايمي إضافة إلى سجن المترشح الرئاسي العياشي زمال.

و أشار إلى أن هيئة الانتخابات حددت سقفا للإنفاق على الحملات الانتخابية وصفه بـ"غير المقبول" إلى جانب منع الهيئات الرقابية من حقها في مراقبة الانتخابات، مشددا على أن ذلك سيؤدي إلى " اهتزاز ثقة التونسيين في الانتخابات وضعف في نسبة المشاركة فيها وتشكيك قانوني في هذه العملية الانتخابية برمتها بسبب مخالفة أحكام المحكمة الإدارية".

"ظروف طيبة"

من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للانتخابات، محمد تليلي المنصري، إن هيئة الانتخابات استعدت لوجيستيا وتنظيميا على أكمل وجه لتأمين ظروف طيبة لإجراء الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر القادم.

وأضاف المنصري في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن الهيئة خصصت لهذا الموعد 558 عون رقابة حملة وأكثر من 6900 مكان مخصص لتعليق معلقات المترشحين وتخصيص ثلاث وحدات رصد لرفع التقارير بخصوص المخالفات إضافة إلى الجانب التشريعي الخاص بالقرارات الترتيبية التي تتعلق برقابة الأنشطة والتمويل الانتخابي والتغطية الإعلامية وتحديد سقف انفاق في حدود 150 ألف دينار (نحو 50 ألف دولار) للدور الأول من الانتخابات و 100ألف دينار للدور الثاني.

وبخصوص الانتقادات الموجهة لهيئة الانتخابات بشأن المسار الانتخابي، أشار المنصري إلى أن الهيئة اعتادت على "حملات التشكيك في كل المسارات الانتخابية" مؤكدا أن المهم هو "تطبيق القانون وأعمالنا مفتوحة للجميع عبر منح الاعتمادات لكل الملاحظين إلا لمن خالفوا مدونة السلوك والقوانين".

وشدد المتحدث على وجود ما اعتبرها كل الضمانات من أجل إجراء انتخابات شفافة ونزيهة تؤدي إلى قبول النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية.

أما في ما يخص وضعية المرشح الرئاسي العياشي زمال القابع في السجن، فقد أوضح المتحدث ذاته بأن هناك مسارين أحدهما انتخابي والآخر قضائي لا دخل للهيئة فيه احتراما لمؤسسات الدولة.

وأشار إلى أنه من الناحية الانتخابية، "يعتبر العياشي زمال مترشح للرئاسيات وسيواصل خوض الانتخابات واسمه مثبّت على ورقة الاقتراع وليس هناك مبدئيا أي تأثير على وضعيته كمترشح للانتخابات الرئاسية".

يشار إلى أن الحملة الانتخابية الرئاسية في الخارج انطلقت منذ 12 سبتمبر الجاري لتتواصل إلى غاية 2 أكتوبر القادم على أن يجرى الاقتراع بالخارج أيام 4 و5 و6 أكتوبر القادم، وفق الرزنامة التي ضبطتها الهيئة العليا للانتخابات.

المصدر: أصوات مغاربية