شرع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الإثنين، في زيارة عمل إلى مصر تدوم يومين.
وتعد الزيارة ثاني أهم زيارة خارجية للرئيس الجزائري بعد تلك التي قادته مؤخرا إلى تونس، قبل نحو شهر.
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن سفر الرئيس الجزائري إلى القاهرة سيكون "فرصة لتعزيز العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين وتوسيع مجالات التعاون الثنائي، وكذا مواصلة التنسيق والتشاور حول أهم القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك".
وشهدت العلاقات الجزائرية المصرية، مؤخرا، ديناميكية كبيرة ميزتها زيارات متبادلة لمسؤولي البلدين، كان آخرها زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى القاهرة، حيث حظي باستقبال من طرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
محطات حساسة
وتجمع الجزائر بمصر علاقات قوية، خاصة في بداية الخمسينات، حيث كانت القاهرة وقتها وجهة لكبار المسؤولين التاريخيين في الجزائر من أجل الإعداد لإطلاق شرارة ثورة التحرير.
ولم تخف مصر، وقتها، دعم ومساندة الجزائريين من أجل تحقيق مشروع الاستقلال الذي تجسد في سنة 1962.
وظلت العلاقات متميزة بين البلدين إلى غاية الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع آنذاك، هواري بومدين، ضد الرئيس الجزائري أحمد بن بلة عام 1965، حيث تعكرت الأجواء بين الطرفين بسبب "الحظوة" التي كان يتمتع بها الأخير عند الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وتمكن الرئيس هواري بومدين من تجاوز هذه الحساسية الطارئة بين العلاقات بعدها، من خلال السماح بمشاركة الجيش الجزائري في "الحرب العربية - الإسرائيلية".
لكن سرعان ما عادت هذه العلاقات لتتدهور مجددا بعد انخراط الرئيس المصري أنور السادات في معاهدة السلام مع الطرف الإسرائيلي، وإمضائه على اتفاقية "كامب ديفيد". وقتها قاطعت الجزائر، رفقة بلدان عربية أخرى، النظام المصري وفضلت الانخراط في ما كان يعرف بـ"جبهة التصدي والصمود".
وظل التنافر مستمرا بين الطرفين إلى غاية مجيء الرئيس محمد حسني مبارك إلى السلطة مطلع الثمانينات، وبقي الوضع يترنح وفق ما كانت تمليه بعض الملفات الإقليمية والعربية.
ورقة القمة العربية
وتأتي زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى مصر بعد الجدل الذي أثير حول تاريخ انعقاد قمة الجامعة العربية التي ستنعقد بالجزائر، خاصة بعدما نفت الجزائر بشكل رسمي عدم وجود أية نية لإرجاء هذه القمة، على عكس ما أكده مساعد رئيس الجامعة العربية عندما كشف عن تأجيلها لموعد لاحق بسبب وباء كورونا.
وفي الصدد، يقول الناشط السياسي والأستاذ الجامعي المتخصص في التاريخ، رابح لونيسي، إن الحكومة الجزائرية "تدرك جيدا الثقل الذي تتمتع به مصر عربيا لذا تحاول الاعتماد عليها بهدف إنجاح القمة المرتقبة".
وأضاف في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "بعض العواصم العربية تسعى لإفشال القمة التي ستعقد في الجزائر على خلفية حرص الرئيس عبد المجيد تبون على إعادة سورية إلى الجامعة العربية والمشاركة في الدورة القادمة، وهو الأمر الذي لا يشكل إجماعا عربيا".
وأشار لونيسي إلى "وجود تقارب كبير في بنية النظامين السياسيين في الجزائر ومصر ما يجعل فرصة تقوية التقارب بينها أمرا واردا بالنظر إلى الأخطار المشتركة التي تهدد البلدين".
وأكد المتحدث ذاته أن "الرئيس الجزائري يحاول في مساعيه محاكاة وتقليد الرئيس الأسبق هواري بومدين من خلال إحياء البعد القومي والتركيز على القضية الفلسطينية والبحث عن قواسم مشتركة مع العديد من الدول العربية، بالرغم من اختلاف الظروف السياسية بين الرجلين".
الملف الليبي
وراهن النظام السياسي في مصر على دعم المشير خلفية حفتر وتقوية تحركات جيشه في ميدان الصراع الليبي، في حين اتخذت الجزائر موقفا مناقضا لذلك، عندما رفضت الاعتراف بالأخير وفضلت التعامل مع الحكومة المؤقتة المعترف بها دوليا.
وظل الملف الليبي يمثل واحدا من أبرز أوجه الصراع السياسي غير المعلن بين الجزائر والقاهرة، خاصة مع عمليات التصعيد العسكري التي قادها المشير خليفة حفتر منذ عامين قصد الوصول إلى طرابلس.
ويعتقد المحلل السياسي، أحمد ميزاب، أن "الوضع الداخلي في ليبيا يعرف منذ مدة العديد من المتغيرات"، مضيفا "هي الحقيقة التي يدركها بشكل جيد قادة البلدين".
وأشار المتحدث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن "الأوراق في الداخل الليبي لم تعد بين يدي القوى التقليدية المعروفة بعد دخول منافسين جدد إلى الساحة، وهو أمر يفرض على النظامين المصري والجزائري مراجعة العديد من الحسابات بخصوص الملف اللليبي".
وأكد ميزاب أن "تعثر المسار الانتخابي في ليبيا وإصرار بعض الجهات الأجنبية على تعكير الأجواء هناك يفرض على دول الجوار على إطلاق تصورات مشتركة جديدة من أجل الدفع عملية التسوية السياسية هناك".
ولم يستبعد أن تكون "زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى مصر فرصة للتوقيع على مذكرة تفاهم بين الطرفين يتم خلالها رسم سياسة جديدة لدور دول الجوار في الملف الليبي حتى يعود هذا البلد الشقيق إلى مسار التسوية السياسية".
المصدر: أصوات مغاربية