تراجع أم انقسام؟.. موقف المجلس الأعلى من تعيين باشاغا يثير جدلا في ليبيا
خلط رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، وهو بمثابة غرفة ثانية للبرلمان ومقره طرابلس، الأوراق بدفاعه عن تعيين مجلس النواب المنعقد في الشرق رئيسا جديدا للوزراء، متجاوزا الانقسامات التقليدية بين شرق البلاد وغربها، في وقت يؤكد عبد الحميد الدبيبة عدم تنازله عن السلطة إلا لحكومة منتخبة.
لكن بعدما أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، موافقته، السبت، في تصريحات تلفزيونية، على قرار البرلمان، بتعيين فتحي باشاغا، رئيسا جديدا للحكومة، صدر بيان من المجلس الأعلى للدولة، الأحد، عليه توقيعه، يؤكد أنه "لم يتم اتخاذ قرار نهائي"، مما أثار التساؤل إن كان تراجعا أم أن هناك انقساما داخليا.
بيان صحفي لرئيس المجلس الأعلى للدولة.
Posted by المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة on Sunday, February 13, 2022
وذكر بيان المجلس: "نؤكد للجميع أن التعديل الدستوري الثاني عشر الصادر عن مجلس النواب، وكذلك تغيير رئيس الوزراء هي قرارات غير نهائية، وهناك العديد من الملاحظات حولها، وأن قرار المجلس بهذا الخصوص، سيكون خلال جلسة رسمية، وبشفافية كاملة مقدمين الحرص على سلامة الوطن ووحدته وحرمة الدم الليبي بعيدا عن أي مكاسبة سياسية ومصالح ضيقة قد يفكر البعض فيها".
تراجع أم انقسام؟
واعتبر المحلل الليبي، عبدالله الكبير، في تصريح لموقع "الحرة"، البيان تراجعا من المشري أمام الرفض الشعبي المتصاعد، والمطالب التي بدأت تتزايد والداعية إلى إسقاط المجلسين.

وقبل صدور البيان، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، صالح جعودة، في تصريحات تلفزيونية، إن "كلمة المشري جانبها الصواب على أقل ما يمكن أن أقوله فيها، خاصة وأنها جاءت متناقضة مع تصريحاته من قبل"، مؤكدا أن المجلس لم يقر شيئا حتى الآن.
وكشف جعودة أن المجلس سيعقد جلسة في طرابلس، الإثنين، لاتخاذ قراره بشأن ما صدر عن البرلمان الذي ينعقد في الشرق.
لكن الخبير القانوني الليبي، مجدي الشبعاني، رأى في حديثه مع موقع "الحرة"، أن تصريحات المشري كانت "سياسية بامتياز"، من أجل الحصول على بعض المكاسب للمجلس الأعلى للدولة.
وأضاف أن جلسة المجلس الأعلى للدولة، الإثنين، إما سيتم فيها القبول بكافة الإجراءات التي اتخذها البرلمان مما يعني تمريرها، أو الاعتراض على جزء منها مما يعني العودة بالعملية السياسية لنقطة ما"، مشيرا إلى أن ما أراده مجلس الدولة تحصّل عليه، وهو التعديل الدستوري 12 المتعلق بمشروع الدستور.
والتعديل الدستوري مفاده أن يكون لمجلس الدولة والبرلمان دور في تعديل مشروع الدستور، الذي كتبته هيئة دستورية منتخبة.
ويوضح الشبعاني أن "الدستور يرسم شكل الدولة وشروط من يحق له أن يترشح لرئاسة الدولة وبالأخص مسألة الجنسية، وهذه أغلب أعضاء مجلس الدولة يعترضون عليها، والآن سمح لهم من خلال هذا التعديل فرض رؤيتهم وإضافة ملاحظاتهم".
لكن جعودة أكد في الوقت ذاته أن هناك انقساما داخل المجلس الأعلى للدولة، "ما قاله المشري بموافقته على تعيين باشاغا، يعبر حقيقة عن موقف مجموعة من المجلس وليس كل المجلس".
في انتظار جلسة المجلس الأعلى
ويقول الكبير "ربما كان المشري يخطط للموافقة على إجراءات مجلس النواب، بمعنى أن يوافق على تعديل المادة 12 فيحصل على اشتراك المجلس الأعلى للدولة في التعديل على الدستور مقابل الموافقة على باشاغا في منصب رئيس الحكومة، لكن لا أعتقد أن مجلس الدولة سيؤيد قرار البرلمان نظرا للحراك الشعبي المضاد".

وتم تنصيب الدبيبة العام الماضي رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية، وهي هيئة جرى تشكيلها عبر عملية دعمتها الأمم المتحدة لتوحيد المؤسسات الليبية المنقسمة، والإشراف على الفترة التي تسبق الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر.
وبعد انهيار العملية الانتخابية، وسط خلافات بين الفصائل حول قواعدها، تحرك البرلمان للسيطرة على العملية السياسية بإعلان خارطة طريق جديدة للانتخابات واستبدال الحكومة المؤقتة.
ويعتبر مجلس النواب أن التفويض الذي منحه لحكومة الدبيبة قد انتهى، بينما يؤكد الأخير أنه لن يتنازل عن السلطة، إلا لحكومة منتخبة.
وبذلك، تجد ليبيا نفسها مع رئيسين للوزراء في مأزق مؤسسي ليس بجديد بعد أن حكمت البلد لأعوام حكومتان متنافستان في الشرق والغرب.
لكن هذه المرة، لم يعد الصراع بين الشرق والغرب، بل بين فاعلين رئيسيين من المنطقتين.
ويتحدر فتحي باشاغا من مدينة مصراتة على غرار عبد الحميد الدبيبة، وقد التقى في ديسمبر المشير خليفة حفتر في بنغازي شرقي البلاد باسم المصالحة الوطنية.
والتقى باشاغا حفتر رغم أنه كان في صدارة جهود التصدي لهجومه على طرابلس عام 2019 عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة.
وقد رحب جيش حفتر الخميس بتعيين "عدوه السابق" الذي أمامه 12 يوما لعرض تشكيلته الحكومية على البرلمان.
وتوجه باشاغا إلى طرابلس جوا ليلة الخميس قبل عملية تشكيل الحكومة التي تستغرق أسبوعين، وقال إنه يتوقع أن يُسلم الدبيبة السلطة سلميا.
تحرك مجموعات مسلحة
ويأتي الجدل الدائر حاليا، مع احتشاد مجموعات مسلحة في طرابلس قادمة من مصراتة الواقعة على بعد حوالي 200 كيلومتر شرقها، مما ينذر بأزمة جديدة يخشى أن تتحول إلى مواجهة مسلحة بين أنصار رئيس الحكومة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ومؤيدي الرئيس المكلف فتحي باشاغا.
ويؤكد وصول القافلة المسلحة خطر تجدد القتال في ليبيا، مع اندلاع الأزمة في أعقاب تحركات في الأسابيع الماضية من فصائل مسلحة تدعم أطرافا سياسية مختلفة.
وفي ظل هذه الفوضى السياسية، التقت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز،، كلا من الدبيبة وباشاغا، حيث شددت خلال اللقاءين المنفصلين، على أهمية حفاظ جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات على الهدوء على الأرض من أجل وحدة واستقرار ليبيا، وضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة "في أقرب وقت ممكن".
2/1 زرتُ اليوم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، السيد عبد الحميد الدبيبة، لبحث آخر التطورات والتصويت الذي أجراه مجلس النواب لاعتماد تعديل دستوري وتعيين رئيس وزراء جديد. pic.twitter.com/CIcYF4BMXe
— Stephanie Turco Williams (@SASGonLibya) February 13, 2022
وكانت الأمم المتحدة أعلنت قبل أيام استمرار دعمها للدبيبة رئيسا للوزراء، وهو ما زاد من ضبابية المشهد السياسي، خاصة في ظل تأخر الإعلان عن تاريخ لإجراء الانتخابات، التي تم تأجيلها في ظل صراع القوى السياسية.
لكن الكبير يقول إن التحرك المسلح لن يتطور إلى حرب.
وأوضح "لا أحد يريد الحرب. ولن يدخل باشاغا للعاصمة بالقوة لأنه سيعتبر معتديا".
ووجه جعودة خطابا لباشاغا قائلا "أنت واحد من الذين تصدوا للعدوان على العاصمة، فلا تجعل تكليفك برئاسة الوزراء سببا في تمزيق مدينتك والذهاب لا سمح الله بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه".
كما التقيت اليوم رئيس الوزراء المكلف، السيد فتحي باشاغا، وأكدت على ضرورة المضي قدماً بطريقة شفافة وتوافقية من دون أي اقصاء، وشددتُ على الحفاظ على الاستقرار في طرابلس وفي جميع أنحاء البلاد، وأنه يتوجب مواصلة التركيز على إجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة وشاملة في أقرب وقت ممكن. pic.twitter.com/tYu9KmYdtz
— Stephanie Turco Williams (@SASGonLibya) February 13, 2022
كما قال في المقابل للدبيبة "إن المطالبين ببقائك على رأس السلطة إلى حين الانتخابات ليس صكا على بياض، عليك أن تقوم بخطوات فعلية نحو انتخابات حقيقية وجادّة، وأن تطهر حكومتك من أولئك الفاسدين والمفسدين وأن تجعل أولويات حكومتك الذهاب إلى استفتاء وانتخابات".
- المصدر: موقع "الحرة"