تتزايد الدعوات الدولية والحقوقية المطالبة بربط أي حزمة إنقاذ للاقتصاد التونسي بقيام الرئيس، قيس سعيّد، بإصلاحات سياسية تقود إلى الديمقراطية وإشراك المعارضة في مؤسسات الدولة.
وتتّهم المعارضة السياسية بتونس الرئيس بـ "الانجراف الاستبدادي" منذ قراره في 25 يوليو 2021 احتكار السلطات في البلاد، وهو ما ينفيه مؤيدوه مشيرين إلى "الشلل المؤسساتي" الذي عاشته البلاد منذ الثورة في 2011.
وتزامنت محاولة سعيّد تأسيس نظام جديد برئاسة تنفيذية قوية مع أزمة مالية تهدد بإفلاس الدولة، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم والإنفاق العام وتآكل قدرة البلاد على جلب العملة الصعبة.
وتدعو قطاعات عريضة من النشطاء المعارضين للنظام الجديد المقرضين الدوليين إلى اشتراط ليس فقط الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، إنما أيضا إصلاحات سياسية عميقة تُعيد البلاد إلى فترة ما قبل ترامي سعيّد على السلطة التشريعية والقضائية، إثر حل البرلمان وطرد قضاة وملاحقة آخرين، بينما يرى مؤيديوه أن بلادهم "مستهدفة".
تحذير من إنقاذ سعيّد
وفي هذا السياق، كتب الباحث السياسي، شادي حميد، في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، داعياً الولايات المتحدة إلى "الضغط على صندوق النقد الدولي لربط دعمه بالإصلاح السياسي".
وكانت تونس تتفاوض للحصور على قرض متفق عليه في أكتوبر الماضي بقيمة 1.9 مليار دولار.
وقال شادي، وهو زميل بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز (مؤسسة فكرية أميركية)، إنه بعد 20 شهرا من قيام الرئيس التونسي بـ"ما يرقى إلى الانقلاب الذاتي، فإن حكمه الاستبدادي يرسخ نفسه ويترسخ"، مشيرا إلى أن "القمع" الذي بدا "مؤقتا ومتقطعا"، أصبح الآن "منهجيا".
وتحدث عن اعتقالات لشخصيات معارضة بارزة واستخدام المحاكمات العسكرية ضد المعارضين، بالإضافة إلى تصريحاته "عنصرية" ضد المهاجرين الأفارقة لقيت "استحسان" شخصيات من أقصى اليمين الأوروبي، بما في ذلك المرشح الرئاسي الفرنسي السابق، إريك زمور.
وكانت السلطات التونسية قد شنت في الأسابيع الماضية حملة إيقافات واسعة ضد عدد كبير من الشخصيات تواجه شبهات بالضلوع في جرائم إرهابية وأخرى تتعلق بالتآمر على أمن الدولة وغيرها من التهم.
وأصدر القضاء بطاقات إيداع بالسجن ضد ثلاثة قياديين بجبهة الخلاص المعارضة وهم جوهر بن مبارك ورضا بالحاج وشيماء عيسى.
وضمت القائمة أيضا القيادي بالحزب الجمهوري عصام الشابي ورجل الأعمال كمال اللطيف والقيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي.
كما تم إيقاف النائب السابق عن حزب تحيا تونس، وليد جلاد، والقيادي بحركة النهضة، نور الدين البحيري، والمحامي والوزير السابق لزهر العكرمي، إضافة إلى القاضيين المعروفين الطيب راشد والبشير العكرمي.
وعلاوة على حملة الاعتقالات، هاجم سعيّد من وصفهم بـ "جحافل المهاجرين"، لافتا إلى وجود "ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس" من أجل "توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء" في البلاد.
وخلقت هذه التصريحات ضجة واسعة عبر العالم، إذ نددت منظمات غير الحكومية بما وصفته بالخطاب "العنصري"، كما استنكره الاتحاد الأفريقي واعتبر تصريحات الرئيس "صادمة"، ودفع ذلك البنك الدولي إلى تعليق تعاونه مع تونس "حتى إشعار آخر".
ووفقاً للباحث شادي حميد، فإن تونس ليست حاليا أولوية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة، لكنه شدد على أن هذا الوضع يجب أن يتغيّر، لأن "الديكتاتور المتهور المسؤول عن الاقتصاد المنهار هو وصفة للفوضى، مع الآثار غير المباشرة المحتملة التي قد تؤثر على المنطقة بأكملها"، على حد قوله.
وأردف: "لم يفت الأوان بعد على الولايات المتحدة وحلفائها لعكس هذه الاتجاهات ومنع البلاد من الانزلاق إلى عقود من الحكم الاستبدادي".
غير أنه رجع للتأكيد أنه يجب على واشنطن وشركائها "التحرك على الفور".
واقترح الباحث أن تستخدم الولايات المتحدة - بصفتها أكبر مساهم في صندوق النقد الدول - نفوذها من أجل وقف خطة إنقاذ الحكومة التونسية ريثما "تفي بشروط سياسية محددة، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين وإقامة حوار وطني شامل حقيقي".
تأتي هذه الدعوات تزامنا مع تحركات أميركية داخل الكونغرس لدفع البيت الأبيض إلى "ربط المساعدات لتونس باستعادة الحكم الديمقراطي".
فقد وجه 20 عضوا بالكونغرس رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، طلبوا فيها ربط المساعدات باستعادة الديمقراطية في تونس، منددين فيها بما وصفوه بـ"توطيد الحكم الاستبدادي".
وقال الأعضاء الموقعون على الرسالة، الثلاثاء، "نشجع الإدارة على ضمان أن أي مساعدة خارجية أميركية لتونس تدعم استعادة الحكم الديمقراطي الشامل وسيادة القانون، أو تدعم بشكل مباشر التونسيين الذين هم في أمس الحاجة إلى الاقتصاد".
وبالإضافة إلى الدور الأميركي داخل صندوق النقد الدولي، فإن واشنطن تدعم تونس على المستويات الاقتصادية والأمنية والعسكرية من خلال عدة مؤسسات على غرار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومكتب المساعدات الخارجية ومؤسسة "تحدي الألفية".
"ابتزاز" وبحث عن بدائل؟
وينفي سعيد باستمرار الاتهامات الموجهة إليه بمحاولة "تركيز نظام استبدادي"، قائلا إن "الحقوق والحريات مضمونة بنص الدستور" الجديد الذي أيده التونسيون في يوليو الماضي.
ويؤكد أنصاره أنه يسعى إلى استكمال مشروعه السياسي القائم على نظام رئاسي معزّز ووضع حد للنظام البرلماني الذي أُقر إثر ثورة 2011 التي أطاحت نظام زين العابدين بن علي ووضعت البلاد على طريق انتقال ديموقراطي فريد في المنطقة.
أما بخصوص اعتقال المعارضين، فقد أكد سعيّد أن من تم توقيفهم "إرهابيون ولا بد أن يحاسبوا بالقانون".
وينتقد العديد من مؤيديه ربط مساعدات صندوق النقد الدولي بالقيام بإصلاحات سياسية، مشيرين إلى أن ذلك بمثابة "ابتزاز"، وتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
واحتجت الرئاسة ووزارة الخارجية مرارا على تصريحات مسؤولين غربيين يدعون الرئيس لإقرار الديمقراطية.
وفي هذا الصدد، قال الباحث السياسي التونسي، محمد بوعود، في تصريحات لـ"أصوات مغاربية، إن "الدول الغربية لها مصالح في تونس، لهذا تسعى إلى إبقاء التابعين لها في مؤسسات الدولة بمبرر الدفاع عن الديمقراطية".
وأضاف بوعود أن "التيارات السياسية والفكرية التي كانت تتقاسم المشهد السياسي في تونس قبل 25 يوليو لها ارتباطات وعلاقات بكثير من الدول والمنظمات، وهي التي تؤلب حاليا ضد الحكومة التونسية".
وقال إن المعارضين للرئيس "أفرزوا ضغطا إعلاميا وسياسيا بزخم شديد سواء في الخارج وفي الداخل"، و"هذه الدوافع جعلت دولا غربية وأبرزها أميركا تتجه نحو ربط الدعم الاقتصادي بالإصلاح السياسي وبعودة الأحزاب السابقة".
ومضى قائلا إن "دمقرطة تونس ليست أولوية للدول الغربية، إنما تضغط على حكومة سعيّد من أجل حساباتها الخاصة"، وإن "هناك صراع نفوذ قوي بين فرنسا وأميركيا وحتى إيطاليا العائدة من بعيد" على دول المنطقة.
وتابع: "تونس تقع بالدرجة الأساسية في منطقة الاستهداف، والحسابات الدولية التي تتعلل بالديمقراطية تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لنفوذها في البلاد".
ويحاكي هذا التوجه رغبة أنصار سعيّد في إقناع الدول الغربية إلى أن سعيد "يمثل الديمقراطية الحقيقة".
ففي مطلع الأسبوع الحالي، دعت تونس الاتّحاد الأوروبي إلى "تفهّم خصوصية الوضع"، وذلك ردّاً على تصريحات متتالية لقادة أوروبيين حذّروا فيها من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد والمخاطر المحتملة على أوروبا.
وقال زير الخارجية، نبيل عمّار، في بيان، إن بلاده تدعو "الجانب الأوروبي إلى تفهّم خصوصية ودقّة المرحلة التي تمرّ بها بلادنا واعتماد خطاب مسؤول وبنّاء يعكس حقيقة الواقع ويثمّن ما تمّ تحقيقه في إطار السعي إلى إرساء ديموقراطية حقيقية".
وأضاف أنّ "بلادنا تعوّل على إمكانياتها الذاتية وعلى الدعم الاقتصادي والمالي لشركائها، بما فيهم الاتّحاد الأوروبي، لإنجاح مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وأتت هذه الدعوة بعدما أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مطلع الأسبوع الفائت، أنّ التكتل يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها.
وتتسارع أطراف إقليمية لدعم تونس مخافة حدوث سيناريو الانهيار.
وقالت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء، الأربعاء، إن "اتصالات مكثفة تجري بين إيطاليا والجزائر تركز على الملف التونسي الذي يحتل حاليا مركز اهتمامات البلدين".
ونقلت عن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، تأكيده "الحاجة الماسة إلى تقديم مساعدة اقتصادية لتونس والحاجة في نفس الوقت إلى تنفيذ الإصلاحات".
وأضاف المصدر نفسه "تدرس الجزائر، التي قدمت بالفعل 300 مليون دولار كمساعدات لتونس، والتي تزودها بالغاز والنفط مجانًا عمليًا، إمكانية إجراء مبادرة مالية مشتركة مع بعض الدول العربية لدعم تونس في شهر رمضان".
وأشارت إلى إمكانية عقد "اجتماع للمانحين بين الجزائر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر لتعبئة ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار".
المصدر: أصوات مغاربية/ فرانس برس/ رويترز/ أسوشيتد برس/ نوفا