يواصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حملات الدعم المالي لفائدة شريحة واسعة.
وبقدر ما أثار هذا الأمر إعجاب شريحة المستضعفين ومحدودي الدخل في هذا البلد المغاربي، بقدر ما دفع أيضا ملاحظين إلى طرح التساؤل عما إذا كان ذلك مرتبطا بالتحضير لعهدة انتخابية ثانية، وهل ما يجري الآن هو مؤشر حقيقي على وجود رغبة لدى الرئيس الجزائري بالترشح لعهدة رئاسية ثانية.
قبل سنة ونصف عن إجراء ثاني استحقاق رئاسي في الجزائر، بعد مرحلة الحراك الشعبي، بدأت الساحة المحلية تهتم بهذا الموضوع، رغم "السكوت المطبق" الذي تلتزم به الجهات الرسمية، وعلى رأسها الرئيس عبد المجيد تبون، حيال الملف.
وقبل أشهر، سُئل الرئيس الجزائري عن موقفه من رئاسيات 2024، وهل لديه الرغبة في الترشح، فأكد بأنه "لا يفكر في الأمر بتاتا على اعتبار أن الأمر سابق لأوانه".
"الطريقة البوتفليقية"
وقد تجدد النقاش حول الرئاسيات القادمة على خلفية سياسة الدعم الاجتماعي التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون، دفعة واحدة، حيث شملت زياردة في أجور الموظفين، ومنح المتقاعدين والبطالين، قبل أن يتم الإعلان مؤخرا عن رفع منحة التضامن بالنسبة للفئات الهشة.
وقد ذكّرت هذه الأساليب كثيرا من الجزائريين بما كان يقوم به الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، عندما كان ينظم زيارات ميدانية لأغلب الولايات، قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية، ويغدق على سكانها بشتى أنواع المساعدات المالية والمادية.
وقد حاولت وكالة الأنباء الرسمية استباق "القراءات السياسية" التي عبرت عنها بعض الأطراف المحلية لهذه المساعدات من خلال التأكيد على أن ما يقوم به الرئيس عبد المجيد تبون هو "مواصلته الحرب لاسترجاع كرامة المواطن الجزائري مثلما وعد في حملته الانتخابية الخاصة برئاسيات 2019".
وقالت الوكالة في مقال نشرته عبر موقعها أمس إن "صون كرامة المواطنين على اختلاف فئاتهم وحماية قدرتهم الشرائية، يضعه السيد الرئيس وفقا لرسالته بمناسبة اليوم العالمي للشغل لسنة 2022، فوق كل اعتبار واهتمام، إلى جانب الحفاظ على مناصب الشغل والرعاية الاجتماعية، فيرصد لها ما أمكن من موارد مالية، لا سيما لصالح الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود والفئات الهشة، وتلك حقيقة لا يمكن إخفاؤها أو إنكارها".
سلم اجتماعي ورئاسيات
لكن حسب المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، رابح لونيسي، فإن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يشير إلى وجود "علاقة مباشرة بين ما يقدمه الرئيس الجزائري من دعم مالي كبير للفئات المعوزة وبين التحضير الانتخابي الخاص بعهدته الرئاسية الثانية.
وقال المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "الظاهر أن هناك ارتباطا واضحا بين المحطتين، لكن هناك عامل آخر يصبو إليه الرئيس الجزائري يتعلق بشراء السلم الاجتماعي الذي عادة ما يؤثر أيضا في سياسات النظام الجزائري منذ1962".
وتابع لونيسي "النظام يشعر بأن هناك نقصا في شرعيته، لذا يسعى لاكتسابها بكل الوسائل ومنها هذه الزيادات، فهي سياسة ثابتة، فكلنا نتذكر كيف حقق بومدين الشرعية بالتنمية وشراء السلم الاجتماعي".
واستبعد المتحدث أن "يكون هناك مترشح آخر يمثل النظم السياسي في الجزائر خلال الاستحقاقات القادمة، دون الرئيس الحالي"، مشيرا إلى أن "هذا الخيار يضمن لحفاظ على الاستقرار، وأن محاولة انتخاب رئيس جديد، في تقاليد النظام الجزائري، قد يهز الاستقرار داخل مؤسسات الدولة الكبرى، ومنها الجيش".
وأفاد بأن "الجزائر تشهد حاليا مرحلة التحضير لهذه العهدة تحت غطاء الحفاظ على الاستقرار دائما وتحت عنوان كبير هو تحقيق إنجازات لا نعلم إن كانت حقيقية أو وهمية كما يحدث دائما منذ1962".
أوراق الرئيس
وانتخب الرئيس عبد المجيد تبون كمترشح حر في انتخابات ديسمبر 2019، بعد مسيرة حافلة قضاها في سلك الإدراة، ثم الحكومة، قبل أن يعين وزيرا أول في المراحل الأخيرة من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ورجح البرلماني السابق والأستاذ الجامعي، إدريس فاضلي، بأن لا تكون نية للرئيس الحالي في الاعتماد على نفس الطرق القديمة من أجل الاستمرار في الحكم، خاصة اللجوء إلى "سياسة شراء السلم الاجتماعي لكسب أصوات المواطنين".
وقال في الصدد "ما يقوم به الرئيس تبون حاليا من زيادات في الأجور ورفع لمنح المتقاعدين يؤشر على وجود أريحية مالية كبيرة في بلادنا، ما دفع المسؤولين إلى التفكير في تحسين وضعية المواطنين، وهو أمر يحدث في أي بلد، بل يعتبر ذلك واجبا يقوم على عاتق الدولة".
وحسب فاضلي، فإن "معركة الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون على أساس خطط وبرامج واقعية بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة الماضية".
وتابع في الصدد "لمسة الرئيس الجزائري كانت واضحة على الصعيد الاقتصادي وما حققه من مكاسب عديدة، فضلا عن الاعترافات التي نالها في الشق الدبلوماسي والعلاقات الدولية، وهي جميعها أوراق أوجدت له مكانة خاصة عند الجزائريين الذين يلقبونه بعمي تبون وليس تبون الرئيس".
المصدر: أصوات مغاربية