أسفر المشهد السياسي الليبي مجددا، هذا الأسبوع، عن تصدع داخل معكسر شرق البلاد، بعد إيقاف رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب (بنغازي)، فتحي باشاغا، عن مهامه وتعيين بدله شخصية غير معروفة بالمشهد الإعلامي، وهو أسامة حماد.
والأربعاء، باشر حماد - الذي يتولى أيضا حقيبة "التخطيط والمالية" بالحكومة نفسها - عمله الجديد بعد يوم من تكليفه من قبل مجلس النواب، الذي أحال رئيسه السابق إلى التحقيق.
ووسط تضارب التكهنات بشأن تبلور تحالفات جديدة في هذا البلد المغاربي، تُشكل هذه الهزة فرصة لأسامة حماد للبروز في مشهد سياسي تتحرك فيها التوازنات والصفقات بشكل سريع بين أطراف حكومية وتشريعية وأمنية متعددة في الشرق والغرب معاً.
وفي الأشهر الماضية، ظهرت أيضا تصدعات في معسكر غرب ليبيا بين رئيس المجلس الأعلى للدولة ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة مع تقارب الأول مع خصوم الأمس بالشرق، كما تندلع بين الفينة والأخرى اشتباكات مسلحة بين ميلشيات أمنية مختلفة بطرابلس.
ويدرك حماد - الذي انطلق سياسياً من شرق ليبيا وتولى منصباً غربها- هذا الوضع، إذ بدأ تحركاته بلقاءات عديدة في غضون ساعات قليلة اجتمع فيها مع كل من نائب رئيس الحكومة، علي القطراني، ثم محافظ مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، مرعي رحيل البرعصي، وأخيرا رئيس مجلس النواب، عقلية صالح.
تكنوقراط "قريب" من صالح
ووفق الخبير في الشأن الليبي، إسماعيل السنوسي، فإن حماد (44 عاما)، الذي يتحدر من منطقة أجدابيا القريبة من بنغازي (شرق)، شخصية "تكنوقراطية شابة وكادر إداري أكثر منه شخصية سياسية ذات ثقل قبلي".
وأضاف السنوسي، في تصريحات لـ"أصوات مغاربية"، أن الرجل "يجنح إلى المهنية الإدارية أكثر من النفوذ السياسي، لكنه مقرب جداً من عقيلة صالح"، فالأخير هو الذي "رشحه" أولا لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، ثم لاحقا ضمن حكومة باشاغا.
وأردف: "أكثر من ذلك، في حكومة الوفاق كان وزيرا للمالية فقط، بينما في حكومة باشاغا حمَل حقيبتي المالية والتخطيط".
وشدد على أن هاتين الوزارتين مهمتين جدا في صرف أموال الميزانية، ما يعني أنه يتمتع بدور أكبر، إذ "تمر الميزانية الليبية أولاً عبر وزارة التخطيط ثم تالياً وزارة المالية قبل أن تصل إلى رئاسة الوزراء".
وفي هذا السياق، ذكر السنوسي أن مهمة حماد على رأس الحكومة المكلفة من مجلس النواب "ستنحصر في إعادة توزيع الأموال التي تحصّلت عليها حكومة باشاغا (نحو أربعة مليارات دولار)، والدليل على ذلك هو جلوسه مع رئيس المصرف المركزي الموازي في أول يوم من تعيينه".
وأشار إلى أن أسامة حماد قد يُراجع بعض قرارات باشاغا المالية بشأن توزيع الميزانية بـ"التساوي" على كل مناطق ليبيا، مردفا "هذا كان مرفوضا لدى النواب بالبرلمان، الذي يريدون إنفاق هذه الأموال على الجنوب والشرق الليبي حصراً".
كما لم يستبعد المتحدث نفسه إمكانية دفع أسامة حماد لتأسيس مجالس إدارة موازية للشركات الحكومية الليبية، التي يقع مقرها حالياً في طرابلس، قائلا إن هذا الأمر "كان يرفضه باشاغا رفضاً مطلقاً على اعتبار أنه يُرجع إلى الأذهان سيناريو الانقسام بين حكومتي السراج وعبد الله الثني" قبل سنوات.
وتحدث على أن حماد "الذي لا يُعرف عليه توجه سياسي محدد"، قد لا يتولى المنصب الحكومي "بشكل كامل"، إذ عيّن باشاغا قبل قرار إيقافه نائبه، علي القطراني، وهو شخصية ذات نفوذ سياسي واسع لتولي المهام الحكومية، مضيفا "مقر رئاسة الحكومة في بنغازي تسّلمه بالفعل، أسامة حماد، لكن يبدو أن الأمور السياسية سيحسم فيها القطراني".
وخلص إلى أن كل هذه التطورات الجديدة في المشهد "تمسّ التوازن الهش" الموجود في البلاد، مؤكدا أن تعيين "وجه جديد" و"اضطراب الصلاحيات" و"تبدّل الولاءات" كلها أشياء تعقّد مهمة تنظيم الانتخابات، وتصب في اتجاه استمرار الانقسام السياسي.
مهمة "مؤقتة"
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي والمتحدث السابق باسم حكومة الوفاق الليبية، محمد السلاك، بأن أسامة حماد "ليس شخصية جديدة في المشهد الليبي"، فهو يتمتع بـ"خلفية اقتصادية قوية وعلاقات وطيدة مع القيادة العامة للجيش الليبي"، في إشارة إلى قوات الجنرال القوي في شرق البلاد، خليفة حفتر.
وأضاف السلاك، الذي عمل إلى جانب حماد ضمن حكومة الوفاق، أن "وجوده الآن مسألة مؤقتة، رغم أن هذا الوضع قد يستمر لمدة طويلة، إذ يعتمد هذا على التفاهمات بين الشرق والغرب".
ووفقا للمتحدث ذاته، فإن ما يجري "مقدمة لما تم تسريبه من أنباء حول تقدم المفاوضات بين المعسكر الشرقي وفصائل مسلحة نافذة في الغرب الليبي حول مسألة تشكيل حكومة موحدة، إما بتشكيل حكومة موسعة جديدة بالكامل أو تعديل حكومة الدبيبة بإقحام عناصر من الشرق فيها".
وكانت وسائل إعلام محليّة ليبية تحدثت بالفعل عن رفض باشاغا للتفاهمات الجديدة، التي سعت على ما يبدو إلى جعله "عضواً" بحكومة الدبيبة بمقتضى صفقة بين أجزاء من معسكر الغرب والشرق.
وليس الغرب كله مؤيداً للتحركات الأخيرة، فقد وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، الثلاثاء، إيقاف باشاغا وتعيين حماد بـ"العبث السياسي"، داعيا مجلس النواب إلى الاتفاق مع مجلس الدولة على "خارطة طريق واضحة" تقود البلاد إلى الانتخابات.
ندعو مجلس النواب إلى الالتفات لمصلحة الدولة العليا بالاتفاق مع المجلس الأعلى للدولة على خارطة طريق واضحة تؤدي إلى الانتخابات في ظل حكومة موحدة صغيرة لغرض إجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية والكف عن الإسهاب في إصدار القوانين والتشريعات التي لا تتطلبها المرحلة الحالية. 3/3
— خالد المشري (@KhaledMeshri) May 16, 2023
لكن السلاك يرى أن تعيين حماد وهو "شخصية وازنة" لقيادة الحكومة مرحلياً "مسألة ملحّة من أجل تشكيل حكومة موحدة حتى نستطيع تنظيم الانتخابات بنهاية هذا العام".
وتوقع أن تكشف الأيام المقبلة كواليس خطوة تعيين حماد لتعويض باشاغا والغرض منها، وإن كان ذلك مقدمة بالفعل لبداية جديدة أم لمزيد من الانقسام.
لكنه قال إن حماد "شخصية ملائمة لتسيير هذه الحكومة إلى إشعار آخر".
المصدر: أصوات مغاربية