تعيش تونس هذه الأيام على وقع نقص حاد في مادة الخبز التي تعتبر أساسية في مائدة الطعام المحليّة.
وقد أغلقت نحو 30 بالمئة من المخابز العصرية - التي تنتج الخبز غير المدعم - أبوابها في ظل الاضطرابات الحادة في توزيع الدقيق، وفق ما كشفه مهنيون في القطاع.
وأثارت هذه التطورات مخاوف من حدوث أزمة خبز جديدة خاصة مع اقتراب أشهر الصيف التي تتضاعف فيها معدلات الاستهلاك.
وسارع الرئيس، قيس سعيّد، الإثنين، إلى اتهام "دوائر ولوبيات أسمائها معروفة" بالسعي إلى تأجيج الأوضاع.
وأضاف "لا يمكن أن نواصل التعامل مع هؤلاء (لم يسمهم) ونتركهم يعبثون بقوت المواطن وبحياته في كل أوجهها من خبز وسكر وقهوة والزيت وغيرها"، موجها اتهامات إلى "جملة من الشبكات الإجرامية التي تعمل على تجويع الشعب"، على حد تعبيره.
وتُعيد أزمة الخبز الحالية إلى الأذهان مظاهرات واحتجاجات عنيفة بسبب الرغيف بالمنطقة المغاربية في السنوات الماضية، مثل أحداث كوميرا بالمغرب وانتفاضة الرغيف بتونس وأزمة الخبز الجزائرية.
المغرب.. "انتفاضة الكوميرا"
قبل أزيد من أربعين عاما، لعلع الرصاص وسط مدينة الدار البيضاء بعدما خرج مئات من سكان "العاصمة الاقتصادية" للشوارع في 20 يونيو 1981، رافضين زيادة في أسعار الخبز بنحو 180 في المئة وأسعار مواد أساسية أخرى.
وقد ردت السلطات على الاحتجاجات بنشر قوات الجيش في دروب المدينة وشنت حملة واسعة من الاعتقالات.
أزهقت أرواح كثيرة، وتضاربت أرقام عدد الضحايا بين الرواية الرسمية، التي قالت إن عددهم وصل إلى 60 قتيلا، فيما تحدثت الهيئات الحقوقية عن ما يزيد عن 600 قتيل.
لاحقا، تم اعتقال المئات، خاصة الفاعلين منهم داخل النقابات، التي خاضت الإضراب، وتم غلق صحيفتي "المحرر" و"ليبيراسيون" التابعتين لـ"حزب الاتحاد الاشتراكي"، الذي كان من أبرز أحزاب المعارضة آنذاك.
اشتهرت الأحداث، التي وقعت إبان فترة حكم العاهل الراحل الحسن الثاني، باسم "انتفاضة الكوميرا" وضحاياها "شهداء كوميرا"، وهو وصف أطلقه وزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري، على من قضوا في الأحداث.
وتعني "الكوميرا" بالعامية المغربية نوعا من "الخبز الفرنسي"، عمودي الشكل يتم تناوله غالبا خلال وجبة الإفطار.
تونس.. "انتفاضة الخبز"
في نهاية ديسمبر 1983، اندلعت "انتفاضة الخبز"، أو "أحداث الخبز" في تونس بعد رفع الدعم عن عدد من السلع الأساسية وارتفاع أسعار الخبز.
واندلعت الاحتجاجات ضد حكومة الرئيس، الحبيب بورقيبة (1957 – 1987)، أولا في سوق أسبوعية بمدينة دوز الجنوبية، ثم انتقلت إلى مناطق مجاورة مثل مدينة سوق الأحد ثم وقبلي وقابس لتتصاعد خلال الأيام الموالية حتى وصلت إلى العاصمة تونس في أوائل يناير 1984.
تحركت السلطات بنشر الجيش في الشوارع وحظر الجولان والتجمعات.
وكانت حصيلة المواجهات بين قوات النظام والمحتجين مقتل ما يزيد عن 80 شخصا، بحسب أرقام رسمية، والمئات من القتلى بفعل إطلاق الرصاص، بحسب مصادر غير رسمية.
وقام نظام بورقيبة بقمع "انتفاضة الخبز"، ووقعت مصادمات بين قواته والمتظاهرين خلفت 84 قتيلا وأكثر من تسعمئة جريح حسب المصادر الرسمية، ومئات من القتلى وآلاف الجرحى وفقا لأحزاب معارضة.
الجزائر.. "ثورة الخبز"
في الثمانينات أيضا، عرفت الجزائر إبان حكم الرئيس الشاذلي بن جديد (1979-1992) اندلاع ما سمي حينها بـ"ثورة الخبز".
ففي الخامس من أكتوبر 1988، خرج الجزائريون إلى الشوارع للاحتجاج بسبب الوضع الاقتصادي والحالة العامة بالبلاد في ظل سياسة الحزب الوحيد، مطالبين بتحسين الظروف المعيشية وإرساء الحرية والديمقراطية.
وخرجشباب حراك 1988 مشتكيا ظروفه الاجتماعية المزرية، إثر انهيار قدرته الشرائية بفعل تراجع أسعار النفط منذ عام 1986، وانسداد أفق التعبير الحر، في ظل سياسة الحزب الواحد، ممثلا في حزب جبهة التحرير الوطني.
وأطلقت صحيفة "الشروق" الجزائرية على أحداث الخامس من أكتوبر "ثورة الخبز"، مضيفة أن تلك الانتفاضة و "احتجاجات" يناير 2011 متشابهتان، "فكلاهما استنكر تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار".
وأفضت تلك الأحداث، التي حملت لاحقا اسم "الربيع العربي الجزائري"، إلى انفتاح البلاد على اقتصاد السوق والتعددية الحزبية والإعلامية، لكن راح أيضا ضحيتها 159 شخصا وفق الأرقام الرسمية، وأكثر من 500 ضحية، حسب نشطاء حقوقيين.
وفي الواقع، فإن الإرهاصات الأولى لهذه الانتفاضة بدأت منذ عام 1986، إثر زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية، التي كانت تدعمها الحكومة، كما بات وجود هذه الموادّ نادرا في المحلات التجارية،
فقد رفض المحتجون قرار رفع الدعم عن هذه المواد وخرجوا في احتجاجات بمدينتي قسنطينة وسطيف شرق البلاد.
كانت نتيجة المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين مصرع خمسة أشخاص.
المصدر: أصوات مغاربية