داخل محل لبيع الخبز في تونس

تتحرك الحكومة التونسية على أكثر من جبهة لإعادة توزيع الخبز إلى مستوياته العادية بهدف الخروج من أزمة تلقى فيها السلطات باللوم على الاحتكار ويعزوها خبراء اقتصاديون إلى الوضع المالي الصعب الذي يمر به هذا البلد المغاربي.

والثلاثاء، تعهدت الغرفة النقابية لأصحاب المخابز في اجتماع مع وزيرة التجارة بـ" الالتزام بتوفير مادة الخبز المدعم على مدار اليوم ومساندة مجهودات الدولة في ذلك".

وجاء في بلاغ للوزارة أنه "تم التأكيد على ضرورة التنسيق بين الإدارة والغرفة الوطنية للمطاحن والغرفة النقابية الوطنية لأصحاب المخابز للتدخل بصفة حينية لمعالجة أي اشكال تتم معاينته من شأنه أن يؤثر على نسق التزويد بمادة الخبز".

كما أفضت حملات رقابية قامت بها وزارة التجارة إلى حجز عشرات الأطنان من مادة الطحين المستخدمة في صناعة الخبز بسبب مخالفة القوانين.

وجاءت هذه الحملات، عقب أيام من دعوة الرئيس قيس سعيد الحكومة إلى اتخاذ "إجراءات عاجلة" لمجابهة أزمة الخبز  الذي أكد أنه "خط أحمر بالنسبة للتونسيين"، محذرا من وجود "تحايل" و"تلاعب".

وقال سعيد "هناك خبز واحد للتونسيين، وينتهي الأمر (...) اليوم أصبح هناك خبز للفقراء وخبز للأثرياء، وكأنها طريقة ملتوية لرفع الدعم عن الحبوب"، متسائلا عن سبب عدم نيل المواطن حاجته من المخابز المدعمة، في حين أنه يحصل عليه من أخرى غير مدعمة وبأسعار مرتفعة.

وتحدث الرئيس التونسي عن "تحايل" إذ أشار إلى أن هناك من يقتني الخبز المدعم ويبيعه للمخابز غير المصنفة، مؤكدا أن الهدف من ذلك "ضرب التونسيين في قوتهم ومعاشهم". 

وتبعا لذلك، شدد سعيد في معرض حديثه على ضرورة العمل على وقف إجراء تصنيف المخابز إلى مصنفة وأخرى غير مصنفة.

وتنقسم المخابز في هذا البلد المغاربي إلى نوعين، الأول مصنف ويتمتع بدعم الدولة للمواد الأولية، بينما لا يحظى النوع الثاني بهذا الدعم، ويتعلق الأمر بالمخابز غير المصنفة أو العصرية.

والاثنين، أعلنت المخابز غير المصنفة عن توقفها عن صنع الخبز الذي يباع بأسعار تفوق أسعار الخبز المدعم.
وتدعم السلطات أسعار الخبز بنحو 300 مليون دولار سنويا، وفق إحصائيات رسمية.

ووفقا للمعطيات الرسمية أيضا، يتم إتلاف أكثر من 320 مليون قطعة خبز سنويا، ما دفع خبراء للمطالبة بإدخال تعديلات على نظام الدعم.

وفي الفترة الأخيرة، اصطفت طوابير من الزبائن أمام المخابز بحثا عن رغيف الخبز الذي يعتبر أساسيا في الوجبات اليومية للتونسيين، كما اضطرت بعض المخابز لغلق أبوابها نتيجة عدم قدرتها على تلبية حاجيات زبائنها.

ورغم إلقاء السلطات باللوم في هذه الأزمة على "المحتكرين" و"المتلاعبين بقوت التونسيين"، فإن ذلك لا يمنع خبراء من ربط "النقص الفادح في الخبز بالأزمة الاقتصادية الخانقة".

وفي هذا السياق، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي إن "الحكومة لجأت إلى مبررات شعبوية لتفسير نقص الخبز وذلك للتغطية عن فشلها في تعبئة ميزانية الدولة بما يسمح بتوريد المواد الأولية بالكميات الكافية".

وتوقع الشكندالي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن "تمتد هذه الأزمة لتشمل قائمة أخرى من المواد الأساسية على غرار السكر والقهوة والبنزين وذلك بسبب غياب الموارد الضرورية من العملة الصعبة".

وكحل لهذه الأزمة، طالب الخبير الاقتصادي السلطات بـ"ضرورة الإسراع في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي بما يفتح المجال أمام تونس للخروج إلى الأسواق المالية الدولية بنسب فائدة مريحة فضلا عن تبنى خطة إنقاذ اقتصادي عاجلة".

وإلى جانب الأزمة المالية، تواجه تونس موجة جفاف حادة أدت إلى تراجع محاصيلها من الحبوب بنسبة 60 بالمئة خلال الموسم الجاري مقارنة بالعام الماضي (تم تجميع 2.7 مليون قنطار هذا العام و7.5 مليون قنطار العام الماضي).

ويثير تراجع محاصيل الحبوب هذا الموسم مخاوف لدى خبراء من أزمة غذاء تهدد التونسيين خلال الأشهر المقبلة خاصة مع ارتفاع أسعار الحبوب في العالم بفعل وقف اتفاق تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا الذي وقع في 2022 برعاية أممية.

وتحتاج السوق الاستهلاكية التونسية إلى ثلاثين مليون قنطار من القمح والشعير سنويا وتستورد في غالب الأحيان 60 إلى 70 بالمئة من حاجياتها من الأسواق الخارجية خصوصا أوكرانيا وروسيا.


المصدر: أصوات مغاربية
 

مواضيع ذات صلة

المغرب أقر في عام 2021 تقنين زراعة القنب الهندي لاستعمالات طبية وصناعية
المغرب أقر في عام 2021 تقنين زراعة القنب الهندي لاستعمالات طبية وصناعية

يقود نشطاء بالمغرب حملة ترافعية منذ أيام لفتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي (المعروف محليا بالكيف وهو نبتة يستخرج منها مخدر الحشيش)، وذلك بعد مرور 3 سنوات على مصادقة الحكومة على قانون يجيز زراعته لاستعمالات طبية وصناعية.

حملة "100 عام من التجريم.. باركا (يكفي)" أطلقها "المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي" و حراك "نداء من أجل فتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي" باشرت في الأيام الأخيرة عقد لقاءات مع فرق برلمانية لجعل مسألة الاستهلاك الترفيهي للقنب الهندي قضية رأي عام والضغط من أجل وقف تجريمه.

استكمالا للقاء الذي جمع جانب من نشطاء دينامية "نداء من أجل فتح نقاش عمومي من أجل الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي" انعقد...

Posted by Chakib AL Khayari on Wednesday, October 23, 2024

وبهذه اللقاءات تكون الحملة قد مرت إلى مرحلة ثانية من هذا المسعى الذي انطلق أول مرة في يونيو عام 2023، أياما قليلة من إعلان السلطات المغربية عن الانطلاقة الرسمية لزراعة أول محصول من المادة موجه للاستخدام الطبي.

استقبل الاخ الرئيس الدكتور نورالدين مضيان مساء يومه الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 ، بمقر الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية...

Posted by Nouredin Moudian on Tuesday, October 22, 2024

كما تأتي أيضا بعد نحو شهرين من إصدار العاهل المغربي الملك محمد السادس عفوا عن أكثر من 4800 من مزارعي القنب الهندي ممّن أدينوا أو يلاحقون بتهم تتعلّق بهذه الزراعة.

وقالت وزارة العدل حينها إنّ العفو الملكي شمل "4831 شخصا مدانين أو متابعين أو مبحوثا عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي"، وأوضحت أن هذه الخطوة ستمكن المشمولين به "من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي".

وظل القنب الهندي رغم منعه قانونيا منذ عام 1954 يُزرع في جبال الريف، شمال البلاد، ويستخرج منه مخدر الحشيش الذي يهرب إلى أوروبا، وفق ما أكدته تقارير دولية ومحلية.

قطاع مشغل وتوصيات رسمية

وفي عام 2020، صنف التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة المغرب أول منتج لهذا المخدر في العالم.

وتقدر المساحة الاجمالية لزراعة القنب الهندي بالمغرب بـ71.424 هكتارا، وتنتشر بشكل خاص شمال البلاد وتحديدا في إقليمي شفشاون والحسيمة، وينتج الهكتار الواحد من هذه الزراعة 700 كيلوغرام من القنب، بينما يعيش 400 ألف شخص من هذا النشاط، وفق تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية).

وتنطلق حملة "100 عام من التجريم.. باركا (يكفي)" أيضا من توصيات مؤسسات دولية ومحلية دعت الدولة المغربية إلى التفكير في سن تشريعات تجيز الاستهلاك الشخصي للقنب الهندي أسوة بعدد من الدول حول العالم.

وجاء في تقرير أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عام 2020 أنه "ينبغي التفكير في تضمين الاستعمال الشخصي المقنن للقنب الهندي عبر قنوات توزيع خاصة وبكميات محددة وفي أماكن معينة".

وأضاف معدو التقرير "أنه ثمة توجها قويا على الصعيد الدولي، ولا سيما في أوروبا وإفريقيا، لتوسيع مجال الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي وهو ما سيمكن من القطع مع الممارسات الاستهلاكية غير المقننة الحالية التي تعرض الشباب لمخاطر على صعيد التوازن الذهني والنفسي والسلامة الصحية عموما".

بدورهم يرى المدافعون عن الاستخدام الترفيهي للمخدرات أن تقنينه يمكن أن يقلل من الإقبال على السوق السوداء لشرائها، ويزيد من المشتريات القانونية، ما ينتج عنه عائدات ضريبية مهمة للدولة.

أدرداك: التقنين سيخول للأفراد ممارسة عاداتهم بكل حرية  

تعليقا على الموضوع، قال الشريف أدرداك، رئيس المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي إن الحملة تستهدف فتح نقاش وطني يرفع الحظر عن تعاطي القنب "سيما أن استهلاكه لا ينطوي على تأثيرات صحية سلبية مقارنة بالتبغ والكحول".

وأوضح أدرداك، في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن الحملة تنطلق أيضا من كون استهلاك هذه المادة "يشكل عنصرا ثقافيا مهما للمغاربة الذين ينتمي معظمهم للأمازيغ" مضيفا "هذا الأخير يعتبر أحد أهم الشعوب الأصلية في العالم، وهو الأمر الذي يخول له الحق في ممارسة عاداته وثقافته بكل حرية وفقا لمبادئ الأمم المتحدة".

وبالعودة إلى اللقاءات التي عقدها نشطاء الحراك مع بعض الفرق البرلمانية مؤخرا، أوضح أدرداك أن اجتماع الثلاثاء الماضي مع الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية (معارض) والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية (مشارك في التحالف الحكومي) بمجلس النواب "مثل نقطة انطلاقة مهمة لفتح هذا النقاش وقد توج اللقاءين بتعهد الفعاليتين السياسيتين بعرض هذا الموضوع على طاولة أحزاب أخرى".

وفي مقابل هذا المسعى يطرح أيضا السؤال حول مدى استعداد الدولة وعموم المغاربة لتقبل وضع تشريعات تبيح استهلاك القنب الهندي، رغم ترحيب الكثير من المواطنين بتقنين زراعته لاستعمالات طبية وصناعية.

ويرد أدرداك بالقول "أعتقد ان الدولة لا تعترض على مسألة تقنين الاستهلاك التقليدي للكيف في شقه الترفيهي، فقد سبق للجنة النموذج التنموي وكذا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أوصوا بضرورة تقنين الكيف للاستعمال الترفيهي".

وتابع "كما أن حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلاموي -والذي يعارض هذا التقنين- لم يعد له حضور مجتمعي أو سياسي مهم مما يعني غياب صوت معارض لهذا التوجه الذي أضحى عالميا خصوصا وأن العديد من الدول قننت الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي وكان خرها ألمانيا".

خياري: حرية فردية وعائدات اقتصادية

بدوره، يرى الناشط الحقوقي ومنسق الائتلاف من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، شكيب خياري، أنه آن الأوان لفتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقنب، مستعرضا مجموعة من الأسباب.

ويوضح خياري، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الدعوة لفتح النقاش تأتي في سياق "حرمان" عدد من المزارعين شمال المغرب من رخص زراعة القنب بعد تقنينه.

وتابع "استحضرنا أيضا عنصرا كان غائبا في النقاش السابق وهو مستهلك القنب الهندي الترفيهي، وهي دعوة جاءت بالاستناد على توصيتين رفعتا إلى جلالة الملك، الأولى من مؤسسة عمومية دستورية وهي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وأخرى من لجنة شكلها الملك وهي لجنة النموذج التنموي التي وضعت التصور التنموي الجديد للمغرب، ومضمون التوصيتين ضرورة إلغاء تجريم استهلاك القنب الهندي الترفيهي والاتجار فيه وفق كميات وأماكن واستعمالات محددة بدقة".

ووفق شكيب خياري، الذي حضر أيضا اللقاءات الأخيرة مع الفرق البرلمانية فالدعوة إلى فتح نقاش عام حول الاستعمال الترفيهي للقنب تعود لسنوات، مشيرا في هذا الصدد إلى حملة أطلقها عام 2008 انسجاما مع تقارير أممية.

ويضيف "بالنسبة لنا في المغرب، كان لا بد من التفكير في الحفاظ على زراعة القنب الهندي مع توجيه استعمالاته إلى استعمالات إيجابية تتوافق مع الاتفاقية الدولية بشأن المخدرات التي تعتبر المملكة المغربية طرفا فيها، على أن ذلك سيوفر بديلا للمزارعين الذين كانوا مضطرين للانخراط قسرا في حلقة الاتجار غير المشروع بالمخدرات".

وإلى جانب الانتصار للحرية الفردية في استهلاك القنب، يتوقع الناشط الحقوقي أيضا أن يعود التقنين بالكثير من النفع على اقتصاد البلاد وعلى كلفة علاج المدمنين.

وختم بالقول "نترافع من أجل فتح نقاش عمومي في المملكة المغربية للتفكير الجماعي في مدى إمكان استغلال هذه الإباحة في تقليص المخاطر الصحية ومكافحة الإدمان وفي ذات الوقت توفير بديل اقتصادي مشروع مكمل للاقتصاد الطبي والصناعي للقنب الهندي وكذا لاستفادة الدولة من مداخيل مهمة جراء ذلك، سواء من خلال تضريب الأرباح أو تقليص نفقات علاج أضرار الاستهلاك على الصحة".

المصدر: أصوات مغاربية