انتقد تقرير صادر، أمس الإثنين، عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" سياسات حكومات دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط المتعلقة بمساندة الطبقات الفقيرة والهشة قصد مواجهة إرهاصات الأزمة الاقتصادية العالمية.
ولفتت الباحثة بهذه المنظمة الحقوقية، سارة سعدون، إلى "المعاناة المتواصلة" لهذه الفئات، مؤكدة أن "الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجهون تفاقم الضغوط الاقتصادية وانعدام الاستقرار، لكن حكوماتهم لا تستجيب بفعالية لهذه التحديات"، كما دعت هذه الدول إلى "إنهاء المقاربات الجزئية والموجَّهة التي تعتمدها للحماية الاجتماعية ووضع استراتيجيات لتمكين الجميع من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية".
وكشف تقرير منظمة "هيومن راتس وواتش" أن العديد من الحكومات في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط تتعرض لضغوطات متزايدة من أجل التخلي عن سياسة الدعم التي طالما شكلت أحد أهم عناصر العقد الاجتماعي، خاصة ما تعلق بدعم المواد الأساسية، واسعة الاستهلاك.
وقدم البنك الدولي، شهر أبريل الماضي، دراسة حول آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على الفئات الفقيرة والهشة.
وتنبأ البنك الدولي بنمو اقتصادي بطيء لدول المنطقة في عام 2023، محذرا من "استمرار تداعيات التضخم، الذي بلغ 10 بالمائة بخصوص المواد الغذائية، على الأسر الأشد فقراً".
الدول المغاربية والأزمة
وتأثرت الأوضاع الاقتصادية في المنطقة المغاربية بشكل كبير خلال السنتين الأخيرتين، وفق ما تبرزه أرقام وإحصائيات تتعلق بالتداعيات التي أحدثها أزمة كورونا على البنية الاجتماعية في هذه الدول، قبل أن تظهر الحرب الروسية الأوكرانية التي عقدت المشهد أكثر مما كان عليه الأمر في البداية.
وفي شهر أكتوبر الماضي، كشفت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب أن حوالي 3.2 مليون شخص إضافي تدهورت أوضاعهم المعيشية، تحت التأثير المزدوج للأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا والتضخم.
وأوضحت هيئة الإحصاءات الرسمية في البلاد أن حوالي 45 في المئة من إجمالي هذا الارتفاع العددي يرجع إلى تبعات جائحة كورونا، و55 في المائة إلى ارتفاع الأسعار.
وأضاف المصدر ذاته، في مذكرة تحت عنوان "تطور الفوارق الاجتماعية في سياق آثار كوفيد 19 وارتفاع الأسعار"، أن التقديرات تشير إلى فقدان ما يقرب من سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة.
أما بالجزائر، فقد أفادت دراسة قدمها موقع "وورلد كرانش" بأن ثروة هذا البلد المغاربي من الموارد الطبيعية "لم تعد كافية لإخفاء تخلف اقتصاد البلاد عن الجيران المغاربيين، ومن المرجح أن تواجه صعوبات خطيرة في حوالي عام 2028".
ووفق الموقع فقد "سجلت الجزائر، لأول مرة منذ استقلالها في عام 1962، أدنى مستوى للناتج المحلي الإجمالي للفرد خلال عام 2021، قبل أن يرتفع مجددا بسبب ارتفاع استثنائي وجيز في أسعار المحروقات في العام التالي".
وقال موقع "وورلد كرانش" إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الجزائري بلغ 3691 دولارا في عام 2021، مقارنة بـ3807 دولارات بتونس و3795 دولارا بالمغرب.
وفي ليبيا بلغت نسبة البطالة مستويات قياسية، حيث قدرت بـ 19.6 في المئة، وفق ما أعلنه البنك الدولي.
وأشارت الهيئة الدولية إلى أن أكثر من 85 في المئة من السكان النشطين اقتصاديا يعملون في القطاع العام والاقتصاد غير الرسمي.
وقال المصدر ذاته إن اقتصاد هذا البلد المغاربي شهد عام 2022 انكماشا بـ1.2 في المئة وسط تضخم مدفوع بدرجة كبيرة بارتفاع أسعار المواد الغذائية والإسكان والكهرباء.
ولا يبدو وضع تونس أفضل من المغرب والجزائر أو ليبيا، فقد قفز معدل التضخم إلى مستويات قياسية ليصل في نوفمبر الماضي إلى 9.8 بالمئة من أصل 9.2 بالمئة في أكتوبر، وسط محاولات حكومية للتقليل من حدة ارتفاع الأسعار محليا مقارنة بالأسواق الدولية.
وفي الأشهر الماضية، خلت المحلات التجارية من سلع غذائية أساسية في مطابخ التونسيين، خاصة السّكر ومختلف المواد الغذائية المرتبطة به، ما أدى إلى توتر واحتجاجات.
وتبلغ حاجيات التمويل لسدّ عجز الميزانية في تونس نحو 23.5 مليار دينار في عام 2023 الذي تصفه الأوساط الرسمية بـ "عام صعب للغاية" لتونس مع تضخّم متوقع بنسبة 10.5 في المئة.
ورغم الثروات التي تتمتع بها، تشهد موريتانيا نسبة فقر متقدمة في المنطقة المغاربية بمعدل 31 بالمائة من نسبة السكان، بمعنى أن قرابة ثلث الشعب يواجه صعوبات وتعقيدات كبيرة في الحصول على قوت يومه، فيما ترتفع نسبة البطالة في البلاد خاصة بين صفوف الشباب وفي القوى العاملة النشطة بشكل عام، ويبلغ عدد السكان المحتاجين للعمل 443 ألف عاطل عن العمل، ما يمثل 36.9% من السكان، وهي من بين النسب الأعلى في العالم.
الفساد والاقتصاد
وتطرق التقرير الجديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، الصادر أمس، إلى أسباب "عدم نجاعة" برامج الحماية الاجتماعية في هذه المنطقة، وذكر منها ممارسات الفساد التي تغلب على سياسات بعض الحكومات.
وقال الرئيس السابق للهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الفساد، المحامي شوقي الطبيب، إن "ممارسات الفساد التي تنتهجها بعض الحكومات المغاربية تعتبر المسؤول الرئيسي لمعاناة الطبقات الهشة والفقيرة".
وتنبأ المتحدث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن "تتعقد وضعية هذه الطبقة أكثر خلال السنوات القادمة في حال لم تتبن هذه الدول معايير جديدة من القوامة والحوكمة في إدارة الشأن العام، خاصة ما تعلق بتسيير الملفات الاقتصادية التي لها علاقة مباشرة بالوضع الاجتماعي للمواطن المغربي".
وأفاد الطبيب بأن "الفساد أضحى يتسم بصفة نظامية داخل أركان والمؤسسات الرسمية في المنطقة المغاربية، وهذا ما يؤثر على جميع السياسات التي تضعها هذه الحكومات منم أجل التغلب على مظاهر الفقر لأن المستفيد الأول والأخير سيكون جماعات المال وليس الطبقة الفقرة كما يعتقد البعض".
ودعا المتحدث الحكومات المغاربية إلى تبني مقاربات تختلف شكلا ومضمونا عن السياسات السابقة وتمنح الأولوية فيها إلى "محاربة شتى أشكال الفساد وممارساته من أجهزة الدولة".
تأثر نسبي
أما أستاذ الاقتصاد، مراد كواشي، فقد رفض تعميم فكرة تعميم "التأثر السلبي وضعف الحكومات في الاستجابة للطبقات الهشة على جميع دول المنطقة المغاربية.
وقال الخبير الجزائري لـ"أصوات مغاربية": "تأثر المنطقة المغاربية بجائحة كورونا وبالحرب الروسية الأوكرانية يختلف من بلد لآخر، بل إن هناك بلدا مثل الجزائر، استفادت من المتغيرات الاقتصادية التي شهدها العالم بعد غزو القوات الروسية للأراضي الأوكرانية، حيث ارتفعت الطلبات على مواردها الغازية من أوروبا وأنحاء مختلفة في العالم".
وأضاف "لقد ساعد هذا الوضع الحكومة الجزائرية في بعث الاستمرار في سياسة الدعم الاجتماعي من خلال اتخاذ جملة من التدابير مثل الزيادات في الأجور وتخصيص منحة خاصة بالبطالين".
وأكد كواشي أن "السلطات الجزائرية حاولت استباق تداعيات الوضع الاقتصادي العالمي على الطبقة الهشة فأعدت لأكبر ميزانية في تاريخها، وهو الأمر الذي خفف من معاناة الفقراء في البلاد".
المصدر: أصوات مغاربية