فاجأت إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باثيلي، أمام أعضاء مجلس الأمن، الثلاثاء، بعض المراقبين إثر تأكيده أهمية تشكيل جهاز تنفيذي جديد في هذا البلد المغاربي، قائلا إن "تشكيل حكومة موحدة، يتفق عليها الفاعلون الرئيسيون، أمر ضروري لقيادة البلاد إلى الانتخابات".
وفي أواخر فبراير الماضي، أعلن باثيلي إطلاق "مبادرة" تسعى لإنشاء "لجنة توجيهية رفيعة المستوى" من أجل تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد هذا العام، مشيرا إلى أن هذه اللجنة ستعمل على "تسهيل اعتماد إطار قانوني وخارطة طريق مرتبطة بجدول زمني لإجراء الانتخابات في العام 2023" و"تحقيق توافق حول قضايا ذات صلة مثل أمن الانتخابات واعتماد مدونة لقواعد السلوك للمرشحين".
لكن انتفض مجلسا "النواب" و"الأعلى للدولة" ضد هذا الاقتراح، ما دفعهما إلى الدخول في مفاوضات عديدة أسفرت عن تكوين لجنة 6+6، التي خرجت بقوانين انتخابية واتفاقات مثيرة للجدل تحفظ عليها باثيلي، إذ نصّت على تشكيل "حكومة موحدة" لقيادة البلاد إلى الانتخابات عوضا عن حكومة "الوحدة الوطنية" في طرابلس برئاسة، عبد الحميد الدبيبة، و"حكومة الاستقرار" الموازية بقيادة، أسامة حماد.
"تراجع نسبي"
ويعتقد المحلل السياسي الليبي، عبد الله كبير، أن باثيلي "تراجعَ بشكل نسبي عن خططه السابقة"، لكن "لم يتضح بعد ماذا يقصد بالتحديد بالدعوة إلى تشكيل حكومة موحدة".
ويشير كبير، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، إلى أن هناك "سيناريوهين اليوم، إما توحيد الحكومتين الحاليتين، أو الذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة تماما"، قبل أن يضيف "توحيد الحكومتين خطوة أسهل، لأن البديل هو تنظيم ملتقى سياسي جديد وهو ما سيأخذ بعض الوقت نظراً لحدة التنافس بين الشخصيات التي قد ترغب برئاسة هذه الحكومة".
ويردف: "وبالتالي، لا نعرف ما هي الطريقة التي ستُشكّل بها هذه الحكومة".
ورغم ذلك، يوضح المتحدث نفسه أن باثيلي "لن يُفوض مجلسي النواب والدولة تشكيل أي حكومة بديلة، مخافة عدم اعتراف العديد من الأطراف السياسية الأخرى بهذا الكيان السياسي الجديد".
ويرجح كبير أن يكون باثيلي "رضخ لرغبة بعض الأطراف السياسية الليبية"، مؤكدا أن الاجتماع الثلاثي الأخير بين رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، والمشير، خليفة حفتر، كان "هدفه قطع الطريق على باثيلي لكي لا يعلن عن أي مبادرة سياسية جديدة قد تُخرجهم من العملية السياسية".
وتابع أن "الاشتباكات الأخيرة في طرابلس بين قوة الردع واللواء 444 كشفت أن حكومة الدبيبة غير قادرة على السيطرة على التشكيلات المسلحة المتنافرة في العاصمة" قبل أن يخلص إلى أن "كل هذه التطورات دفعت على ما يبدو المبعوث الأممي إلى الحديث لأول مرة عن تشكيل حكومة موحدة جديدة".
"نكوص.. وخلط أوراق"
من جانبه، يقول الخبير في الشأن السياسي الليبي، محمود إسماعيل، إن إحاطة المبعوث الأممي عبارة عن "تراجع عن وعوده السابقة"، "وخلط للأوراق السياسية المبعثرة أصلا" في ليبيا.
ويتساءل إسماعيل، في حديث مع "أصوات مغاربية"، عن جدوى إنشاء "حكومة تاسعة في ليبيا منذ 2011"، قائلا "هل سيتم تعيينها؟ وهل سيتم قبولها من الأجسام السياسية الحالية؟"، قبل أن يردف "كأنّ الخلل هو تنفيذي وليس تشريعي، والواقع أن الليبيين يبحثون عن قوانين انتخابات مصدرها الجسم التشريعي".
وفي شهر يونيو الماضي، وقع الأعضاء في لجنة 6+6 على القوانين الخاصة بتنظيم الانتخابات في اجتماع عقد بالمغرب، إلا أن جهات عديدة أبدت تحفظات بشأن ذلك على خلفية "عدم اقتناعها" بما ورد في هذه الأرضية الجديدة، أو الطريقة التي جرت بها.
ووفقا للمتحدث نفسه، فإن "نكوص المبعوث الأممي على وعوده السابقة يعني تغييرا في خارطة الطريق، وهي مسألة صعبة في ظل الفوضى والانقسام الحاد في البلد"، لافتا إلى أن "السبب الأساسي لتراجع باثيلي عن مبادرته هو تدخل بعض الدول الإقليمية في العملية السياسية بالدفع لتشكيل حكومة موحدة، بالإضافة إلى الاشتباكات الأخيرة التي حصلت بطرابلس والتي تدل على وجود هشاشة أمنية هناك، وأخيرا بسبب عدم وجود أفق لحل الأزمة السياسية عبر الذهاب إلى الانتخابات".
وكانت ليبيا شهدت، قبل أيام، اقتتالا أسفر عن مصرع نحو 55 شخصا فيما أصيب نحو 150 بحسب مصادر طبية إثر مواجهات دامية بين "اللواء 444" وقوة "الردع". واندلعت المواجهات بسبب احتجاز "الردع" للعقيد، محمود حمزة، آمر "اللواء 444".
- المصدر: أصوات مغاربية