حذرت منظمات حقوقية وتقارير إعلامية دولية من "انتهاكات" حقوقية بشرق ليبيا في أعقاب الإعصار دانيال الذي ضرب المنطقة قبل نحو أسبوعين وتسبب في آلاف القتلى المفقودين وفي تدمير جل البنى التحتية.
وعندما بدأ غليان السكان يزداد إثر احتجاج المئات أمام المسجد الكبير في مدينة درنة مطالبين بمحاسبة السلطات التي يحملونها مسؤولية الخسائر البشرية الكبيرة، انقطعت خدمة الهواتف النقالة والإنترنت لمدة يومين، كما طالبت السلطات الصحافيين بإخلاء المدينة.
اعتقالات.. والتضييق على إعلاميين
وقالت منظمة العفو الدولية، التي وثقت حوادث اعتقال الصحافيين والمحتجين، إن قوات المشير خليفة حفتر "شددت" في 18 سبتمبر "القيود المفروضة على الصحفيين بعدما نزل آلاف السكان وعمال الإنقاذ المتطوعين لشوارع درنة للمطالبة بالمساءلة على الخسائر الفادحة في الأرواح الناجمة عن الفيضانات الكارثية".
ونقلت المنظمة الدولية، ومقرها لندن، عن "شهود" تأكيدهم "تعرض منتقدين ومحتجين للاعتقال في إطار الجهود التي تبذلها القوات المسلحة العربية الليبية للتحكم بسبل الوصول إلى الإعلام والسيطرة عليها".
وفي هذا السياق، قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أمنستي، ديانا الطحاوي، إن الخسائر في الأرواح والدمار في درنة وليبيا "تشكل مأساة لا يمكن تصورها".
وأضافت "بدلاَ من التركيز على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى كافة المجتمعات المتضررة، تلجأ القوات المسلحة العربية الليبية مرة أخرى إلى آلة القمع المتقنة جيدًا لإسكات المنتقدين وكم أفواه المجتمع المدني والتملص من المسؤولية".
وتابعت: "ينبغي على السلطات الليبية وأولئك الذين يسيطرون بحكم الأمر الواقع على المناطق المتضررة أن يحرصوا على أن تكون حقوق الإنسان في صميم مواجهة الأزمة وأن يمتنعوا عن الانتقام من المنتقدين. فخلال الأزمات، يشكل المجتمع المدني الحيوي ووسائل الإعلام المستقلة عنصرًا جوهريا لضمان حقوق الناجين في الحياة، والسكن الآمن، والغذاء، والصحة، والحصول على المعلومات".
وتحدثت أمنستي عن "اختفاء قسري" لصانع محتوى محلي يُدعى جمال القماطي لمدة ثلاثة أيام، إثر توجيه "اتهامات علنية للمسؤولين بالفساد"، محملاً إياهم المسؤولية عن الكارثة.
وأشارت إلى أن "رجالًا مسلحين يرتدون ملابس مدنية – يُعتقد أنهم من الجماعة المسلحة المعروفة بجهاز الأمن الداخلي التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية – ألقوا القبض عليه في مسقط رأسه في بلدة شحات بمقاطعة الجبل الأخضر" في 17 من الشهر الجاري.
وعلاوة على ذلك، تقول المنظمة إن صحفيين ليبيين أبلغاها أن "المسؤولين المحليين أوقفوهما واستجوبوهما في 14 سبتمبر قبل أن يأمروهما بمغادرة المدينة"، و"في 16 سبتمبر، "اعتُقل ناشط من درنة بعد أن أعطى مقابلة حول الوضع في المدينة لقناة تُعد معارضة للقوات المسلحة العربية الليبية".
ودعت القوات المسلحة العربية الليبية – وهي جماعة مسلحة تسيطر بحكم الأمر الواقع على شرق ليبيا بما فيها مدينة درنة التي دمرتها الفيضانات – إلى الرفع الفوري لكافة القيود غير المبرَّرة المفروضة على وسائل الإعلام ولتيسير تسليم المساعدات الإنسانية إلى كافة المجتمعات المتضررة.
وطالبت منظمة العفو الدولية قوات الرجل القوي في شرق ليبيا، خليفة حفتر، برفع القيود "المفروضة" على الإعلام، مؤكدة وجود "حاجة ملحة لتحديد الحقائق والملابسات المحيطة بالخسائر الهائلة في الأرواح" في أعقاب الأمطار الطوفانية الهائلة التي صاحبت العاصفة دانيال.
وكانت متحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قالت أيضاً لوكالة رويترز للأنباء إن السلطات الليبية رفضت السماح لدخول فريق تابع للمنظمة الدولية إلى مدينة درنة للمساعدة في مواجهة كارثة الفيضانات.
إحكام القبضة على درنة
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن المسؤولين الليبيين يقيدون وصول المراسلين ومنظمات الإغاثة إلى درنة في أعقاب الاحتجاجات، مشيرة إلى أن الدافع للحد من وصول الأجانب إلى منطقة الكارثة يمكن أن يتولد من محاولة تجنب الانتقادات.
وكان مراسل قناة "الحرة" قد ذكر، الثلاثاء، أن "السلطات طلبت من جميع الوفود الصحفية مغادرة المدينة في أسرع وقت".
وبررت حكومة الشرق الليبي هذا الإجراء بدعوى أن "عددا كبيرا من الصحفيين، يعرقل عمل فرق الإنقاذ".
وانتقد تقرير نشرته مجلة "ذي إيكونيميست" البريطانية إجراءات السلطات في شرق ليبيا، مشيرة إلى أن قطع خطوط الهاتف والإنترنت ومطالبة الصحافيين بالخروج من درنة ومنع فريق تابع للأمم المتحدة من الوصول إلى المدينة المنكوبة مرتبط بالتظاهرات التي اندلعت هناك ضد رئيس البرلمان، عقيلة صالح، ورئيس بلدية درنة، وهو "ابن شقيق صالح"، تقول المجلة.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن دبلوماسي غربي سابق عمل في ليبيا، قوله إن حفتر "في وضع جيد للاستفادة من الأزمة؛ لأنه يشرف على الهيكل الوحيد الذي يمكنه القيام بعملية مساعدات واسعة النطاق".
وأضاف الدبلوماسي السابق للصحيفة الأميركية شريطة عدم الكشف عن هويته، إن ذلك "قد يعزز علاقاته مع منظمات الإغاثة الدولية، مما يزيد من ترسيخ سيطرته".
المصدر: أصوات مغاربية/ مواقع دولية