تتابع أطراف في الداخل الليبي وجهات دولية مآلات التحقيقات القضائية التي باشرتها النيابة العامة في تداعيات كارثة درنة بالنظر إلى حالة الانقسام التي يعيشها هذا البلد المغاربي منذ عدة سنوات.
ويطرح مهتمون بالموضوع جملة من الأسئلة حول أهم الشخصيات النافذة والمسؤولين الذين ستطالهم العقوبات، وهل سيكون في مقدور العدالة الليبية الوصول إلى "الحيتان الكبيرة"، كما يسميها ليبيون، والتي لها علاقة بموضوع انهيار السدين، ومن يتحمل المسؤولية الجنائية في ذلك؟
أسماء واتهامات
وزاد النقاش حول هذا الملف بعد الإجراءات الأخيرة التي أعلن عنها، اليوم الإثنين، النائب العام الليبي بعدما أصدر أمرًا بتوقيف ثمانية مسؤولين في إطار التحقيق في كارثة الفيضانات التي أودت بحياة الآلاف في شرق ليبيا.
ويوجد ضمن الموقوفين، لحد الساعة، عميد بلدية درنة ورئيس هيئة الموارد المائية الحالي والسابق، إضافة إلى رئيس قسم تنفيذ مشروعات السدود والصيانة، ورئيس قسم السدود بالمنطقة الشرقية، ورئيس مكتب الموارد المائية.
ووجهت لهؤلاء مجموعة من التهم، من بينها "شبهة سوء الإدارة والإهمال، إساءة استعمال سلطة الوظيفة، والانحراف عن موجبات ولاية إدارة الأموال المخصَّصة لإعادة إعمار مدينة درنة، وتنميتها"، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتب النائب العام الليبي.
وتركز الجهات القضائية في ليبيا على التأكيد على أن الإجراءات المعلنة، لحد الآن، تمثل جزءا من التحقيق الابتدائي المفتوح، في الوقت الذي تشير فيه عدة مصادر إلى إمكانية أن تطال قرارات النيابة العامة أطرافا أخرى مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالكارثة، التي تسبب وفاة وفقدان الآلاف من الأشخاص، كما شردت عددا هائلا من العائلات وأدت إلى انهيار مرافق عمومية.
أصوات تشكك
وبعد مرور أسبوعين عن وقوع الكارثة، لا تتوقف أصوات العديد من النشطاء والحقوقيين في ليبيا عن الدعوة إلى "إجراء تحقيق دولي في ما وقع في المناطق الشرقية في هذا البلد المغاربي".
وتبرر هذه الجهات مطلبها بـ"عدم قدرة جهاز القضاء الليبي، الآن، على إنجاز تحقيق مستقبل ينتهي بالكشف عن جميع المسؤولين والأطراف التي تتحمل المسؤولية القانونية بخصوص الكارثة".
وفي هذا الصدد، يشير المحلل السياسي، محمود إسماعيل، إلى مجموعة من الأسباب التي تجعل من مطلب التحقيق الدولي في كارثة درنة "أمرا طبيعيا ومعقولا" بالنظر إلى مجموعة من الاعتبارات يلخصها في "العناصر المعقدة التي يتضمنها الملف، بالإضافة إلى ضخامة المسؤوليات والتهم التي قد توجه إلى الأطراف الضالعة في الموضوع".
ويتساءل المتحدث عن "قدرة جهاز القضاء الليبي في الوصول إلى الرؤوس الكبيرة التي يحتمل تورطها بشكل مباشر أو غير مباشر في الكارثة"، مشيرا في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إلى "وجود مجموعة من الأدلة والمؤشرات التي تلزم المحققين بالاستماع إلى مسؤولين نافذين في حكومة الوحدة الوطنية أو الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب أو حتى رئيس الهيئة التشريعية، عقيلة صالح".
وأضاف "موضوع التحقيقات ليس سهلا، فهو لا يتعلق بمرحلة زمنية محددة، بل قد يمتد إلى ما قبل 2011".
وتابع محمود إسماعيل قائلا "العديد من المهندسين والتقنيين وبعض السياسيين النافذين والمسؤولين الحاليين والسابقين عن صفقات ترميم السدين اللذين تعرضا إلى الانهيار يتمتعون بحماية مباشرة من القوات العسكرية في المنطقة الشرقية بقيادة المشير خليفة حفتر، ما يجعل من أمر ملاحقتهم مهمة معقدة وشائكة".
عقوبات زاجرة
وفي سياق النقاش الدائر حول موضوع التحقيقات، دعت أطراف أخرى إلى ضرورة تأجيل التحقيقات في هذا الملف لغاية تحيين النصوص التشريعية، خاصة قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية على اعتبار أنهما لا يتضمنان مواد تعالج طبيعة التهم والوقائع التي شهدتها المنطقة الشرقية في ليبيا.
ويبدي رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الليبية، أحمد حمزة، معارضة لهذا التوجه، مؤكدا في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "موسوعة التشريعات الليبية تتعاطى بشكل واضح مع جميع بالآثار السلبية التي خلفها الإعصار دانيال، والمترتبة أساسا عن الإهمال والتقصير في أداء الواجب المهني".
وقال حمزة "لا يمكن لأي كان إنكار الجريمة التي حصلت في ليبيا، فجميع أركانها واضحة ويمكن للقضاء الليبي تحديث الجهات المسؤولة عنها ومعاقبتها بما تقرره النصوص القانونية".
وأشار المتحدث إلى أن "النيابة العامة باشرت التحقيقات الابتدائية من خلال استيفاء جميع المعلومات المتعلقة بالحادثة واعتمادا أيضا على تقارير خبرات فنية، وقد تصل إلى تحديد الجهات المتورطة في الأمر".
وأوضح رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الليبية أن "ما وقع في درنة يمكنه تكييفه على أساس أنه خيانة عظمى ارتطبت في حق ليبيا وشعبها، وهي التهمة التي يتصدى لها القانون الليبي بعقوبة الإعدام".
المصدر: أصوات مغاربية