تعرف الساحة السياسية المغربية حالة من الجدل والنقاش الصاخب بعد اتساع نطاق الملاحقات القضائية، التي تستهدف برلمانيين ومسؤولين بارزين في قضايا فساد وجنايات واتجار بالمخدرات.
ففي الآونة الأخيرة، تمّ إسقاط الحصانة عن نواب برلمانيين والزج بمنتخبين ورؤساء أندية كروية في السجن، ما يثير تساؤلات حول دوافع هذه الملاحقات وتأثيرها على استقرار العمل السياسي في البلاد.
وفي حين يرى البعض أن ما يجري يهدف إلى تخليق العمل السياسي وتعزيز مبدأ المساءلة، يعتقد آخرون أن النظام يُجري دورياً محاولة لترميم صورة المؤسسات للحفاظ على الشرعية.
اعتقالات بالجملة
وأماط اعتقال رئيس نادي الوداد البيضاوي لكرة القدم، سعيد الناصري، اللثام عن حجم الملاحقات القضائية التي يتابع فيها مسؤولون ونواب الأمة.
والناصري، وهو نائب برلماني عن حزب "الأصالة والمعاصرة" (الائتلاف الحاكم)، اعتقل بناء على أمر النيابة العامة في مدينة الدار البيضاء بتهم عدة بينها "تزوير وثائق رسمية وحيازة وتوزيع مخدرات"، وذلك على خلفية تداعيات ما يعرف بملف "إسكوبار الصحراء"، في إشارة للمواطن المالي "الحاج أحمد بن إبراهيم" القابع في سجن مغربي منذ عام 2019، بسبب الاتجار الدولي في المخدرات وقضايا أخرى.
وشمل التحقيق في في تلك القضية 25 متهماً - 21 منهم رهن الاعتقال - بمن فيهم عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق وعضو بحزب الأصالة والمعاصرة أيضا.
وعلاوة على هؤلاء، يقبع البرلماني والوزير السابق وعضو في حزب الحركة الشعبية (معارض)، محمد مبدع، في سجن عكاشة بالبيضاء بتهم متعلقة بالفساد و"تبديد أموال عمومية".
وفي أحدث التطورات القضائية، أحال قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أمس الجمعة الرئيس السابق لنادي الرجاء البيضاوي، عبد العزيز البدراوي، والبرلماني السابق، محمد كريمين، بتهم " تبديد واختلاس أموال عمومية".
واعتقل أيضا البرلماني عن حزب الاتحاد الإشتراكي (معارض)، عبد القادر البوصيري، العام الماضي، بتهم "اختلاس أموال عمومية"، و"الارتشاء".
وسُجن أيضا منتخبون آخرون ومسؤولون بارزون، وأبرزهم محمد حيداوي، برلماني عن التجمع الوطني للأحرار (الائتلاف الحاكم) ورئيس فريق أولمبيك آسفي حينها، بالإضافة لزميله في الحزب رشيد الفايق، وهو أيضا برلماني، كما جرى اعتقال البرلماني عن الاتحاد الدستوري (معارض)، ياسين الراضي، بتهم بينها "محاولة القتل" و"الفساد وإعداد وكر للدعارة".
وإضافة إلى ذلك، يتابع العديد من المسؤولين المنتخبين في الوقت الراهن في ملفات فساد واختلاس وسوء تدبير، ما يُرجح ارتفاع العدد الحالي للنواب البرلمانيين في سجون المملكة.
ماذا يجري؟
وتعليقا على هذا التطورات، يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، ورئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، إن "الحملة الحالية تأتي في إطار تطبيق مقتضيات دستور 2011، حيث بدأ التطبيق الصارم للقانون وأضحت مسألة سحب الحصانة من البرلمانيين قائمة".
ويضيف الأزرق، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن "الدستور الجديد نزع الطابع المُطلق من الحصانة البرلمانية، إذ أصبحت حصانة تهمّ فقط حرية الرأي التعبير داخل قبة البرلمان، ولم تعد تحمي صاحبها من الجرائم والممارسات الجنائية".
ويؤكد أن هناك أيضا سياقا دوليا لما يجري من ملاحقات، فالمغرب "دخل في اتفاقيات دولية لمحاربة الفساد والاتجار بالبشر والمخدرات"، مشيرا إلى أن التوجه الجديد "يجعل المسؤولية الجنائية تمتد إلى المسؤولين وصانعي القرار".
وتحدث عن تأثيرات الملاحقات القضائية على المشهد السياسي، مرجحا أن تؤدي إلى "تجديد النخبة السياسية" و"تخليق الحياة العامة، والتأسيس الفعلي لدولة القانون".
ودعا الخبير القانوني المغربي إلى التمييز بين الملاحقات القضائية بتهم المخدرات وأخرى متعلقة بالفساد، قائلا إن "أغلبية الملاحقين في قضايا سوء التدبير كانوا يُسيرون جماعات ترابية ومجالس عمالات، وجُلّهم من الأعيان وينتمون إلى تشكيلات حزبية متنوعة من الموالاة إلى المعارضة".
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي حميد بنخطاب، أن "المؤسسات التابعة للأنظمة الهجينة والسلطوية تعرف غالبا انتشار المحسوبية والزبونية واستشراء الفساد، وعليه يكون لزاما على ركائن النظام تفعيل القانون ومتابعة المتورطين من أجل منح المصداقية للحكم وتقوية مشروعه السياسي".
ويوضح أن "محاربة الفساد تظل شعاراً متداولا حتى داخل الأنظمة الهجينة والسلطوية"، مردفا أن "محاربة الفساد تتم بشكل دوري في المغرب، ففي كل 15 إلى 20 سنة يتم إطلاق حملة جديدة واسعة لملاحقة من يتم اعتبارهم الرؤوس الكبرى لهذا الفساد".
ويشدد بنخطاب أن "هذه الحملات تؤدي بالفعل إلى تنظيف المؤسسات من الذين قد يمسون بسمعة الدولة، وقد تقود أيضا إلى تخليق العمل السياسي وتقوية مشروعية النظام السياسي على اعتبار أنه يُريد تعزيز الحكم الرشيد".
لكنه يحذر، في الوقت نفسه، من أن "تتحول هذه الحملات إلى محطات لتصفية الحسابات السياسية مع بعض الشخصيات والحساسيات الحزبية".
المصدر: أصوات مغاربية