يشهد القطاع الزراعي في ليبيا تحديات كبيرة نتيجة لتغير المناخ والجفاف المتكرر، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المحاصيل الزراعية، وفقا لتقرير حديث نشرته وكالة الأنباء الليبية نقلا عن خبراء محليين.
وبحسب المصدر نفسه، فإن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وسوء إدارة الموارد المائية، بالإضافة إلى تغير أنماط الاستهلاك وإدارة الإنتاج، أدت إلى ارتفاع أسعار المحاصيل وزيادة العبء على المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.
فقد أدت موجات الجفاف المتكررة وارتفاع درجات الحرارة والظروف المناخية القاسية - الناتجة عن التغير المناخي - إلى سقوط الثمار قبل نضجها وجفاف الأوراق، مما قلل من كمية الإنتاج.
وتسبب أيضا انتشار الآفات الزراعية مثل حشرة العنكبوت الحمراء في تدمير المحاصيل، خصوصا العديد من أشجار التين.
وعلاوة على ذلك، يؤدي عدم استخدام أساليب الري الحديثة والفعالة - وفق التقرير - إلى هدر المياه وتأثير سلبي على المحاصيل، هذا ناهيك عن عدم وجود خطط زراعية واضحة وتخطيط غير كاف لإنتاج الفواكه والخضروات.
وفاقم أيضا تراجع قيمة الدينار الليبي ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب نقص المياه والطاقة، وارتفاع أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك الأسمدة والمبيدات الحشرية.
الاحتباس الحراري
ويؤكد الخبير البيئي، سامي الأوجلي، أن "الاحتباس الحراري المتسبب في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة يؤثر على المحاصيل الزراعية التي تحتاج لدرجة حرارة معينة في شهر معين لتنمو وتعطي منتوجا جيدا".
ويضيف أن هذا الوضع "يؤدي إلى زيادة في التبخر ونقص في منسوب المياه الجوفية ويزيد من مخاطر الجفاف والتفاوت في درجات الحرارة وشح الأمطار التي تأتي في غير وقتها وارتفاع نسبة الرطوبة ما يؤثر بدرجة كبيرة على المحاصيل الزراعية"، كما أن الاحتباس الحراري يتسبب في "زيادة في الآفات الزراعية ويؤثر بشكل مباشر على النباتات التي تعتمد على موسم الأمطار والمياه الجوفية".
من جانبه، يحذر محمد عبد الله، مدير إدارة الشؤون العلمية في المركز الليبي للاستشعار عن بعد، من خطورة الوضع المائي المتدهور في ليبيا، مشددا على أن "ليبيا هي إحدى أفقر الدول مائيا، وأن أمنها المائي يحتاج إلى إجراءات أكثر فعّالية عن طريق الاحتياط واتخاذ الإجراءات الوقائية، وهي مسؤولية تقع مباشرة على الجهات الحكومية المسؤولة".
وتعاني ليبيا من أزمة سياسية مستمرة مع نزاع بين حكومتين: واحدة برئاسة أسامة حماد منحها البرلمان، والثانية منبثقة من اتفاق سياسي رعته الأمم المتحدة قبل نحو ثلاثة أعوام ويترأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا عبر انتخابات.
وتابع الخبير الليبي أن "الجفاف الذي حدث في السنوات الأخيرة وقلة هطول الأمطار، قد يعصف بالثروة الزراعية والحيوانية والغطاء النباتي"، مشيرا إلى أن "المركز الليبي للاستشعار عن بعد بصفته عضوا في اللجنة الوطنية لمكافحة التصّحر، يجري بحوثه العلمية باستمرار ويتابع الوضع المائي، بعد تأثر الغطاء النباتي بالجفاف الذي بدأت ملامحه تظهر على الواقع البيئي في البلاد".
الفقر المائي
وتفيد الأمم المتحدة بأن ليبيا هي إحدى أكثر دول العالم جفافاً، حيث الطلب على المياه أكبر بكثير من إمداداتها.
وتثير الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، مخاوف استنفاد موارد المياه وتقلل الإنتاجية الزراعية.
ويصف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليبيا بأنها "من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم"، وهذه الندرة من "أكبر التهديدات الناشئة" التي تواجهها.
ويرى البرنامج الأممي أنه يتحتم على ليبيا اتخاذ تدابير استباقية ضد الجفاف والتصحر المتنامي، إذ يمكن لتطوير الاستراتيجيات الوطنية وتنفيذها، الحد من المخاطر والتكيف مع تغير المناخ.
ووفقا لتقارير رسمية، شهدت ليبيا تراجعا حاداً في كميات الأمطار التي كانت معدلاتها تصل إلى 400 ملم سنوياً، بينما لا تتعدى الآن 200 مليمتر منذ العام 2019.
وتعتمد البلاد في توفير المياه على مشروع النهر الصناعي الذي أطلقه الدكتاتور السابق معمر القذافي في ثمانينيات القرن الماضي، مع نقل المياه الجوفية من أقصى الجنوب الليبي.
ويوفر المشروع حوالي 60 في المئة من المياه، لكنها تؤخذ من طبقات جوفية "غير متجددة" ولا يمكن إعادة تغذيتها بالمطر.
وصادق ليبيا التي تمثل الصحراء حوالي 90 في المئة من مساحتها، على اتفاق باريس للمناخ في العام 2021، إلا إنها لم تقر السياسات أو خطط التكيف المطلوبة حتى الآن.
السلة الغذائية
والعام الماضي حذر تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من تدهور الوضع الغذائي في ليبيا.
وذكر أن نسبة 53 في المائة من الأسر الليبية تُنفق من دخلها على الغذاء، في حين ينفق 31 في المائة من الأسر أزيد من 65 في المائة.
وأشار إلى أن الأسر الفقيرة تعجز عن الحصول على الغذاء "لأنها لا تستطيع تحمل تكاليفه"، محذرا من استمرار أسعار المواد الغذائية في الارتفاع وتقلص مداخيل الأسر وقدرتها على التكيف مع الوضع الراهن.
ولفت التقرير إلى غياب الاستقرار في هذا البلد المغاربي، مشيرا إلى أن الحرب الأهلية المستمرة أدت إلى "نزوح السكان وتعطيل سبل عيش الأسر".
وقال إن تاريخ التنمية الزراعية في ليبيا "ارتبط ارتباطا وثيقا، وإن كان عكسيا، بتطور قطاع النفط فيها"، ففي عام 1958، أي قبل الحقبة النفطية، كانت مساهمة قطاع الزراعة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا أزيد من 26 في المائة، قبل أن تتراجع إلى 18.5 في المائة عام 2002، ثم تنحدر إلى 8.1 في المائة عام 2008.
ووفق الفاو، فإن ليبيا تستورد حالياً أكثر من 60 في المائة من احتياجاتها الغذائية، وأن هذه النسبة تتجاوز حاجز الـ 90 في المائة بخصوص الحبوب.
المصدر: أصوات مغاربية/ وسائل إعلام ليبية