الروائي الجزائري واسيني الأعرج

في هذا الحوار، يتحدث الروائي الجزائري واسيني الأعرج عن دور الأدب في تجاوز الخلاف المغربي الجزائري. كما يبدي رأيه بخصوص ما يسميه "تهديد الإسلام السياسي اليوم للمنطقة المغاربية"، إضافية إلى مواضيع أخرى تطفو على ساحة النقاش المغاربي. 

نص الحوار: 

  • تُعد من بين أبرز الروائيين الجزائريين الذين يحيون لقاءات أدبية كثيرة بالمغرب، بالمقابل نشاهد شبه غياب للروائيين المغاربة عن التظاهرات الأدبية بالجزائر، كيف تفسر ذلك؟ 

إلى وقت قريب، كان هناك حضور للروائيين المغاربة بالجزائر، ربما الأوضاع الحالية أثرت بشكل كبير على الوضع العام، لكن أعتقد أن الروائيين المغاربة لهم مقروئية كبيرة ومعروفون بشكل جيد، سواء الجيل القديم أو الجيل الوسيط أو جيل الروائيين الحاليين الشباب.

المهم أن حركية الكِتاب موجودة تماما، خصوصا مع هذه الجوائز العربية التي سهلت إمكانية الوصول لهؤلاء الكُتاب  سواء بشكل مباشر أو غير مباشر والقراءة لهم.

الأكيد أن التواصل موجود، كتابيا على الأقل. 

  • بالحديث عن الأوضاع الحالية بين الجزائر والمغرب، التوتر وصل حد القطيعة. ما الدور  الذي يمكن أن تلعبه الثقافة والأدب في هذا الصدد؟ 

بعيدا عن المشكلات السياسية التي تعقدت مع الأسف كثيرا في الآونة الأخيرة بين البلدين، الجانب الثقافي مهم في تقريب وجهات النظر وخلق وسائط نقاشية بين مختلف الآراء.

بالنسبة إلي، أرى أن قدر هذه الخلافات أن تنتهي إلى نتيجة تضمن مصلحة البلدين في نهاية المطاف. فلا يمكن لبلدين مثل المغرب والجزائر أن يظلا على هذه الصورة غير الجميلة في المنطقة المغاربية، وعليها (الصورة) أن تنتفي من أجل مصلحة الشعبين، وهي المصلحة التي تكمن بالأساس في هذا التواصل.

أنظر للإمكانات التي يمتلكها المغرب وتلك التي تمتلكها الجزائر، لو كان هنالك دمج لهذه الإمكانات وتم التواصل بين الطرفين سنصل حتما إلى شيء إيجابي، لهذا أنا أقول إن قدر هذه العلاقات أن تتقدم للأمام. 

  • لماذا لا يتم مثلا اعتماد وسائط أدبية، مثل أدب المراسلات أو المشاريع الفنية المشتركة بين الأدباء من كلا البلدين، كخطوات عملية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين؟  

صحيح، هناك العديد من الوسائط مثل التي ذكرت يمكن اعتمادها، لكن هناك شيء أهم هو فسحات الحوار. حتى ولو لم تتوفر هذه الفسحات بالمغرب والجزائر ممكن أن تتوفر في اللقاءات العربية.

أنا على سبيل المثال ألتقي كتابا مغاربة وعربا ونناقش المواضيع الثقافية والأدبية والفكرية وحتى السياسية.

لا يمكن لبلدين مثل المغرب والجزائر أن يظلا على هذه الصورة غير الجميلة 

المحصلة النهائية أن هناك رغبة حقيقية من كلا الطرفين لنصل إلى مستوى يمكن من خلاله أن نقبل اختلافاتنا، وفي الوقت نفسه أن نذهب بعيدا في ما يجمعنا، لأن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا أو يدفعنا لنختلف مع بعض مهما كانت الظروف أو الحيثيات. فلا يمكن أن نظل في وضعية صراعية بين البلدين، وأنا بصراحة متفائل وأقول إنه مهما كانت الخلافات ومهما كان ثقلها وضغطها، لا بد أنه في يوم من الأيام ستصل إلى بر الأمان. 

  • من بين أبرز الموضوعات التي ركزت عليها كثيرا في مشروعك الروائي مسألة "الإسلام السياسي"، الذي تقول إنك "عانيت بشكل شخصي من مده الفكري في فترة العشرية السوداء". ما تقييمك لحضور "الإسلام السياسي" حاليا، ليس فقط بالجزائر بل في جميع بلدان المنطقة المغاربية؟ 

الواقع يؤكد أنه دائما ما كان الإسلام السياسي مُسخرا من قوى تُحركه، وهي التي أعطته هذا المد، ولم يبق فقط إسلاما سياسيا، بل تحول إلى إسلام تحت هيمنة قوى عالمية تحركه وتستعمله، ويمكن أن ترى كيف أُجهضت هذه القوى الثورات العربية.

هذه الثورات التي جاءت بالأساس من أجل تغيير الواقع، وليس لوضع الإسلام السياسي في الواجهة، لكن مع الأسف هذا ما وقع، وكل البلدان العربية التي قامت فيها ثورات، كأنها ثورات كانت تُطالب بالإسلام السياسي، لكن ماذا ربحنا؟

الناس تناضل على الديمقراطية وتغيير الأوضاع وأن تتوفر الحماية والحرية، لكن جاء مد آخر (يقصد الإسلام السياسي) لا علاقة له بهذه المواضيع. وإلا فما الغاية من تغيير النظام، كان ممكنا أن يستمر النظام نفسه على الأقل أنا أعرفه جيدا أما أن تبرز قوة أخرى تضعني أمام واقع أسوء هذا معناه أن هذا التغيير لا دور له ولم ولن نستفيد منه شيئا. 

  • هل ما يزال لـ"الإسلام السياسي" التأثير نفسه اليوم؟ 

لا أعتقد، الآن نحن أمام سياسات أخرى، بالخصوص هي سياسة التفتيت، هناك بعض الدول، خصوصا ذات المساحة الكبيرة بدأ تفتيتها وهذا ما وقع في سوريا والعراق والآن في السودان واليمن كذلك. الجزائر كذلك مهددة، لذلك على الإنسان أن يكون واعيا، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي أو العالمي، والذي سيمس الجزائر سيمس كذلك المغرب وتونس وليبيا. علينا أن نحذر من هذا الاستعمار الجديد الذي غايته التفتيت. 

  • هناك مواضيع أخرى طفت على سطح النقاش بالمنطقة المغاربية، مثل الحريات الفردية، الهجرة.. كيف تُقيم التقاط ومعالجة هذه المواضيع أدبيا؟ 

الكاتب عندما يكتب، هو يوجد داخل مناخه وداخل نظام من أجل الحرية لأنه في نهاية المطاف الكتابات التي لا ترفع من قيمة الحرية عاليا لا قيمة لها، ومشروع الانتصار للحرية كان منذ وقت سابق خصوصا مع الكُتاب الأوائل الذين كتبوا باللغة الفرنسية مثل كاتب ياسين ومحمد ديب، وبعدهم الكُتاب الذين ظهروا بعد استقلال المنطقة العربية والذين ناضلوا من أجل ذلك، وهو شكل من أشكال النضال من أجل الحرية.

علينا أن نستمع إلى نبض مجتمعاتنا وما الذي تريده وحاجتها كذلك إلى الاستقرار

لكن اليوم علينا أن نكون حذرين، فبقدر ما هناك دفاع عن الحريات الديمقراطية، وهي مسألة مشروعة، هناك أيضا المنظومة الغربية، الاستعمارية تحديدا، التي تبتغي شيئا آخر خلف ذلك. فما معنى الحرية وما حاجتي لها وأنت تمزق وطني.

أنا أحب الحرية طبعا، سواء في بلدي أو في باقي البلدان العالم، وأنا مع النضال من أجلها رغم الثمن الذي قد تدفعه مقابل ذلك، قد تُسجن أو تُقتل، لكن المهم أن يكون لهذا الثمن معنى وليس أعمى، لأنه علينا قبل ذلك أن نستمع إلى نبض مجتمعاتنا وما الذي تريده وحاجتها كذلك إلى الاستقرار. 


المصدر: أصوات مغاربية
 

مواضيع ذات صلة

حوار

الفركي: الفساد استفحل والتبليغ عنه يخيف المقاولات المغربية

09 أكتوبر 2024

كشف التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن ربع المقاولات المغربية أقرت بتعرضها لأحد أشكال الفساد خلال الـ12 شهرا الماضية، وذلك في وقت سجلت فيه البلاد إفلاس 14 ألف مقاولة عام 2023.

ولفتت المؤسسة الرسمية خلال تقديمها تقريرها السنوي لعام 2024، الثلاثاء، إلى أن الفساد يكلف المغرب 5 مليارات دولار سنويا ويعيق نمو المقاولات على أكثر من صعيد.

وجاء في التقرير أن المقاولات المغربية تتعرض لأشكال مختلفة من الفساد خاصة عند طلبها التراخيص والصفقات العمومية أو عند طلب الاستفادة من خدمة للمقاولة الحق فيها.

في السياق نفسه، أكدت 26 في المائة من المقاولات، خاصة المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، أنها فقدت صفقة "بشكل من أشكال الفساد"، ما دفع نحو نصفها إلى القول إن الإجراءات التي سنتها الدولة لمكافحة هذه الظاهرة غير كافية.

في هذا الحوار، يعلق عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة على تقرير الهيئة الرسمية وعن الأسباب ونسب انتشار الفساد في القطاع.

نص المقابلة:

  • ما تعليقكم على ما جاء في التقرير وما تفسيركم للأسباب التي دفعت 45  في المائة من المقاولات التي شملتها الدراسة إلى القول إن الفساد زاد خلال العامين الماضيين؟  

بالفعل، زاد الفساد في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد جائحة كورونا، من خلال تقييد عدة ممارسات كانت في الماضي مرتبطة بالحرية الفردية والاقتصادية. على الرغم من انتهاء الجائحة، إلا أن آثارها لا تزال واضحة، مثل الحواجز الأمنية في المداخل والمخارج والطرقات.

لم يتضمن التقرير وضع ومعاناة المقاولات الصغيرة جدا بشكل كاف، حيث تواجه صعوبات في التنقل أيضا بسبب القيود الأمنية والتعسفية في بعض الحواجز الأمنية عبر مداخل ومخارج المدن، من ناحية أخرى، يتم التعاطي بمرونة وترحاب مع الشركات الكبيرة والمسؤولين والأعيان.

عبد الله الفركي، رئيس الكنفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة

نلاحظ أيضا تنامي الرشوة في الصفقات العمومية وطلبات الأداء وخصوصا أن احتكار المقاولات الكبرى للصفقات أدى في بعض الحالات إلى التحايل على القانون واستعمال الرشوة والنفود واستغلال الفساد.  

ظاهرة الرشوة لم تعد خفية، حيث يفرض على المقاولات الصغيرة دفع مبالغ مالية مقابل خدمات يجب أن تكون مجانية. انعدام المحاسبة وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة دفع العديد من الموظفين الصغار إلى ممارسة الفساد وطلب الرشاوى بشكل مستمر.

يجب على الجهات الأمنية رفع الحواجز وتكثيف حملات المراقبة لضبط المخالفين، بدلاً من التركيز على مستخدمي الطرق. إن الاستماع إلى المقاولات الصغيرة جدا والتي تمثل أكتر من 66% من مجموع المقاولات بالمغرب، أثناء دراسة الوضع يمكن أن يفضي إلى نتائج أكثر دقة ويعزز الشفافية ومكافحة الفساد والرشوة.

  • في ظل تعرض 23% من المقاولات لشكل من أشكال الفساد خلال العام الماضي، كيف يؤثر ذلك على قدرة المقاولات المغربية على الحصول على التراخيص الضرورية والتمويل البنكي والفرص التجارية، خاصة في ظل تزايد المقاولات التي تعلن إفلاسها كل عام؟

يمكن القول إن أكثر من 50% من إجمالي المقاولات تتعرض لمشاكل الفساد واستغلال النفوذ والضغط من أجل طلب الرشاوى لإنجاز عمل كان يفترض أن يكون مجانيا وبدون قيود أو شروط. إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي ونقص التفتيش والمحاسبة دفع العديد من الإدارات إلى فرض الرشاوى لتنفيذ أعمال ينبغي أن تنجز بسهولة. 

كل هذا بدون تصريح رسمي أو قانوني، بل تحت تهديد بفقدان الفرصة وعدم التقدم، أو "الفاهم يفهم"، وغيرها من المصطلحات الشعبية المستخدمة في مثل هذه الحالات لطلب الرشاوى.

هذه الثقافة دفعت العديد من المقاولين إلى استخدام الأموال والرشاوى للحصول على طلبات قانونية وغير قانونية وتجاوز الإجراءات المعتادة قانونيًا وبفعل هذه الممارسات، تشكلت لدى بعض المقاولين ثقافة شراء بعض المسؤولين بشكل مالي للحفاظ على أنشطتهم المشبوهة أو التي لا تلبي الشروط القانونية، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى التهرب الضريبي.

  • في المقابل، صرحت 6% فقط من المقاولات التي تعرضت لحالة فساد، وفق الدراسة، أنها قدمت شكاية للسلطات، ما الأسباب في نظركم التي لا تشجع أرباب المقاولات المغربية على التبليغ؟

أعتقد أن ذلك طبيعي لأن المقاول بطبعه يخاف من تبعات ذلك، حيث يضطر بعض الموظفين إلى إطلاق الإشاعات لمحاصرة المقاول ومحاربته، وحدث أن قرر بعضهم تغيير مدنهم بسبب ذلك.

من أمثلة ذلك، يتم إشعارنا من بعض المقاولين الذين تعرضوا للابتزاز أو طلب رشوة من بعض الجهات الأمنية والعمومية شفهيا، حيث يخشون إبلاغنا كتابيا خوفا من التبعات التي أشرت إليها.

من جانبنا، نشير في بيانات الكونفدرالية إلى هذه الممارسات وسبق أن أخطرنا الحكومة وطالبنا منها تشديد المراقبة ومحاسبة المتورطين في هذه الممارسات.

  • في السياق نفسه، أشارت الدراسة أيضا إلى ضعف المعرفة لدى مسؤولي المقاولات بالجهات التي يمكنهم اللجوء إليها للتبليغ عن الفساد، ما هي التدابير التي يمكن للكونفدرالية اتخاذها لزيادة الوعي ودعم المقاولات في مواجهة تحديات الفساد؟

فعلا، المقاولون، خصوصا أرباب المقاولات الصغيرة جدا، يجهل بعضهم بعض المساطر والمؤسسات التي يمكنهم اللجوء إليها في حالة تعرضهم للابتزاز، لكن هذا تراجع مؤخرا بفضل المعلومة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستطاع بعضهم تدارك هذا النقص.

غير أن الشكايات التي يرفعها هؤلاء لا تؤخذ أحيانا بعين الاعتبار، كما أن بعضهم ومن كثرة مراسلة هذه الجهات دون تلقي أي رد دفع بعضهم إلى فقدان الثقة في هذه المؤسسات.

لذلك نحاول في الكونفدرالية أن نعالج هذه الظواهر ونشير في بياناتنا الرسمية إلى هذا الفساد وإلى كل العوائق التي تعيق مناخ الأعمال بالمغرب.

ومن أمثلة ذلك وقوفنا إلى جانب المتضررين من رفض شركة "البناؤون الشباب"، المملوكة لرئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تسديد مستحقاتهم، كما نساند نحو 50 مقاولة صغيرة وصغيرة جدا من مختلف جهات المغرب في نزاعها مع مصلحة الجمارك التي فرضت عليها أداء فواتير مجحفة.

  • يعتقد حوالي 60% من أرباب المقاولات التي شملتها الدراسة أن التدابير الحكومية لمكافحة الفساد غير كافية، ما المقترحات التي ترون أنها ضرورية حتى يستطيع المغرب القضاء على الفساد وتحسين مناخ الأعمال؟

أعتقد أن النسبة قد تصل إلى 80 في المائة، وذلك أن الكثير من أرباب المقاولات الصغيرة والمتوسطة لا يرون أي تحسن في محاربة الفساد واستغلال النفوذ، بل على العكس نرى أن الظاهرة في تزايد.

للأسف الشديد لم يتحقق بعد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ولن يتحقق ما لم يتم محاسبة المسؤولين الحكوميين أو العموميين على خروقاتهم.

الرشوة أصبحت ظاهرة عادية وباتت تطلب علانية وجهرا، وهذا سلوك أعتقد أنه يستدعي المزيد من الجهود الجادة لمحاربته، لأن الخطابات لم تأت أكلها ولا بد من إجراءات ومساطر تربط المسؤولية بالمحاسبة وترسيخ الشفافية والحكامة في جميع المؤسسات بما فيها الحكومة نفسها.

فبينما تستفيد المقاولات الكبرى من الصفقات ومن الامتيازات يجري إقصاء المقاولات الصغيرة جدا التي تعاني الحرمان من الصفقات ومن حقها في الخدمات العقارية على الرغم من أن هذه المقاولات تشغل لوحدها أكثر من 75 في المائة من اليد العاملة بالمغرب.

المصدر: أصوات مغاربية